الرباط: تحول حكيم زياش، صانع ألعاب فريق أجاكس أمستردام الهولندي، إلى نجم فوق العادة في صفوف المنتخب المغربي لكرة القدم، وإلى معشوق الجماهير المغربية المتيمة بحب منتخبها.

ويرى عدد من المتتبعين للمشهد الكروي المغربي أن العودة الأخيرة لنجم أجاكس إلى صفوف "أسود الأطلس"، بعد ترميم علاقته بالناخب الوطني، الفرنسي هيرفي رونار، قد غيرت كثيراً من أداء المنتخب نحو الأفضل، بعد أن ساهم اللاعب، بأدائه المميز وتمريراته الحاسمة وأهدافه الرائعة، في العودة القوية لرفاق القائد المهدي بنعطية إلى المنافسة والفوز بسباق التأهل إلى نهائيات كأس العالم روسيا 2018، بعد هزم منتخب مالي بسداسية ومنتخب الغابون بثلاثية، على أرضية ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، قبل العودة بتعادل سلبي من ملعب منتخب مالي وانتزاع فوز تاريخي، خارج الديار، على منتخب كوت ديفوار بهدفين نظيفين.

المعشوق .. "الغبي !"

يمكن القول إن زياش، الذي يحظى بحب الجماهير المغربية، هو، اليوم، الأكثر شعبية بين نجوم المنتخب المغربي، الذي يضم في صفوفه لاعبين مميزين يمارسون على أعلى مستوى، أمثال العميد مهدي بنعطية قائد دفاع يوفنتوس الإيطالي، وامبارك بوصوفة لاعب الجزيرة الإماراتي، وكريم الأحمدي عميد فاينوورد روتردام الهولندي، وأشرف حكيمي مدافع ريال مدريد الإسباني، وأمين حارث لاعب وسط ميدان شالك 04 الألماني، ويونس بلهندة لاعب غلاطسراي التركي، ونور الدين أمرابط لاعب ليغانس الإسباني، وياسين بونو حارس جيرونا الإسباني.

وترجع شعبية زياش بين الجمهور المغربي، علاوة على قيمته الكروية ومواهبه المميزة وفنياته العالية، سواء مع فريقه الحالي أجاكس أو رفقة "أسود الأطلس"، إلى ما رافق اختياره تمثيل منتخب المغرب، سواء تعلق الأمر بإغراءات الهولنديين أو الانتقادات التي تعرض لها من طرف عدد من نجوم الكرة الهولندية الذين لم يستسيغوا أن يفضل صاحب اليسرى الساحرة "أسود الأطلس" على "الطواحين الهولندية"، إلى درجة أن النجم الهولندي السابق ماركو فان باستن، قال إن "زياش غبي لاختياره المغرب عوض هولندا"، التي رأى أن اللعب لمنتخبها سيمكنه من اللعب في كأس العالم، على عكس اللعب لمنتخب المغرب.

بعد ذلك، ستخرج وسائل الإعلام العالمية بعناوين، تقول إن "زياش وضع الأسطورة فان فاستن في موقف محرج"، بعد مساهمته في تأهل المنتخب المغربي لنهائيات كأس العالم بروسيا التي سيغيب عنها الهولنديون بعد فشلهم في الإقصائيات.

مهارات زياش

مهارات وفنيات زياش وقوة شخصيته لم تثر انتباه المتفرج العادي، فقط، بل إعجاب المتخصصين والعارفين ومحترفي الكرة، من قبيل الحاجي ضيوف النجم السابق للمنتخب السنغالي وسفير ملف ترشيح المغرب لاحتضان كأس العالم 2026، مثلاً، والذي لم يجد، بعد متابعة المقابلة التي جمعت المنتخب المغربي بنظيره الصربي، قبل أسابيع، في إطار استعداد "أسود الأطلس" لنهائيات مونديال روسيا، إلا أن يعبر عن انبهاره بتقنيات اللاعب المغربي، حيث قال إن زياش قد فـتنه بفنياته.

ويبدو أن المستويات الكبيرة التي قدمها زياش، في الدوري الهولندي، خلال الموسم الكروي المنقضي، بشكل خاص، والتي مكنته من الفوز بلقب أحسن لاعب في "الإيريديفيزي"، بعد تسجيله أرقاماً جيدة، سواء على مستوى التهديف أو التمريرات الحاسمة وصناعة اللعب، ستفتح أمامه الباب مشرعاً لتحقيق رغبته في معانقة آفاق أخرى، واللعب لفرق تمكنه من تفجير مزيد من مواهبه.

ورغم أن اللاعب يفضل تأجيل مناقشة أمر انتقاله من الدوري الهولندي والبث في الفريق الذي سيجاوره، إلى ما بعد المونديال الروسي، فإن التقارير التي تحدثت، على مدى الأسابيع الماضية، عن رغبة فرق إيطالية (أي إس روما) وألمانية (بروسيا دورتموند) وإسبانية (إف سي إشبيلية) وإنجليزية (ليفربول وإيفرتون) في انتداب اللاعب إلى صفوفها لن يتأخر تداولها كثيراً، قبل أن يتم الإعلان عن اسم الفريق الذي سيجاوره.

