الرباط: على أمل تحقيق حلم بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي للظفر بشرف تنظيم نهائيات بطولة كأس العالم في كرة القدم، في دورات 1994 و1998 و2006 و2010، يأمل المغرب أن تكون خامس محاولاته لاحتضان هذا الحدث الكروي الأبرز على الصعيد العالمي، في 2026، ناجحة.

وتفعيلاً لهذا المسعى، تم إسناد رئاسة لجنة الترشيح لتنظيم كأس العالم لسنة 2026، من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس، إلى مولاي حفيظ العلمي، رجل الأعمال المعروف، ووزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي في الحكومة المغربية الحالية، التي يقودها سعد الدين العثماني، بعد أن كان شغل نفس المنصب الوزاري، منذ شهر أكتوبر لعام 2013، في حكومة عبد الإله ابن كيران الثانية.
 
وتتمثل مهمة العلمي، بالخصوص، في تقديم الدعم اللازم للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وإلى المديرية الخاصة المحدثة على مستوى هذه الجامعة، طبقاً لتوجيهات الاتحاد الدولي لكرة القدم ولدفتر تحملاته. وبصفته هذه، سيعمل العلمي كمخاطب الحكومة إزاء الاتحاد الدولي لكرة القدم، وسيتكلف، من هذا المنطلق، بتنسيق عمل مختلف القطاعات المغربية المعنية بهذا الملف.
 
وفيما يعول المسؤولون المغاربة على أن يشكل تقديم الترشيح المغربي مناسبة لإبراز دينامية الشباب، ومختلف مؤهلات المملكة، فضلاً عن مساهمته في إشعاع المغرب والقارة الأفريقية، يأمل الشارع المغربي أن يكون حظ العلمي، على رأس لجنة ترشيح المغرب لتنظيم هذا الحدث الكروي الأبرز على الصعيد العالمي، أفضل من سابقيه، ممن تولوا المهمة خلال ترشيحات 1994 و1998 و2006 و2010.
 
 
بين المغرب وكندا
 
ولد العلمي بمراكش، في 13 من شهر يناير في عام 1960، من عائلة مرتبطة بعالم المال والأعمال، حيث كان جده يعمل في تجارة السيارات، فيما كان والده يعمل في منصب مدير وكالة بنكية قبل أن يتوفاه الأجل تاركاً مولاي حفيظ وهو بعد طفلٌ في العاشرة من عمره ؛ حيث تابع دراسته بمسقط رأسه، حتى حصل على شهادة الثانوية العامة من ثانوية فيكتور هوغو، التابعة للبعثة الثقافية الفرنسية، قبل أن ينتقل إلى كندا لمتابعة دراسته الجامعية، حيث حصل على شهادة الماجستير في المعلوميات من جامعة شيربروك.
 
بدأ العلمي مساره العملي بكندا، حيث عمل في منصب مدير كلية الإدارة بجامعة شيربروك، وعمل مستشاراً لدى وزارة المالية بكيبيك، قبل أن يتولى منصب مدير نظم الإعلام في شركة كندية للتأمين.
 
ولدى عودته إلى المغرب، في عام 1988، ألتحق بمجموعة (أونا)، التي تولى فيها منصب الكاتب العام( وكيل) ومنصب المدير العام لفرعها في مجال التأمين، وفي عام 1995، حدث شركته الخاصة، كفاعل رئيسي في مهن الخدمات (المالية، التأمين، قروض الاستهلاك، ... )، وهي مجموعة كبرى تمكنت من شراء شركتين مغربيتين مهمتين في مجال التأمين، فضلاً عن مجموعة أفريقية للتأمين. وبالموازاة مع ذلك، ، فقد شغل منصب نائب رئيس الفيدرالية المغربية لشركات التأمين وإعادة التأمين، بالإضافة إلى عضويته في لجنة الاستثمار للصندوق المهني المغربي للتقاعد، كما اطلق برنامجين خاصين بإحداث المقاولات، ويتعلق الأمر بنادي شيربا الذي يساهم بشكل فعال، في ميلاد بنيات تنافسية ومحدثة لمناصب الشغل في المغرب، بالإضافة إلى برنامج خاص بالشباب المقاول، والذي يرتكز على تقديم دعم مالي وضمان مواكبة للشباب حاملي المشاريع لإحداث مقاولاتهم.
 
