تزايدت في ملاعب كرة القدم التونسية أعمال الشغب التي شملت اقتلاع المقاعد والاشتباك مع قوات الأمن، في ما يعد انعكاسا لـ "احتقان" مجتمعي بسبب عدم تحسن أوضاع البلاد بعد أكثر من ست سنوات على ثورة اطاحت بنظام زين العابدين بن علي.

 واختتم الموسم الكروي الخميس بإحراز الترجي اللقب للمرة السابعة والعشرين في تاريخه، بفوزه على النجم الساحلي 3-صفر على ملعب رادس، في مباراة تأخرت انطلاقتها 15 دقيقة، الا انها مرت بسلام.
 
واضطرت السلطات الكروية هذا الموسم لاتخاذ إجراءات للحد من مظاهر الشغب، شملت منع الجمهور جزئيا في بعض المباريات. 
 
وأقر وزير الداخلية هادي مجدوب في 21 نيسان/أبريل ان "درجة اعمال العنف ارتفعت في الملاعب الرياضية في الفترة الاخيرة".
 
بعد أيام، وصفت وزيرة الشباب والرياضة ماجدولين الشارني ما يحصل بـ "إرهاب ملاعب"، وذلك في أعقاب مباراة للنجم الساحلي والنادي الافريقي في 30 نيسان/ابريل، تخللتها مواجهات بين "وحدات التدخل" (شرطة مكافحة الشغب المكلفة تأمين الملاعب) ومشجعين للافريقي.
 
وبحسب وزارة الداخلية، أصيب في الشغب 15 مشجعا و15 شرطيا.
 
وفي أيار/مايو، أعلنت الشارني شروع وزارتها في إعداد قانون لـ "مكافحة العنف والشغب في الملاعب الرياضية" إثر "تصاعد في وتيرة العنف" داخلها خلال الأشهر الماضية.
 
وشهدت الملاعب التونسية سلسلة أحداث في الأشهر الماضية.
 
ففي كانون الثاني/يناير، وخلال مباراة ودية بين الافريقي وباريس سان جرمان الفرنسي، تبادل مشجعون للافريقي العنف فيما بينهم، ثم مع قوات الامن، وغرس أحدهم قضيبا حديديا أسفل عين شرطي ما استدعى تدخلا جراحيا لإزالته.
 
ونهاية آذار/مارس، نقل لسعد الدريدي مدرب النادي البنزرتي إلى المستشفى حيث رتق اطباء جروحا في رأسه أصيب بها إثر رشقه بحجر في مباراة ضد اتحاد تطاوين.
 
وقرر اتحاد الكرة، منتصف نيسان/ابريل، توقيف رئيس النادي الصفاقسي المنصف خماخم عن اي نشاط رياضي مدى الحياة وتغريمه نحو 12 ألف دولار بعدما "عضّ" في مباراة ضد النجم الساحلي، حكما مساعدا و"لمسه من مؤخرته في مناسبتين".
 
-"احتقان" و"تنفيس"-
 
ويقول الناطق الرسمي باسم اتحاد الكرة التونسي أمين موغو لوكالة فرانس برس ان العنف "ظاهرة اجتماعية تتجاوز كرة القدم" معتبرا ان "الاحتقان الموجود اليوم في البلد يُترجم (إلى عنف) في الملاعب".
 
والعنف في الملاعب "ظاهرة" برزت، وفق دراسة قديمة لوزارة الرياضة، منذ عهد بن علي الذي امتد بين العامين 1987 و2011. واعتبر باحثون في حينه هذه الظاهرة "تنفيسا" و"احتجاجا" على قمع النظام السابق لحرية التعبير والتنظم.
 
وبعد سقوط الرئيس السابق، بات التونسيون يعتبرون ان حرية التعبير والصحافة والتنظم هي "المكسب الوحيد للثورة" التي أطاحت به.
 
ويرى الباحث الاجتماعي طارق بالحاج محمد ان استمرار العنف في الملاعب يعكس "احساسا عاما بالغبن والاحباط من طبقة سياسية وحكومات فشلت في تحسين أوضاع البلد".
 
