انفقت الاندية الصينية لكرة القدم اموالا طائلة خلال الاشهر الماضية، لضم لاعبين بموجب صفقات منافية للمنطق، في توجه يبدو انه لن يقف عند حد خصوصا مع قرب موسم الانتقالات الشتوية.

وباتت الاندية الصينية خلال سنة 2016، محط استقطاب اعلامي عالمي ليس لنجاحاتها الكروية، بل بسبب الاموال الطائلة التي تنفقها، تزامنا مع سعي بلادها بتوجيه مباشر من الرئيس شي جينبينغ، للتحول الى قوة كروية عالمية خلال العقود القليلة المقبلة.

واضافة الى الانفاق على اللاعبين، انتقلت "العدوى" الى المنتخب الوطني الذي تعاقد مع المدرب السابق للمنتخب الايطالي مارتشيلو ليبي. كما بدت الاستثمارات الصينية تدخل بقوة سوق الكرة الاوروبية.

ويرى ديفيد هورنبي من وكالة "مايلمان غروب"، المتخصصة في ادارة حسابات الشركات الكبرى على مواقع التواصل ومقرها شنغهاي، ان الاموال التي تنفقها الصين في كرة القدم بلغت سقفا مرتفعا.

يضيف "ثمة نمو متسارع في صفقات الانتقالات، شراء الحقوق (النقل التلفزيوني)، الدورات (الترويجية) في الصين وعقود الرعاية"، مؤكدا "عدم وجود اي سبب يدعونا للاعتقاد بان الوتيرة ستتراجع هذه السنة".

وعلى رغم تحذير وسائل الاعلام الرسمية من "فقاعة" كروية، تنفق الاندية الصينية من دون اكتراث.

فبعيد ساعات من اعلان انتقال الارجنتيني كارلوس تيفيز من بوكا جونيورز الى شنغهاي غرينلاند حيث سيتقاضى راتبا سنويا يناهز 40 مليون يورو يجعل منه اللاعب الاعلى اجرا في التاريخ، كشف مدير اعمال البرتغالي كريستيانو رونالدو رفض موكله عرضا صينيا خياليا.

وقال جورجي منديش لشبكة "سكاي سبورتس ايطاليا" ان العرض كان يشمل دفع 300 مليون يورو لنادي ريال مدريد للاستغناء عن رونالدو، وتخصيص اللاعب براتب سنوي يناهز 100 مليون يورو.

وسبق انتقال تيفيز صفقة ضخمة لناد صيني آخر هو شنغهاي سيبغ، الذي تعاقد مع لاعب تشلسي الانكليزي، البرازيلي اوسكار، في صفقة تقدر قيمتها بـ 70,5 مليون يورو، وراتب سنوي يبلغ 24 مليونا.

- تنافس أصحاب المليارات -

ولم تقتصر هذه الصفقات على نهاية السنة، اذ تخللت الاشهر الماضية خمس صفقات كبرى على الاقل، منها للبرازيليين أليكس تيكسييرا وهولك والكولومبي جاكسون مارتينيز وغيرهم.

ويرى مؤسس موقع "تشاينا سبورتس انسايدر" الالكتروني مارك داير، ان العالم "فوجىء" بالصفقات الخيالية التي ابرمتها الاندية الصينية سابقا، الا ان "عامل المفاجأة اختفى. الجميع يتوقع الآن الامر ذاته".

وعلى رغم تواضع الاداء الصيني على مستوى الاندية او المنتخب، يرى ماركوس لوير، مؤسس والمدير التنفيذي لشركة التسويق "توتل سبورتس آسيا" ان العملاق الآسيوي قادر على الاستقطاب.

ويقول "ثمة شهية عند اصحاب المليارات (في الصين) للتفوق على بعضهم البعض من خلال مواصلة شراء المزيد من الاسماء الكبيرة".

وما حصل خلال الاسبوع الحالي او الذي سبقه، يؤكد هذه النزعة.

وفي حين اقتصرت التعاقدات عام 2015 على لاعبين غير بارزين عالميا، تبدل الامر في 2016، وباتت الاندية تسعى للحصول على خدمات لاعبين مؤهلين للعب على اعلى مستوى.

ويقول لوير انه في 2016 "كانت الشائعات تحوم تقريبا حول كل اسم كبير" من اجل الانتقال الى الدوري الصيني.

- المال ليس كل شيء -

وعلى رغم الاغراءات، لا يزال امام الصين الكثير.

وقال منديش "المال ليس كل شيء. بامكانه ان يشتري الكثير من اللاعبين لكن من المستحيل ان يشتري رونالدو".

ولم ينعكس استقدام لاعبين اجانب على مستوى المنتخب الصيني، اذ اكتفى بالتعادل (صفر-صفر) ضد قطر، في المباراة الاولى له بقيادة ليبي في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018. ويحتل المنتخب المركز 82 في تصنيف الاتحاد الدولي "فيفا"، خلف جزيرة سانت كيتس ونيفيس التي لا يصل عدد سكانها الى 60 الف نسمة.

كما ان انفاق الاموال لم يرفع من شعبية الدوري او عائدات بيع التذاكر وحقوق النقل التلفزيوني للمسابقات المحلية.

ويقول دراير "لا يمكنك ان تجني الاموال من خلال انفاق المبالغ التي تدفع على لاعبين من الطراز الرفيع"، مشيرا الى استحالة تعويض ما انفق على اللاعبين من خلال عائدات الاندية.

لكن ما الذي يبرر انفاق هذه المبالغ الطائلة؟

يرى هورنبي ان ثمة "هدف وطني ابعد من مجرد تعزيز قوة احد الاندية"، وان هذه الصفقات تؤثر سلبا على تطوير المواهب المحلية.

ويوضح "الكثير من هذه الاموال ينفق على رواتب اللاعبين الاجانب عوضا عن انفاقها على اكاديميات الفئات العمرية".

وحدد جينبينغ ثلاثة اهداف اساسية لكرة القدم الصينية: استضافة كأس العالم، والتأهل اليها، والفوز بها، وذلك بحلول سنة 2050.

ويرى متخصصون في كرة القدم ان اهدافا كهذه تتطلب اقبال الناشئين على مزاولة اللعبة. الا ان طرحا كهذا لا يزال صعب التطبيق في البلاد، اذ ان الذهنية العامة لذوي الامر تجعلهم يعتبرون الرياضة مضيعة للوقت، ويفضلون ان يركز ابناءهم على التحصيل الاكاديمي.

كما ان الانفاق غير المضبوط يلقى انتقادات الصحافة المحلية ومنها الرسمية، التي رأت ان انفاق النوادي في 2016 (فاق مليار يورو) "يتجاوز بفارق كبير القيمة الاقتصادية التي اضيفت الى الدوري".

والاسبوع الماضي، اعلن الاتحاد الصيني خفض كوتا اللاعبين الاجانب في الاندية من خمسة لاعبين الى اربعة في الموسم المقبل، سعيا للحد من اقبال الاندية على استقطابهم مقابل مبالغ طائلة.

وقال الاتحاد ان "اللاعبين الاجانب ذوي المستوى المرتفع اضافوا طاقة الى دوري السوبر الصيني، وجعلوا مباريات الدوري ممتعة اكثر، الا انهم تسببوا بأعباء مالية للاندية وقلصوا فرص اللاعبين المحليين".