وفي الفترة من عام 2006 وحتى عام 2009، شغل العلمي، الذي أصبح أحد الوجوه المعروفة في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، منصب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ثم نالٍ عضوية مؤسسة محمد الخامس للتضامن، ومنصب أمين مال جمعية "للا سلمى" للوقاية وعلاج السرطان، علاوة على المهام الوزارية التي يتقلدها، ومنذ عام 2013، وهو الذي يعتبر نفسه رجل أعمال عصامياً، فيما يعرف عنه "حسن الإدارة" و"القدرة على تدبير التحالفات" و"الدهاء السياسي"، الشيء الذي أفاده كثيراً في تدبيره لشؤون وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، بشكل جعل منه أحد أنجح وزراء حكومتي ابن كيران والعثماني حضوراً ونجاحا وشعبية، من منطلق المهام الوزارية التي يتولاها، والتي بينها "إعداد استراتيجيات تنمية مجالات الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة والبريد، وبلورتها في برامج عملية" ، و"قيادة وتنفيذ استراتيجيات تنمية مجالات الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة والبريد" ، و"المساهمة في تدبير العلاقة مع المؤسسات والمنظمات الدولية والوطنية فيما يتعلق بمجالات الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة"، و"تأمين اليقظة الاستراتيجية وتتبع استراتيجيات مجالات الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة وتقييمها"؛ و"الارتقاء بالابتكار في ميادين الصناعة والتكنولوجيات الحديثة وتطويره"، و"تنمية فضاءات الاستقبال الصناعية والتجارية والتكنولوجية وأقطاب التنافسية وتنسيقها"، و"المساهمة في تحديد مخططات التكوين في مجالات الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة والمشاركة في تتبع تنفيذها"؛ و"الارتقاء بالجودة والسلامة في مجالات الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة"، و"القيام بالمراقبة في مجالات الميترولوجيا والاعتماد والجودة والسلامة بالمقاولة ومراقبة السوق وحماية المستهلك"؛ و"تأمين التواصل في مجالات الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة".
 
هل تكون الخامسة ثابتة؟
 
يجد العلمي نفسه، اليوم، على رأس لجنة ترشيح المغرب، في خامس محاولة تخوضها بلاده للظفر بشرف تنظيم نهائيات كأس العالم، وذلك بعد أربع محاولات فاشلة لتحقيق حلم أمة، تواصلت على مدى دورات 1994 و1998 و2006 و2010.
 
يتعلق الأمر، هنا، بمهمة محددة الأهداف وفي الزمن؛ وبمنافسة للحصول على شرف تنظيم حدث كروي عالمي، ضد تحالف منافس، مكون من ثلاث دول، إحداها (كندا) والتي ساهمت في التكوين الدراسي للعــَـــلَمي ووضعه على سكة مسار مهني ناجح، والثانية (الولايات المتحدة) التي تمتلك أكبر اقتصاد عالمي ، كما سبق لها أن نظمت لوحدها نهائيات ناجحة لكأس العالم في 1994، فيما يكفي الثالثة (المكسيك) أنه سبق لها أن نظمت كأس العالم، في 1970 و1986، في محطتين تنظيميتين شهدتا تألقاً كروياً مغربياً، مع جيلي ادريس باموس والزاكي بادو .
 
من المؤكد أن الأمر يبقى أكبر من مجرد سباق لاحتضان تظاهرة رياضية. نحن، هنا، أبعد ما نكون عن لعبة. لنقل إنه حلم برهانات أكبر، يتداخل فيها الاقتصاد والسياسة وكل ما يمكن أن يوفر لبلد فرص تحقيق قفزة نوعية على مستوى النمو الاقتصادي والإشعاع العالمي؛ لذلك يأمل العلمي أن يكون حظه أفضل من سابقيه: عبد اللطيف السملالي في المحاولتين الأولى والثانية، وادريس بنهيمة في الثالثة، وسعد الكتاني في الرابعة، لترجمة "حلم شعب" و"ترشيح أمة" إلى واقع وحقيقة.
 
 
إيمان بفوز مغربي
 
مع أول خروج إعلامي له، على رأس لجنة ترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم لكرة القدم لـ 2026، رفقة رشيد الطالبي العلمي وزير الشباب والرياضة، وفوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بدا مولاي حفيظ العلمي مرتاحاً للتحدي الجديد الذي يخوضه، مؤمناً بقدرة بلده على تحقيق ما يعتبره كثيرون "معجزة"، لذلك قال، بثقة كبيرة في النفس، خلال أول مؤتمر صحفي تواصلي تعقده اللجنة، لتأكيد الطموح المشروع للمغرب في تنظيم أكبر حدث كروي عالمي واستعراض خصوصية ترشحه وتقديم جانب من خطة العمل مع الكشف عن الشعار والهوية البصرية للحملة، إن المغرب سيحتفل بالفوز يوم 13 يونيو المقبل، تاريخ إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم عن البلد المستضيف لمونديال 2026.
 
