كشفت مجريات الأيام الأولى لبطولة كأس العالم المقامة بروسيا أن المونديال لا يزال يحتفظ بمكانته و زخمه كأقوى بطولة في العالم على صعيد المنتخبات والأندية ، ومن أكثرها تغطية إعلامية ومتابعة جماهيرية على مشاهدة مبارياتها من الدور الأول وحتى الدور النهائي .

و رغم تألق بطولات عديدة في الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى وخاصة الدوري الإنكليزي والدوري الإسباني ، و مسابقة دوري أبطال أوروبا ، إلا أن كأس العالم يبقى بالنسبة لكافة أطياف عشاق كرة القدم ، بطولة لا يمكن مقارنتها ببقية البطولات ، فهي في كفة ، والبقية في كفة اخرى.
&
و إن كانت بطولات كأس العالم حتى مونديال 1994 بأمريكا و مونديال 1998 بفرنسا تصنف من أفضل البطولات ، فإن ذلك يعد أمراً طبيعياً في ظل تواضع الدوريات الأوروبية والقارية بما فيها كأس أمم أوروبا للمنتخبات ، ودوري أبطال أوروبا للأندية ، إلا ان الأمر اختلف بعدها منذ مونديال 2002 بكوريا و اليابان ، حيث أصبحت البطولة تنافس مسابقات كبرى قوية ، ورغم ذلك نجحت في كسب التحدي ، و هو ما تجلى في مونديال 2006 بألمانيا ومونديال 2010 بجنوب إفريقيا ، ومونديال 2014 بالبرازيل ، والمونديال الحالي الذي يقام على الملاعب الروسية الباردة التي حولتها الجماهير الوافدة إلى حارة بسبب الأعداد الغفيرة.
&
واستفادت بطولة كأس العالم من الاهتمام الإعلامي و الجماهيري ليزيد من أرباحه المالية التي ارتفعت من نسخة لأخرى مع زيادة اهتمام الرعاة بالبطولة لتغدو "دجاجة تبيض ذهباً" .
&
كما استفادت البطولة من رفض الاتحاد الدولي للعبة (فيفا) لفكرة إقامة المونديال كل عامين بدلا من أربعة أعوام ، بعدما أخذ درساً من بطولة العالم لألعاب القوى التي فقدت رونقها لأنها أصبحت تنظم كل عامين بدلا من أربع أعوام.
&
فإقامة كأس العالم كل أربعة أعوام جعل جميع المنتمين لكرة القدم في شوق لأجواء البطولة ، سواء على صعيد اللاعبين و المدربين أو على صعيد الجماهير التي تنتظر بشغف مشاهدة مبارياتها، في وقت أن بقية البطولات المحلية أو القارية فقدت قيمتها بسبب تنظيمها كل موسم .
&
ولم يتضرر المونديال من قرار "الفيفا" برفع عدد المنتخبات الوطنية المشاركة في النهائيات من 24 منتخباً إلى 32 منتخباً بداية من مونديال 1998 بفرنسا ، حيث أن ذلك زاد من اهتمام المنتخبات الإفريقية والآسيوية ، و رفع من فرصتها في تحقيق أحلامها و آمالها في خوض النهائيات بعدما كان ذلك مهمة عسيرة في مونديال 1994 وما قبله ، حيث كانت المقاعد محدودة جداً لصالح القارتين.
&
كما أن كأس العالم تبقى البطولة الوحيدة التي تعرف تجمعاً يشارك فيه اكبر عدد ممكن من اللاعبين النجوم من القارات الخمس تحت الراية الوطنية الواحدة ، وفرصة لهم ليبصموا على أسمائهم بأحرف من ذهب في أرشيف البطولة ، وعدم تفويت الفرصة التي قد لا تتكرر في مشوار كل لاعب .
&
هذا وبرز بشكل جلي مدى قيمة وقامة المونديال خلال التصفيات المؤهلة للنهائيات والمنافسة الشرسة بين المنتخبات لحجز احد المقاعد المتاحة لكل قارة ، وحالة الإحباط التي تصيب اللاعبين و المدربين و الجماهير التي تهدر الفرصة سواء بالإقصاء مثلما حدث مع منتخب إيطاليا أو بالإبعاد بسبب الإصابات مثلما حدث مع العديد من اللاعبين لدرجة ذرف الدموع أمام الملايين حزناً على عدم مشاركته في البطولة.
&
و رغم أن لقب كأس العالم و وصافته لا يزال حكراً على عدد قليل من المنتخبات خاصة الثمانية الكبار التي حظيت بشرف التتويج من قبل ، إلا ان بقية المنتخبات المشاركة سيكون أمامها فرصة لإعلاء أسمائها و إحراج الكبار و رفع حصتها من أرباح البطولة التي تتحكم فيها النتائج ، وهو العامل الذي اثر إيجاباً على أهمية كأس العالم وجعلها تستمر في استقطاب الجماهير من كافة بلدان العالم الغنية منها و الفقيرة المتقدمة والمتخلفة ، حتى أصبحت فترة إقامة البطولة تنسي الفقراء حالتهم الاجتماعية التعيسة لأن المونديال تمكن من جعل العالم واحداً.