يقدم البرتغالي ليوناردو جارديم، مدرب نادي موناكو الذي أحرز الأربعاء بطولة فرنسا في كرة القدم، صورة "مثقف" يبدي إعجابه بعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران والأديب الانكليزي روديار كيبلينغ.

كغيره من المدربين في العالم المتطلب لكرة القدم، يدرك البرتغالي (42 عاما) ان في اللعبة الأكثر شعبية في العالم، "كل شيء يجري بسرعة". الا انه تمكن من فرض ايقاعه الهادىء والصبور، وتحقيق النتيجة المرجوة بإحراز لقب الدوري للمرة الأولى منذ 17 عاما.

في أعقاب الخسارة المذلة (صفر-4) أمام نيس في أيلول/سبتمبر، لجأ جارديم في مؤتمره الصحافي الى أبيات من قصيدة لكيبليغ تحمل عنوان "ستكون رجلا يا ابني"، وفيها وصايا أبوية بالحفاظ على الشجاعة والهدوء، ما سيمكن الابن من التفوق والفوز بعد الخسارة.

تعرض جارديم للانتقاد مرارا في البرامج التلفزيونية الساخرة على خلفية إصراره على التحدث بالفرنسية بلكنته البرتغالية، الا ان ذلك لم يثنه عن خياره. كما انه اختار مقابلة مع صحيفة "ليكيب" الرياضية، ليكشف مدى تأثره بالفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي موران.

وقال "عشقت مقاربة إدغار موران، وعلاقته مع تعقيدات العالم. في مواجهة الفشل، لا يبحث عن تبسيط الأمور وتوجيه أصابع الاتهام الى نقص في مكان ما. لديه نظرة متناغمة الى الحياة".

ولقيت تلك التصريحات صداها لدى موران الذي قال ان "عملي يثير الاهتمام العام لدى الناس في مجال التعليم، الشركات، الطب... لكنها المرة الأولى التي يذكرني كمدرب كرة قدم كبير".

أضاف "انا هاو لكرة القدم وأفكر بفن هذه الرياضة واستراتيجيتها. تبادل وجهات نظرنا أمر يثير اهتمامي".

- "لا شيء يمكن ان يغيرني" -

ولد جارديم في فنزويلا قبل ان تعود عائلته الى ماديرا البرتغالية التي تتحدر منها. في هذه الجزيرة البرتغالية التي يتحدر منها أيضا مدربون ولاعبون أبرزهم كريستيانو رونالدو، درس جارديم الرياضة في الجامعة، وأصبح فيها من المعجبين بالتحليل المتقاطع في كرة القدم.

في هذه الجزيرة أيضا، بدأ جارديم مسيرته التدريبية عن عمر 27 عاما، كمساعد للمدير الفني لنادي كاماتشا.

حتى اليوم، لا يزال جارديم بعيدا بعض الشيء عن الأضواء الاعلامية، وينظر الى كرة القدم كلعبة قبل أي شيء آخر، ويعتمد فيها أسلوب تفكير مركز طوال الوقت. 

تقوم فلسفته على عنوانين عريضين: تطوير قدرة اللاعبين على اتخاذ القرار، ومقاربة التدريب مع تركيز ظروف كل مباراة على حدة.

بعد ثلاثة أعوام من تسلمه مهامه (حزيران/يونيو 2014)، أوصل جارديم فريقه الى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا حيث أقصي على يد يوفنتوس الايطالي (صفر-2 ذهابا في موناكو، و1-2 ايابا في تورينو).

خبر المدرب البرتغالي الكثير من الأمور في مسيرته التدريبية، ما دفعه الى تكرار القول في الفترة الماضية "في حال الفوز (إحراز لقب الدوري الفرنسي) سأبقى كما أنا، شخصيتي ستبقى دائما كما هي".

أضاف "انتم تعرفونني. لا شيء يمكن ان يغيرني".

يعرف عن جارديم انه شخص شفاف في مهنة غير مستقرة. 

في كانون الثاني/يناير 2013، أقيل من منصبه على رأس الجهاز الفني لنادي أولمبياكوس اليوناني بعد وصوله بستة أشهر فقط، وعلى رغم ان النادي كان يتقدم على مطارده المباشر بعشر نقاط.

وقبل عام، واجه جارديم مشاكل أيضا في موناكو جعلت بقاءه في منصبه غير مؤكد، لاسيما في ظل تباين في الجهاز الفني مع كلود ماكيليلي ولويس كامبوس اللذين حزما حقائبهما ورحلا.

الا ان جارديم بقي، وذلك يعود بشكل كبير الى الحجج المقنعة التي قدمها لمسؤولي النادي الروسيين دميرتي ريبولوفليف وفاديم فاسيلييف، في اجتماع عقد في الثالث من حزيران/يونيو 2016.

وقال فاسيلييف غداة الاجتماع لوكالة فرانس برس، ان جارديم "أظهر رغبته وطموحه للانتقال بموناكو الى المستوى الأعلى. هو مستعد لتقديم 200 بالمئة. لقد وافقنا على مشروعه".

لقيت خطط جارديم صدى لدى المسؤولين، ونجح موناكو على أرض الملعب. اللاعبون، الشبان بغالبيتهم، تفوقوا ونموا، وباتوا في سن مبكرة قادرين على المنافسة على مستوى عال، وخوض اكثر من ستين مباراة خلال موسم واحد، وهذا انتصار لن يخفي جارديم فرحه به.