في ملعب الرقة البلدي، السجن الرئيسي السابق لتنظيم الدولة الاسلامية حيث اعتقل قبل سنوات، يخوض اللاعب عزيز الساجر مع فريقه مباراة مشوقة ضد خصمه من مدينة الطبقة المجاورة للفوز ببطولة محلية لكرة القدم في شمال سوريا.

ورغم أن مدرجات الملعب الكبيرة كانت شبه خالية، إلا أن ذلك لم يمنع عشرات المشجعين الذين أتوا لمشاهدة المباراة يتحمسون مع كل محاولة تسجيل أو تسجيل هدف لصالح فريقهم.

ويقول عزيز (25 عاماً) قبل استعداده للدخول مع زملائه في فريق الرشيد الى أرض الملعب الذي يفتقد للعشب الأخضر "هذا السجن خلفي ذهب مع الماضي وانتهى. الآن نحن مرتاحون، الحمد لله".

واعتقل هذا الشاب قبل نحو ثلاث سنوات لمدة شهر في قبو الملعب، خضع خلالها للتحقيق والاستجواب من قبل عناصر التنظيم بعد انشقاقه عن صفوف الجيش السوري. قبل ان يتم اطلاق سراحه.

ويوضح "كان الماضي جميلاً بخلاف السنوات الثلاث السوداء. كنا نسرق الرياضة سرقة، لم تكن الرياضة ممنوعة.. ولكن مكروهة منهم".

وسيطر تنظيم الدولة الاسلامية على مدينة الرقة في شرق سوريا مطلع العام 2014، تزامناً مع سيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق المجاور. وجعل المدينة معقله الأبرز في سوريا قبل أن تتمكن قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية وبدعم أميركي من طرده منها في تشرين الاول/أكتوبر 2017.

وخلال سيطرته على المدينة، فرض التنظيم أحكاماً وقيوداً مشددة على حركة المدنيين شملت لباسهم أيضاً. وتوقفت الأنشطة الرياضية والترفيهية بشكل شبه كامل.

ويشرح عزيز "منعوا الشعارات الرياضية على الألبسة كشعار فريقي ريـال مدريد أو برشلونة"، مضيفاً "أخذوا قمصان فريقنا بالكامل، وكان ينبغي أن يصل لباسنا الرياضي الى أسفل الركبة".

وحوّل التنظيم المتطرف الملعب الى سجن رئيسي له، وكان إحدى آخر النقاط التي تم طرده منها قبل اعلان السيطرة الكاملة على الرقة. وطوال تلك الفترة، منع التنظيم المدنيين من الدخول الى الملعب أو الاقتراب منه.

وفي القاعات الخلفية للملعب، يبدو الدمار واضحاً في بعض الأقسام حيث رميت رصاصات فارغة على الأرض. ولا تزال بعض شعارات التنظيم مكتوبة على الجدران ومن بينها "دولة الخلافة". وفي الغرف التي كانت تستخدم كزنازين، كتبت عبارات عدة بينها "فرجك يا الله". 

وتفتقر الغرف المخصصة للاعبين وأماكن استراحتهم للنوافذ والأبواب، بعدما كانت غرف تحقيق للتنظيم.

- هتافات وطبل -

على المدرجات، يهتف مشجعو الفريقين بحماس افتقدته المدينة خلال وجود التنظيم المتطرف فيها. يرتدي لاعبو فريق الرشيد من الرقة ثياباً رياضية يطغى عليها اللون الأبيض فيما يطغى اللون الأصفر على زي فريق السد من مدينة الطبقة.

ويتنافس هذان الفريقان في اطار بطولة تنظمها هيئة الرياضة والشباب التابعة لمجلس الرقة المدني، هيئة تتولى تسيير شؤون المدينة وترتبط بقوات سوريا الديموقراطية. وتشارك ثمانية فرق من مناطق عدة تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية في شرق وشمال سوريا في المنافسة.

وتقول الرئيسة المشتركة لمكتب الرياضة في الرقة نشوة رمضان الشيخان لفرانس برس وهي تتابع المباراة "هذا أول دوري لكرة القدم بعد تحرير المدينة من ارهاب داعش.. أعدنا الملعب مكاناً مخصصاً للرياضة"، مشيرة الى مشاريع مستقبلية تتضمن أنشطة رياضية للنساء.

ومع تسجيل الأهداف، تعلو صيحات الجمهور من رجال وشباب وأطفال أحضروا معهم العصير والبزورات. ويتولى أحد المشجعين العزف على الطبل تشجيعاً لفريق السد الذي حسم المباراة لصالحه وضمن التأهل للمباراة النهائية بينما يصفق مشجعون آخرون ويرقصون فرحاً.

ويقول قائد فريق السد خالد قاسم (34 عاماً) بعد انتهاء المباراة "نتمنى من خلال هذه البطولة أن نحرك النشاط الرياضي في المدينة مجدداً".

وتستعيد مدينة الرقة بعد ستة أشهر من طرد تنظيم الدولة الاسلامية منها عافيتها مع عودة عشرات الآلاف من سكانها رغم الأوضاع الانسانية الصعبة فيما لا يزال الدمار يلف أحياء عدة فيها. وبدأت الأسواق والمحلات تفتح أبوابها تدريجياً.

ويقول الشاب محمد الهاروني من سكان الرقة بعد مشاهدته برفقه ابن أخيه المباراة "كانت الحسبة تقول لنا الجهاد أفضل رياضة".

ويضيف "الحمدالله تخلصنا منهم وعادت الحياة الى طبيعتها. الرياضة حياة ومتعة".