نجح منتخب مصر بالابتعاد عن ضجيج وضغوط مونديال روسيا 2018 باختياره غروزني الهادئة مقرا لمعسكره، لكن ذلك لم يجنبه مطاردة الجماهير ووسائل الإعلام وحتى الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، لنجمه محمد صلاح الذي يتعافى من إصابة تهدد مشاركته في المباراة الأولى الجمعة ضد الاوروغواي.

باختياره مدينة غير مضيفة للمباريات، تفادى منتخب الفراعنة، بطل افريقيا 7 مرات والعائد الى المونديال بعد غياب 28 عاما، تلقائيا توافد عدد هائل من الجماهير أمام فندقه وملعب تمرينه، وبالتالي إقلاق راحة لاعبيه الذين يختبرون كأس العالم لكرة القدم للمرة الاولى في حياتهم.

ثلاثة أيام أمضاها لاعبو المدرب الارجنتيني هكتور كوبر حتى الآن في عاصمة الجمهورية الشيشانية: الاول كان استعراضيا لفتح التمارين أمام 8 آلاف متفرج، حضرها الرئيس المثير للجدل قديروف من أرض ملعب "أحمد أرينا" على اسم والده، الرئيس السابق الذي قضى بعملية اغتيال في 2004 في ملعب لكرة القدم ايضا.

"اللاعبون مرتاحون وسعداء وهم في حالة استرخاء" قالها مدير المنتخب المصري ايهاب لهيطة الاثنين، بعد خوض صلاح أول تمرين منفرد له منذ اصابته بالتواء في مفصل كتفه الايسر خلال نهائي دوري ابطال اوروبا في 26 أيار/مايو الماضي بين فريقه ليفربول الانكليزي وريال مدريد الاسباني.

لم يفوت قديروف فرصة تحويل زيارة المنتخب الى مشهد استعراضي. 

ذهب بنفسه الأحد الى فندق "الفراعنة" لإحضار صلاح (25 عاما)، افضل لاعب افريقي، بسيارته الى الملعب لالقاء التحية على مشجعين تواقين لرؤيته. بدأ هؤلاء يهتفون "أخمت سيلا، أخمت سيلا"، أي "أحمد قوة، أحمد قوة"، الشعار الرياضي-القتالي في غروزني، بينما سار الرئيس الشيشاني بجانب صلاح هداف الدوري الانكليزي الممتاز الموسم المنصرم.

في ظل اجراءات امنية مشددة في مدينة دمرتها حربان طاحنتان في التسعينيات، قال قديروف (41 عاما) الذي يعتبر "الفتى المدلل" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لفرانس برس "صلاح من أفضل اللاعبين في العالم.. نحن سعداء لاستضافة المنتخب المصري".

- فنون قتالية وحقوق إنسان -

انتشرت صورة مصافحة الرجلين سريعا، الا ان الاعلام الغربي أطلق السهام نحوها.

صحيفة "ذا صن" البريطانية أوردت ان "الرجل الذي ايقظ صلاح من نومه متهم +بالتعذيب والقتل خارج نطاق القانون+"، بينما اعتبرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية ان ما قام به الرئيس الشيشاني هو "حملة علاقات عامة جميلة من قبل أكثر أكثر القادة عنفا".

المنظمات الحقوقية واصلت أيضا انتقاداتها لقديروف المتهم بتعذيب المثليين وفرض نظام قمعي، معتبرة انه يحاول تلميع صورته بالظهور الى جانب نجوم الرياضة العالميين. 

تتفوق على كرة القدم في غروزني، رياضات أكثر "عنفا" مثل المصارعة والفنون القتالية المختلطة "ام ام ايه". الناس في غروزني متيمة بالأخيرة، على صورة قائدها قديروف المشرف على نادي "أحمد للالعاب القتالية".

تدرب الرئيس الملتحي على يد نجم الالعاب القتالية ألكسندر إميلياننكو الذي انتقده لاحقا لحث أولاد قصر على ممارسة الرياضة الخطيرة، ويفاخر بظهوره بجانب الملاكمين الاميركيين مايك تايسون وفلويد مايويذر جونيور.

ويقول طالب ادارة الاعمال عربي شاخغيرييف (21 عاما) "الناس هنا تعشق الالعاب القتالية وكرة القدم ايضا".

- صلاح والسياسة -

هدوء شوارع غروزني، العريضة بفعل الدمار الذي أصاب المدينة في حربي الشيشان، يخرقه الحديث عن "صلاح"، "إغيبت" (مصر) و"رمزان" (الرئيس قديروف) في مدينة ناطقة باللغتين الشيشانية والروسية.

يرى الشاب حمزة زالاييف (21 عاما)، مشجع نادي ليفربول الذي قدم موسما مميزا في انكلترا وأوروبا بفضل أهداف صلاح الـ44 في مختلف المسابقات، انه أصبح قدوة له لأنه "لاعب جيد ومسلم".

يضيف "اذا التقيت به سأدعوه لتناول طبق شيبالغش التقليدي".

بات حضور صلاح والسياسة مصدر تركيز وسائل الاعلام الاجنبية القادمة من دول على غرار المانيا، الولايات المتحدة والبرازيل الى الجمهورية القوقازية الغنية بالنفط، والتي أعلنت الامم المتحدة في 2003 ان عاصمتها هي "المدينة الاكثر دمارا في العالم".

باتت المدينة على صورة قديروف. في وسطها مسجد عملاق يحمل أيضا اسم احمد قديروف ومعروف بـ"قلب الشيشان"، وطريقها الرئيس أغلق مساء الثلاثاء لإتاحة إقامة افطار شعبي قبل أيام من نهاية شهر رمضان.

تزامن شهر الصوم مع المونديال ساهم بشكل كبير في اختيارها من قبل المنتخب المصري المقيم في فندق "ذا لوكال"، الاماراتي الطابع والذي أنجز العمل فيه قبل أسابيع، ويدشن عمليا بإقامة "الفراعنة".

وقال مدير الفندق تاج الدين سلطان لوكالة فرانس برس "أعتقد ان مصر فضلت هذه المدينة لانها في جمهورية محافظة، ولا مجال للسهر أو العثور على نواد ليلية، كما ان الطعام الحلال هام جدا بالنسبة اليهم".

بحسب مدير المنتخب لهيطة، "هذا الشهر سافرنا الى خمس دول، الكويت، ايطاليا، بلجيكا، مصر والان روسيا... اعتمدنا برنامج تغذية خاص، تكلمنا براحة مع اللاعبين وتركنا لهم حرية الصيام من عدمها".

الا ان صلاح يبقى موضع التركيز الأساسي. السؤال الأهم هو موعد عودته: المنتخب المصري يخوض مباراته الأولى ضد الأوروغواي في 15 حزيران/يونيو، أي يوم احتفال صلاح بعيد ميلاده السادس والعشرين.

خاض اللاعب الاثنين تمرينه الأول بشكل منفرد بمتابعة من الجهاز الطبي، الا ان مشاركته في المباراة الأولى لا تزال غير مؤكدة.

يشكل صلاح أمل المصريين في كأس العالم، أكانت الاقامة في غروزني أو في أي من المدن الروسية المضيفة أو غير المضيفة للمباريات.

الاثنين، قطع نحو 15 طالبا مصريا في طب الأسنان مسافة 285 كلم من مدينة بيتيغورسك الى غروزني، أملا في تحية صلاح او التقاط صورة معه. لم ينجحوا في ذلك، الا ان الفشل لم يثنهم عن إنشاد الأهازيج التشجيعية للمنتخب، وأبرزها "مو (محمد) صلاح... الملك المصري".