في ملاعب البيسبول، تحت السلال او في المدرجات، رفع فيديل كاسترو عاليا ولفترة طويلة مشعل الرياضة الكوبية وقادها الى الذروة الاولمبية قبل تراجع متدرج بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

الا ان رحيل "أب الثورة" الذي ابتعد عن الحكم منذ عشرة اعوام لصالح شقيقه راوول، يترك الرياضية الكوبية "يتيمة"، وهي تعاني تراجع مستوى بنيتها التحتية وهجرة مواهبها بحثا عن ظروف مالية افضل.

وتقول آنا فيديليا كيروت، العداءة السابقة وبطلة العالم مرتين في سباق 800 م والحائزة ميداليتين اولمبيتين (فضية وبرونزية في السابق ذاته)، ان "فيدل تمكن من جعل كوبا قوة رياضية، والذين سيحكمون الجزيرة في المستقبل يتعين عليهم الاستمرار في حمل هذا المشعل عاليا".

بعدما هيمنتها في اميركا اللاتينية، فقدت الحركة الاولمبية الكوبية بريقها. في اولمبياد ريو 2016، الاول الذي يقام في اميركا الجنوبية، حلت كوبا ثامنة عشر في ترتيب الميداليات، خلف البرازيل وجامايكا.

بعد اسابيع من الاولمبياد البرازيلي، ودعت البلاد زعيمها التاريخي كاسترو الذي توفي اواخر تشرين الثاني/نوفمبر عن 90 عاما.

منذ وصوله الى السلطة عام 1959، كان الرئيس الكاريزماتي يعشق ارتداء زيه الزيتي شبه العسكري، لالتقاط صور في ملاعب البيسبول - الرياضة الاكثر شعبية في الجزيرة - ولكن ايضا في الصالات والملاعب والقاعات الرياضية. في 1962، حظر الاحتراف وقطع العلاقات مع الولايات المتحدة.

بالنسبة اليه، كان الهدف والمسعى ايصال الرياضة الكوبية الى "ابعد مرحلة ممكنة" وجعلها أداة دعاية لثورته. وتلقى كاسترو في هذا المجال مساعدة من خبراء الاتحاد السوفياتي، الذي تشارك وكوبا الانتماء الشيوعي لاسيما خلال مرحلة الحرب الباردة.

قبل انتصار الثورة، كانت كوبا حاصلة على خمس ميداليات ذهبية فقط في تاريخ مشاركاتها في دورات الالعاب الاولمبية، بيد ان رياضة الهواة الكوبية بدأت في التألق تدريجيا، وصولا الى فرض سيطرتها خلال الثمانينات من القرن الماضي من خلال جيل استثنائي.

خافيير سوتومايور (الذي يحمل منذ 23 عاما الرقم القياسي العالمي في الوثب العالي)، تيوفيلو ستيفنسون وفيليكس سافون (3 القاب اولمبية في الملاكمة لكل منهما)، أو منتخب السيدات للكرة الطائرة الذي حصد الذهب الاولمبي من 1992 الى 2000، دخلوا التاريخ، وفرضوا احترام مدرسة البلد الصغير الذي يبلغ عدد سكانه 11,2 مليون نسمة، وجعلوا العديد من الدول تحسده على انجازاته.

من خلال 219 ميدالية اولمبية، منها 77 ذهبية، تحتل كوبا اليوم المرتبة الثامنة عشرة عالميا في التاريخ الأولمبي، على رغم مقاطعتها لنسختي 1984 (لوس انجليس) و1988 (سيول).

الا ان الامور تغيرت في الاعوام العشر الماضية، بسبب تراجع مستوى البنى التحتية وهجرة العديد من المواهب التي جذبتها عقود مغرية في الخارج. ظاهرتان نجمتا عن الأزمة التي ادى اليها انهيار الكتلة السوفياتية، الدعامة الأساسية للجزيرة حتى عام 1989.

ويعرب ليونيل سواريز، افضل رياضي في مسابقة العشارية في الجزيرة والذي يحمل ميداليتين اولمبيتين (برونزيتان)، عن اسفه لمآل الرياضة الكوبية، "يقولون أن الرياضيين (الكوبيين) ليسوا تنافسيين، ولكن ظروفنا (التدريب) ليست مثالية".

- عام للنسيان 

بعد بداية التراجع التي لوحظت في اولمبياد بكين 2008، اعرب فيدل كاسترو، الذي كان قد تنازل عن السلطة لأسباب صحية، عن أسفه لكون كوبا "تنام على أمجاد الماضي".

وفي ريو، فشلت كوبا في تكرار انتفاضة اولمبياد لندن 2012، عندما استعادت لفترة وجيزة السيطرة القارية (احرزت 14 ميدالية). وانتهت المغامرة في ريو مع 11 ميدالية، وهو عدد لا يقارن بالرقم القياسي الذي حققته كوبا في اولمبياد برشلونة 1992، بنيلها 31 ميدالية.

احرزت كوبا خمسة القاب في ريو، اثنان منها في المصارعة، والبقية في الملاكمة. الا ان رياضات مثل الجودو والكرة الطائرة والمبارزة وألعاب القوى، والتي كانت ميادين تفوق كوبية سابقا، خيبت الآمال.

ويواصل خلف فيدل كاسترو، شقيقه راوول الذي تسلم الحكم في 2006، العمل على تطوير المواهب الرياضية، ويحاول جاهدا وقف هجرة المواهب، مقرا بوجود ثغرات في نظام الهواية.

وساهم الشقيق الاصغر في جعل الرياضة عاملا للتقارب مع الولايات المتحدة. في آذار/مارس الماضي، وفي خضم عملية اذابة الجليد ووضع حد للصراع التاريخي بين البلدين، حضر الرئيس الاميركي باراك أوباما وراوول كاسترو مباراة في البيسبول، في اطار الزيارة الاولى من نوعها لرئيس اميركي الى الجزيرة منذ 88 عاما.

الا ان هذه السنة شهدت حدثان رياضيان سلطا الضوء بشكل سلبي على الرياضة الكوبية. 

ففي 8 شباط/فبراير، هرب الشقيقان يولييسكي ولورديس غورييل، نجما البيسبول الكوبي، الى جمهورية الدومينيكان للانضمام الى فريقين يلعبان في الدوري الاميركي. 

ووقع يولييسكي عقدا بنحو 50 مليون دولار مع هيوستن استروس، فيما انضم لورديس الى تورونتو بلو جايز مقابل 22 مليونا.

وفي ايلول/سبتمبر، دين خمسة لاعبين في المنتخب الوطني للكرة الطائرة بالسجن لمدة 5 اعوام بسبب اغتصاب جماعي ارتكبوه خلال مسابقة نظمت في فنلندا. ولم تستأنف السلطات الكوبية الحكم.