بعد مرور عقد من الزمن على استضافة بكين لأولمبياد 2008، يبقى إرث الألعاب الصيفية واضحا من أصغر الأزقة في العاصمة الصينية وصولا الى النفوذ المتنامي للبلاد على الساحة الدولية.

إن كان للأفضل أو الأسوأ، غيرت دورة الألعاب الأولمبية الصيفية وجه بكين: من ملعب عش الطائر الأيقوني الى العدد الذي لا يحصى من المنازل القديمة التي تم جرفها خدمة للمنشآت الأولمبية.

أدت الحملات العامة لوقف البصق في كل مكان وتنظيف المراحيض العامة، الى تحسينات ملحوظة، بينما ساعدت خطوط السكك الحديدية الجديدة والمطارات في تحسين البنية التحتية للنقل العام.

ومع ذلك، كانت الجهود المبذولة لتنقية الهواء المليء بالضباب والدخان أقل نجاحا. في الخارج، استغلت بكين الألعاب لبعث رسالة: عقود من الإصلاح والنمو جعلت الصين غنية وقوية بما يكفي لإنفاق المليارات من أحل استضافة عرض رياضي مبهر ومنظم بشكل رائع.

افتتحت الألعاب في الساعة الثامنة من يوم 08-08-2008، كون الرقم 8 يرمز الى الرخاء والثقة في الثقافة الصينية، ودُهِش العالم بحفل تميز بكل شيء من أصغر التفاصيل الى أكبرها، ثم تعزز الاعتزاز الوطني بشكل هائل بهيمنة الصين على الذهبيات خلال المنافسات.

وبحسب براين بريدجز، الخبير في الرياضة والسياسة في جامعة لينغنان في هونغ كونغ، "الألعاب الأولمبية التي أقيمت بنجاح في بكين ساعدت على تعزيز الثقة الذاتية لدى القيادة الصينية والشعب الصيني، بأن البلاد قادرة على كسب المزيد من القوة".

لكن للذين كانوا يأملون بأن تؤدي الألعاب الى تغيير سياسي إيجابي في الصين، فقد أصيبوا بخيبة أمل كبيرة بحسب جوشيانغ لو، الخبير في الترابط بين الرياضة والسياسة في جامعة ماينوث في ايرلندا.

يضيف "العديد من الحجج المؤيدة لمنح الصين حق استضافة الالعاب كانت تعول على أنهم (الصينيون) سيتبنون النظام الغربي، وبأن يتحقق هناك بعض التغيير داخل الحزب الشيوعي الصيني".

أعرب البعض عن أملهم في أن تدفع الألعاب الأولمبية الصين نحو الديمقراطية، واغتنم الناشطون الفرصة للضغط على السلطات بشأن قضايا مثل حرية الصحافة وحقوق الإنسان، بما في ذلك سياسات بكين الصارمة في المناطق المضطربة مثل تيبت.

ويتابع جوشيانغ &لو "أولمبياد بكين كان حدثا تاريخيا، الى جانب انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية (في عام 2001)، في احتضان العالم اقتصاديا وثقافيا"، لكن الحدثين "كان أقل تأثيرا من المنظور السياسي".

- آمال ضائعة -

بعد عقد من الزمن، أصبحت الهيمنة الشيوعية أكثر تركيزا من أي وقت مضى منذ عهد ماو تسي تونغ، إذ أضحت الرقابة أكثر تشددا، ويتم سجن النشطاء بشكل روتيني أو يجدون أنفسهم تحت الضغط، وتدهورت معاملة الصين للأقليات العرقية بشكل كبير، بما في ذلك الاعتقالات الجماعية لأقلية الإيغور المسلمة في منطقة شينجيانغ في أقصى غرب البلاد.

وبدلا من تغيير طرقها، عمدت بكين الى التصدي للانتقادات من خلال الاستثمار بشكل أكبر في العلاقات العامة الخارجية، وفقا لسوزان براونيل، الخبيرة في الألعاب الأولمبية في جامعة ميسوري- سانت لويس.

ورأت براونيل أنه بعد الألعاب الأولمبية، أحد "أبرز التغييرات كان في الاتصالات، خاصة الجهد المبذول للتواصل مع العالم الخارجي، كجزء من جهد واسع النطاق لزيادة القوة الناعمة الصينية".

وكانت إحدى النتائج الإيجابية لهذا التغيير، قيام الصين نهائيا بإزالة قيود السفر والمقابلات على الصحافة الأجنبية والتي تم تخفيفها قبل الألعاب، على رغم أن وسائل الإعلام الأجنبية لا تزال تواجه ظروفا صعبة للعمل في البلاد.

ومع ذلك، تقول براونيل إن "الضغط على بكين لم يكن حقا +يجب عليك التواصل بشكل أفضل+. الضغط كان علاقة بأشياء أخرى، لذا لم تكن النتيجة في المجال الذي أراده النقاد".

- استخلاص العبر -

بغض النظر عن الانتقادات، يبدو أن الحكومة الصينية توصلت الى خلاصة بأن الألعاب كانت استثمارا جيدا لدرجة أنها ترشحت وفازت بحق استضافة دورة الألعاب الشتوية عام 2022.

ستستضيف بكين الألعاب الأولمبية مرة أخرى، وستستخدم بعض المرافق التي بنتها لألعاب 2008 وستصبح أول مدينة تنظم الألعاب الصيفية والشتوية على حد سواء.

وبدأت الانتقادات الموجهة للحكومة منذ الآن، وبدأ التخطيط لكيفية استخدام هذا الحدث للدفع باتجاه التغيير. لكن هذه المرة، سيواجهون حكومة أكثر تعقيدا ستستبق الانتقادات، وستعتمد على الأرجح نهجا أكثر اعتدالا وأكثر توجها نحو الرياضة من السياسة في هذه الألعاب، بحسب جوشيانغ لو.

ويرى الأخير ان الصين "استخلصت العبر. إنها فرصة للترويج لصورتها، لكن في الوقت ذاته، سيغتنم أشخاص آخرون هذه الفرصة أيضا".

وبدورها، توقعت براونيل أن تكون الألعاب هذه المرة "أكثر استرخاء وغير خاضعة لرقابة شديدة".