اثبتت السيدة بينيا انه عندما يتمتع المرء بالارادة والعزم والشكيمة بامكانه ان يصمد في مواجهة الضغوط مهما كانت كبيرة ومن اي جهة اتت وحتى ان كانت من اعلى السلطات.

تعرفوا على اول منتصر في الالعاب الاولمبية الصيفية المقررة في ريو بين 5 و21 اب/اغسطس، انها ليست رياضية لكنها تتمتع بكافة "المؤهلات" التي تخول الرياضي تحقيق النجاح، ولا نتحدث هنا عن المؤهلات البدنية بالطبع بل عن المؤهلات الذهنية التي يحتاجها اي رياضي ناجح من اجل التعامل مع الضغوط والاغراءات.

بعد صراع مع بلدية ريو التي ارادت طردها من منزلها، كسبت السيدة ماريا دا بينيا ماسينا "حربها" مع السلطات المحلية وحافظت على المنزل الذي سكنت فيه لمدة 23 عاما.

ستكون السيدة بينيا في قلب الحدث الاولمبي بكل ما للكلمة من معنى وستتابع الحدث العالمي الذي يقام كل اربعة اعوام عن كثب لانه سيكون في "حديقتها"، الحديقة الاولمبية.

وتحدثت السيدة البرازيلية البالغة من العمر 51 عاما الى وكالة فرانس برس وسط ضجيج الاليات التي تبني منزلها الجديد: "انا سعيدة، ما اردته اكثر من اي شيء هو البقاء في منزلي. حققنا انتصارا لكنه صغير. كان هناك 600 عائلة في فيلا اوتودرومو، والان لم تبق هناك سوى 20 عائلة".

لقد تحولت هذه السيدة الى رمز للصمود بعدما تجنبت ان تكون من "الاثار الجانبية" لاستضافة الالعاب الاولمبية في ريو وان يتحول منزلها الى غبار في سماء فيلا اوتودرومو.

 كابوس بايس

بعدما ادعت بان مدينة الصفيح التي تعيش فيها السيدة بينيا وجيرانها الفقراء تلوث بحيرة جاكاريباغوا، وكونها تقع على مقربة من الحديقة الاولمبية، وقعت بلدية ريو في 2013 قرار اخلاء فيلا اوتودرومو وتدمير منازلها وتهجير عائلاتها التي تقاضى بعضها اموالا طائلة للتخلي عن منازلها.

لكن السيدة بينيا رفضت الرحيل حتى بعد ان تعرضت لكسر في انفها على يد شرطي البلدية خلال محاولة اخلاء منزلها، وقد تحولت بفضل ارادتها وصمودها وشكيمتها الى "كابوس" لرئيس البلدية ادواردو بايس، واصبحت نجمة اعلامية نتيجة المقابلات الكثيرة التي اجرتها مع وسائل الاعلام الاجنبية.

وما يزيد من اهمية هذه السيدة، انها قاومت الاغراءات المالية ومبلغ المليوني ريال (614 الف دولار) الذي عرضته عليه البلدية من اجل اخلاء المنزل، وهي علقت على الموضوع قائلة: "اعتقد ان حقوق المرء لا تحدد بثمن"، دون ان تنتقد العائلات التي تخلت عن منازلها مقابل الاموال، مضيفة: "لكل عائلة حاجاتها".

تحول منزل السيدة بينيا الى ركام في الثامن من اذار/مارس الماضي لكن ذلك بارادتها لان التهديم حصل بهدف اعادة بنائه بطريقة تتلاءم مع تواجده وسط القرية الاولمبية التي تشكل واجهة هذا الحدث العالمي.

لكن منظر المنزل المهدم سيبقى عالقا في ذهنها بحسب ما تؤكد، قائلة: "كان الامر وكأنهم وضعوا حدا لتاريخ حياتي. منزلي كان هناك حيث تتواجد الشاحنة حاليا"، مشيرة الى مرآب المركز الاعلامي في القرية الاولمبية التي ستححتضن 10500 رياضي اعتبارا من اوائل الشهر المقبل.

ومن المتوقع ان تنتهي الاعمال بمنازل العائلات العشرين التي ستبقى في القرية الاولمبية، وبينها منزل السيد بينيا، في الايام القليلة المقبلة، وحتى حينها تعيش هذه السيدة وجيرانها في حاويات امنتها لهم البلدية بانتظار عودتهم الى منازلهم.

وتتابع السيدة بينيا عن كثب الاعمال في منزلها الذي تبلغ مساحته 56 متر مربع وتدقق في كل تفصيل.

وتؤكد البلدية انه من بين العائلات الـ824 التي كانت تعيش في فيلا اوتودرومو عام 2009، هناك 804 منها انتقلت بعد توقيعها اتفاق معها من اجل ترك مدينة الصفيح هذه.

وتم نقل غالبية هذه العائلات الى مجمع على بعد 5ر1 كلم من فيلا اوتودرومو اسمه "بارك كاريوكا" الذي يشكل جزءا من برنامج الاسكان الفيدرالي "منزلي، حياتي".

واعربت غالبية العائلات عن رضاها بمساكنها الجديدة لكن هناك بعضا منها يهدد بمقاضاة البلدية لان منازلها تعاني منذ الان من مشاكل تفسخات في الجدران وتسرب المياه.

وعملية المفاوضات بين البلدية والسكان لم تكن سهلة بتاتا وقد وصلت المسألة حتى الى منظمة العفو الدولية التي استضافت في حزيران/يونيو الماضي السيدة بينيا في جنيف من اجل ان تروي قصتها امام مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة واللجنة الاولمبية الدولية.

وتساءلت السيدة بينيا "اين ارث الشعب؟ كلمة اولمبياد تعني الوحدة بين الشعوب، لكن اين هي هذه الوحدة. لقد هدموا الحي الذي اسكنه".

صحيح ان السيدة بينيا والعائلات الـ19 الاخرى حافظت على منازلها، لكن الانتصار الذي حققوه في مواجهة "العملاق" الاولمبي كان بطعم مر لان فيلا اوتودرومو لم يعد المكان الذي عرفوه عاشوا فيه اعواما طويلة وكونوا فيه ذكريات العمر.