ويبدو أن إيمان الرجل بقدرة بلاده على ربح التحدي وتحقيق الفوز، في خامس محاولة لنيل هذا الشرف، له ما يسنده على أكثر من صعيد، كما أنه يتكئ على إحاطة واضحة بالملف، من مختلف جوانبه، وإلمام بالرهانات التي يمثلها، وطنياً وقارياً وعالمياً.
 
متغيرات إيجابية
 
يتفق المتتبعون لواقع تدبير الشأن الكروي، خصوصاً على صعيد أعلى جهاز عالمي مسير، أن مياهاً كثيرة قد جرت تحت جسر الترشح لتنظيم إحدى دورات كأس العالم، خصوصاً بعد تداعيات ترك السويسري جوزيف بلاتر لمنصبه على عرش (فيفا)، مع ما رافق ذلك من متغيرات همت نموذج الحكامة وطبيعة التصويت لاختيار من يحظى بتنظيم إحدى التظاهرات العالمية، لاسيما بعد تفجر عدد من قضايا الفساد التي أطاحت برؤوس كثيرة، بعد ثبوت حالات رشاوي لتغليب كفة ملف على آخر، خصوصاً فيما يتعلق بسباق الترشح لتنظيم تظاهرات سابقة لكأس العالم.
 
ولأنه رئيس لجنة ترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم لكرة القدم لسنة 2026، سيكون على العلمي أن يقضي الأشهر القليلة المقبلة، وصولاً إلى لحظة الإعلان عن الفائز بشرف تنظيم هذا الحدث الكروي، مؤمناً بالحلم، مع إصرار على تحقيق الهدف المنشود وتحويل الحلم إلى واقع.
 
من جهتهم، يبدو المغاربة أكثر إصراراً على مطاردة الحلم، الذي يرون أنه صار مطلباً مشروعاً، بل حقـــــّـــاً، بعد ظهور تقارير تشير إلى أن المغرب، كان، ربما، الأقرب والأحق بتنظيم هذا الحدث الكروي العالمي، على الأقل، في آخر محاولتين، في 2006 و2010، لولا فساد عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية، في أعلى جهاز كروي عالمي، لذلك تجدهم يحثون المنتظم الدولي على "اعمال العدالة والتعاطف" مع الملف المغربي.
 
وعلى عكس المحاولات الأربع السابقة، التي آلت على التوالي، إلى الولايات المتحدة في 1994، وفرنسا في 1998، وألمانيا في 2006، وجنوب أفريقيا في 2010، يواجه المغرب، في محاولته الخامسة، ملفاً مشتركاً بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. وفيما يبدو البعض شبه متأكد من فوز التحالف الأميركي، يرى المسؤولون المغاربة، وبينهم العلمي، رئيس لجنة ترشيح المغرب، خلاف ذلك، مشيرين إلى أن بين ثنايا ملف التحالف الثلاثي، ربما، كثير من النواقص التي قد تصب في صالح الملف المغربي، وذلك لاعتبارات عديدة، تهم المجال الجغرافي الخاص بالملف المغربي الذي يبدو متحكماً فيه، وفي صالح المنتخبات التي لن تكون مدعوة لقطع مسافات طويلة بين مدينة وأخرى، فضلاً عن متطلبات النقل التلفزيوني ، علاوة على أن نحو 80% من المنتخبات، التي يمكن أن تشارك في المونديال، توجد في مجال جغرافي قريب من المغرب، بنحو ساعتي طيران، مع تشديدهم على أن الحلم المغربي هو حلم بسعة قارة أفريقيا، سينظم على أرض المغرب، فضلاً عن تغير طريقة التصويت التي صارت تهم الاتحادات المشكلة للاتحاد العالمي للعبة، وهي طريقة يؤمن المغاربة بأنها ستكون في صالحهم، عند الأخذ بعين الاعتبار الاصطفاف الأفريقي خلف الحلم المغربي، والذي يمثل لوحده أكثر من ربع الأصوات المطلوبة، دون نسيان الدعم العربي والآسيوي، وحتى من بعض دول أوروبا وأميركا اللاتينية، فيما سيكون على الملف المغربي كسب 104 صوتاً، من أصل 207، الذي هو عدد الاتحادات المدعوة للتصويت والفصل بين المرشحين.
 