زياش .. اليتيم

ولد حكيم زياش، كما نقرأ عن سيرته في "الموسوعة الحرة"، يوم 19 مارس 1993 في بلدة درونتن، في هولندا التي شهدت بداياته الكروية في سن الثامنة مع نادي درونتن الذي لعب في صغاره، قبل أن ينتقل سنة 2004 إلى نادي هيرنفين الذي تدرج في فئاته السنية إلى غاية صعوده إلى فئة الكبار سنة 2012، حيث تألق بشكل لافت مع النادي موقعاً 13 هدفاً في 46 مباراة خلال موسمين، قبل أن يخطفه نادي تفينتي أنشخيدة الذي لعب في صفوفه موسمين، قدم معه خلالهما مستويات رائعة، حمل خلالهما شارة العمادة، لينتقل في صيف 2016، إلى فريقه الحالي أجاكس، لأربع سنوات، في صفقة ناهزت 11 مليون دولار، في وقت كانت تقارير عدة قد تحدثت عن اهتمام أندية كبيرة خارج هولندا، بخدماته، من قبيل إنتر ميلان وأي إس روما الإيطاليان وفنرباخشه التركي.

ويبدو أن علاقة اللاعب ببلده الأصلي، وبالتالي عدم اختياره اللعب لهولندا، قد تحكمت فيها أمور عديدة، تجد تفسيرها في طفولته الصعبة، بعد أن فقد والده في سن العاشرة، دون نسيان الدور الذي لعبه عزيز ذو الفقار، أول محترف مغربي في الدوري الهولندي والذي سيكون، في إحدى أصعب مراحل حياة زياش، خير سند ونعم المربي والمدرب والمرشد والناصح، وكذا علاقته بوالدته التي يُعنْون صوره رفقتها بكلمة "ملكتي"، ويقول عنها إنها هي كل شيء بالنسبة إليه، هي التي كثيراً ما ترافقه في سفره إلى المغرب، سواء في العطل أو بمناسبة مباريات المنتخب.

وتوسعت تقارير مغربية في مقارنة زياش بلاعبين آخرين، من أصول مغربية، فضلوا منتخبات بلدان الإقامة، كمنير الحدادي الذي اختار اللعب للمنتخب الإسباني قبل أن يطلب تغيير جنسيته الرياضية للعب لمنتخب المغرب، مثمنة عدم تردد زياش في اختيار اللعب لمنتخب بلد الآباء والأجداد.

ويبدو أن الجدل الذي رافق اختيار زياش اللعب للمغرب سيتواصل. وتقديراً منها لسياق هذا الاختيار، يحرص الإعلام المغربي على تتبع الطريقة التي سعت بها الصحافة الهولندية إلى ثني اللاعب عن اختياره، ناقلة فيديوهات توثق للإصرار الهولندي، ومن ذلك، مثلاً، حوار أجرته إحدى القنوات الهولندية مع النجم المغربي، نقرأ في تفاصيله أن الصحفي سأل زياش، قائلاً: "هل يمكننا منحك شيئاً يجعلك تغير رأيك وتلعب لهولندا عوض المغرب؟ يرضيك حذاء ذهبي أم فرقة موسيقية تعزف على باب بيتك أم علبة من الحلوى؟ اطلب ما شئت وسأنفذه لك؟"؛ ليرد اللاعب: "لا يوجد شيء سيجعلني أغير رأيي باللعب للمنتخب المغربي. لن أغير المغرب بهولندا". وحين سأل الصحفي اللاعب عن سر تفضيله "أسود الأطلس" على "منتخب الطواحين"، كانت الإجابة: "لم أختر المنتخب المغربي لتأخر هولندا في استدعائي، بل اخترته لأن قلبي أملى علي ذلك".

اللاعب والمدرب

اختار زياش اللعب لـ"أسود الأطلس"، في صيف 2015، بعد أن جالسه بادو الزاكي، مدرب المنتخب المغربي وقتها، الشيء الذي عرضه لضغوطات وجر عليه انتقادات الجماهير والصحافة الهولندية، التي حاولت أن تثنيه عن قراره.

بعد ذلك، سيعوض الفرنسي هيرفي رونار بادو الزاكي في تدريب المنتخب المغربي. وسرعان ما سيحدث شرخ في علاقة الناخب الوطني الجديد بزياش، الشيء الذي فجر غضب الجماهير المغربية التي لم تستسغ "تهميش" لاعبها المحبوب، إلى درجة أن قضية زياش صارت تهدد استقرار المنتخب المغربي وتماسك لاعبيه، وكذا استمرار المدرب الفرنسي على رأس طاقمه التدريبي.

من جهتها، سعت بعض وسائل الإعلام الهولندية إلى نوع من التشفي في اللاعب، بسؤاله إن كان قد ندم على اختيار المغرب، الشيء الذي تعامل معه زياش بنضج وذكاء كبيرين وقوة شخصية، مشيراً إلى أن المدربين يذهبون ويبقى اللاعبون، وأن اختيار تمثيل المغرب كان اختيار القلب.

ضربة معلم

يبدو أن "ضربة المعلم" تبقى تلك التي قام بها فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية، الذي تحسب له قدرته على ترميم علاقة اللاعب والمدرب، بعد أن رتب لهما لقاء في أمستردام، في حضوره، انتهى بطي صفحة الخلاف وعودة اللاعب إلى المنتخب، الذي سيضمن قوة واستقراراً مع جودة في اللعب، مكنته من حجز بطاقة التأهل الخاصة بالمجموعة الثالثة للإقصائيات الأفريقية المؤهلة إلى كأس العالم روسيا 2018، بعد غياب عشرين سنة عن هذا المحفل الكروي العالمي، وذلك منذ آخر مشاركة، في مونديال فرنسا 1998، مع جيل نور الدين النيبت وسعيد شيبا والطاهر لخلج ومصطفى حجي وصلاح ابدين بصير وعبد الجليل كماشو، تحت قيادة مدرب فرنسي آخر هو هنري ميشال، الذي توفي في 24 أبريل الماضي، أسابيع قليلة على موعد نهائيات المونديال الروسي الذي يرى كثيرون أنه سيكون فرصة لزياش لإبهار جمهور كرة القدم العالمية، بتقنياته الرائعة وتمريراته الحاسمة وأهدافه الرائعة.