ويشير الى ان غالبية الضالعين في عنف الملاعب شبان مهمشون وخارجون عن تأطير الأحزاب والمنظمات والنقابات التي أصبحت "غير قادرة على الاحاطة والتوعية وطرح البدائل".
 
ويعتبر نسيم الرويسي المسؤول في نقابة "وحدات التدخل" (شرطة مكافحة الشغب) ان العنف في الملاعب "استفحل بعد الثورة بسبب استضعاف اجهزة الدولة والاستهتار بالقانون وانفلات السلوكيات".
 
ويشير الى ان عناصر الأمن هم "أغلب" المستهدفين بأعمال العنف، مطالبا بتشديد العقوبات القانونية على الضالعين فيها.
 
- "استفزاز" من قبل الشرطة -
 
الا ان مشجعي ومسؤولي الأندية حملوا الشرطة مسؤولية بعض اعمال العنف مثلما حصل في الدربي الاخير بين الافريقي والترجي.
 
وأفاد فِراس الكافي مشجع النادي الافريقي الذي حضر الدربي ان الشرطة "شنجت اعصاب" المشجعين قبل دخولهم الملعب، إذ أخضعتهم لعمليات تفتيش جسدي متكررة والتقطت صورهم أثناء التفتيش وكان "بعض" عناصرها "يسبون ويشتمون".
 
وأضاف أن السلطات نشرت الشرطة "في المدارج وسط جمهور الافريقي" الذي استاء من هذا "الحضور الأمني اللصيق".
 
ودعا الرويسي السلطات الى تركيز بوابات تفتيش الكترونية في الملاعب لتفادي تفتيش المشجعين يدويا، والى عدم نشر الشرطة وسط المشجعين لما يشكله ذلك من "استفزاز" لهم.
 
وينبه رشيد الزمرلي الناطق باسم النادي الافريقي الى ان توقيف الشرطة مشجعين "أثناء المباريات" عادة ما يتسبب بفوضى، وان الأنسب هو "تدخل الشرطة بعد نهاية المباراة وليس أثناءها".
 
وفي دربي الافريقي والترجي "صعدت تعزيزات من الشرطة الى مدارج الافريقي وحاولت (أثناء المباراة) توقيف مشجعين اشعلوا شماريخ (ألعاب نارية) ورموها على حافة الملعب، فحصلت فوضى أطلقت على إثرها الشرطة قنبلتي غاز مسيل للدموع نحو المدارج ما زاد في تأجيج الفوضى" وفق الكافي.
 
ويمنع القانون التونسي استعمال الألعاب النارية في الملاعب، وعادة ما يتم توقيف المشجعين المخالفين فور نهاية المباراة او بعد يوم او اثنين اعتمادا على تسجيلات كاميرات المراقبة في الملاعب أو صور فوتوغرافية التقطتها قوات الأمن، بحسب مصدر أمني.
 
ومع نهاية المباراة، ضربت الشرطة بالهراوات وبشكل عشوائي مشجعين للإفريقي أثناء خروجهم من الملعب على رغم عدم ضبطهم بصدد ارتكاب أعمال عنف، ما جعل النادي يطالب وزارة الداخلية بالتحقيق في "العنف الذي مورس على جماهيره".
 
ويقر الرويسي بحصول "تجاوزات فردية" من عناصر الأمن.
 
وتدرس وزارة الرياضة حاليا مع الأندية وضع "قائمة سوداء" بالمشجعين المشاغبين لمنعهم من دخول الملاعب مستقبلا.
 
وتقول ايناس بن عثمان التي عرضت مساء الجمعة وثائقيا حول العنف في الملاعب أمضت أثناء إعداده أشهرا برفقة المشجعين المتعصبين ("ألتراس")، ان شغب الملاعب "يعكس عنف مجتمعنا، و"التهميش" الذي يشعر به جزء من التونسيين.
 
وتشير الى رغبتها في "إثارة النقاش" حول هذا الملف، و"رفع توصيات الى الوزارات، الى الاتحاد".