حلم على مرمى روسيا
 
يؤمن العلمي بقدرة الملف المغربي على تخطي رقم 104 صوتاً للفوز بشرف تنظيم الحدث الكروي العالمي الأبرز في 2026، والذي في حال تحقق سيكون، برأي عدد من المراقبين، أشبه بالمعجزة، أخذاً بعين الاعتبار طبيعة وقيمة الملف المنافس، على مختلف الأصعدة.
 
وعلى عكس المرات السابقة، يتسلح المسؤولون المغاربة، في سعيهم للفوز بشرف تنظيم كأس العالم 2026، بالبنية التحتية التي توفرت للبلد، مقارنة بمحاولاته السابقة، سواء تعلق الأمر بالمنشآت والملاعب الرياضية، أو بالمستشفيات والطرق السيارة والفنادق، فضلاً عن الموقع الجغرافي الاستراتيجي، وكذا الاستقرار والأمن اللذان ينعم بهما.
 
ويرى المغاربة أن تنظيم كأس العالم ليس حلماً مغربياً، فقط، بل هو حلم أفريقي، لذلك يعولون على الدعم الأفريقي المعبر عنه، بشكل صريح، من طرف رئيس الاتحاد القاري للعبة، الملغاشي أحمد أحمد، بل إن فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، التي انخرطت، منذ سنوات، في علاقات شراكة وتعاون مع أكثر اتحادات القارة، أكد هذا التوجه حين أعلن النجم الكاميروني صامويل إيتو والإيفواري ديدييه دروغبا أول سفيرين للملف المغربي، قبل أن يستدرك، حاملاً هم ّالدفاع عن حلم قارة: "ما بين تنظيم أول كأس عالم لكرة القدم و2030، سنتحدث عن مرور قرن من الزمن. ولا يعقل أن أفريقيا، التي تشكل اتحاداتها الكروية ربع أعضاء الاتحاد الدولي، لن تحظى بشرف تنظيم هذه التظاهرة العالمي، بعد مائة عام، سوى مرة واحدة في 2010".
 
آخرون، ممن يرصدون ويتتبعون الجزئيات المحيطة بالمنافسة، يرون أن بإمكان المغرب أن يضمن نقطاً وأصواتاً كثيرة لصالحه، فقط، رداً على عدد من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مذكرين، في هذا السياق، بتصريحه الأخير، عن "دول الحثالة"، أو الجدل المرافق لفرض واشنطن قيوداً على سفر رعايا 8 دول.
 
ارتياح
 
لا يلتفت العلمي كثيراً للهالة التي يمكن أن ترافق الملف الأميركي -الكندي -المكسيكي المشترك ، حيث يبدو متمسكاً بكامل حظوظ بلاده في مسعى تنظيم نهائيات كأس العالم، للمرة الثانية على أرض أفريقية، من منطلق أن الملف المغربي متكامل، منطقي، قابل للتنفيذ ويستجيب لكل الشروط والمتطلبات المنصوص عليها في دفتر تحملات الاتحاد الدولي لكرة القدم، مع قدرة البلد على إنجاح هذا الحدث العالمي، علاوة على شغف وطني باللعبة، ونجاح البلد في تنظيم كأس العالم للأندية، في دورتي 2013 و2014، التي توج بها، توالياً، كل من بايرن ميونيخ الألماني وريال مدريد الإسباني.
 
لا يخفى تمرس العلمي على مثل هذه الملفات الكبيرة، بل تدبيره لملفات أكبر قيمة وحجماً، ربما. 
 
"نحن لسنا بصدد إعادة اكتشاف أو تشكيل العالم، بل تنظيم كأس عالم في كرة القدم"، هكذا، رد الرجل على أسئلة صحفيين، لامس بعضها أكثر من قضية، ربما، بدت مؤثرة على المسعى المغربي نحو الحلم المونديالي.
 
وحتى حين طرحت أكثر الأسئلة إحراجاً، والتي حاولت وضع مقارنات بين المغرب والتحالف الثلاثي الأميركي، استطاع العلمي، بتجربته وخبرته ودهائه التواصلي، أن يحول ما يراه البعض نواقص إلى مصادر قوة للملف المغربي في تنافسه مع الملف المشترك للتحالف الثلاثي، حيث قال: "حين أنظر إلى نفسي، في المرآة، ربما أصاب بالرهبة، لكنني حين أنظر إلى واقع الآخرين، أرتاح لنفسي".