عام 1986، توج دييغو مارادونا بكأس العالم في المكسيك بعد عروض فردية رائعة تضمنت تسجيله هدفا بيده. بعد 32 عاما، وهو بالكاد عمر ليونيل ميسي، لا يزال اسمه مرتبطا بالمنتخب الارجنتيني حتى من منصة التشجيع.

في المباراة الحاسمة ضد نيجيريا في الجولة الثالثة الأخيرة من منافسات المجموعة الرابعة في مونديال روسيا 2018، أصيب "ال بيبي دي أورو ("الولد الذهبي") لكرة القدم الأرجنتينية بالاعياء. لم يتحمل رؤية الأرجنتين تتعادل (1-1)، ما كان سيعني خروجها من الدور الأول، قبل ان ينقذها ماركوس روخو بتسجيل هدف الفوز في الدقيقة 86.

كان مارادونا حاضرا في ملاعب المباريات الثلاث التي خاضها "وريثه الشرعي" ميسي في مونديال روسيا. شاهده يهدر ركلة جزاء ضد ايسلندا (1-1) في الجولة الأولى، ولا يقدم لمحة تذكر في الثانية أمام كرواتيا (صفر-3). فرح مارادونا بجنون لدى تسجيل ميسي هدف السبق ضد نيجيريا، وكاد ان ينهار عندما رأى ان المباراة قد لا تصب لمصلحة فريقه.

لا يخطو مارادونا خطوة من دون ان تلاحقه عدسات الكاميرات، المحترفة منها أو تلك العائدة للهواتف الخليوية للمشجعين. المشاهد التي أظهرته متعبا بين شوطي المباراة انتشرت بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

بدا مارادونا يمشي بصعوبة بمساعدة شخص في المنطقة المخصصة لكبار الشخصيات حيث جلس لالتقاط أنفاسه. صورة أخرى تظهر شخصين من الجهاز الطبي الخاص به، واقفين الى جانبه واحدهم يقيس ضغط دمه.

بعد ساعات، طمأن متابعيه عبر حسابه على "انستغرام" الذي يتابعه 2,5 مليوني شخص "أريد ان أقول لكم انني بخير".

وأوضح "في استراحة الشوطين خلال مباراة نيجيريا، شعرت بآلام في الرقبة وأصبت بانخفاض في ضغط الدم. استشرت طبيبا نصحني بالعودة (الى الفندق)، الا انني أردت البقاء لأننا كنا نلعب من أجل كل شيء (...) كيف كان في امكاني الرحيل؟"، مضيفا "أبعث بقبلة لكل الناس، اعتذر عن القلق الذي تسببت لكم به وشكرا على رسائلكم. دييغو باق لفترة طويلة".

عاد مارادونا الى منصة المتفرجين في المباراة، واستمر العرض. مباراة الأمس طبعتها بصمته بقدر ما قام بذلك الأداء على أرض الملعب. 

قبيل صافرة البداية، رقص مارادونا مع مشجعة للمنتخب النيجيري في المنصة المخصصة لكبار الزوار. فجر مشاعره بعد الهدف الرائع الذي سجله ميسي، قبل ان... يغمض عينيه ويتعرض للعارض الصحي. عندما سجل ماركوس روخو هدف الحسم للارجنتين، قفز من الفرح، دون ان ينسى توجيه حركة نابية بإصبعيه ظهرت بشكل مباشر على القنوات التلفزيونية التي كانت توجه كاميراتها نحوه لتصوير رد فعله بعد الهدف.

- ميسي والخروج من ظله - 

يبدو من الصعب على ليونيل ميسي ان يخرج من ظل مارادونا في المونديال. المقارنة بينهما تبدأ أساسا من البنية الجسدية: قامة قصيرة نسبيا، سرعة، وصولا للموهبة والسحر الكروي، دون نسيان القميص الرقم 10.

توج ليو بكل الألقاب على صعيد الأندية مع برشلونة. أضاف أيضا الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم خمس مرات. رصيده من الألقاب مع الأرجنتين؟ صفر. خسر أربع مباريات نهائية أبرزها مونديال 2014.

منذ وصول المنتخب الأرجنتيني الى روسيا قبيل انطلاق المونديال، حاول رئيس الاتحاد الارجنتيني كلاوديو تابيا ازاحة الضغوطات عن كاهل ميسي "يقولون اذا لم ينجح ميسي بالفوز بالمونديال، فلن يتفوق على مارادونا، لكني اعتقد بانه يتعين علينا ترك هذه المقارنات جانبا".

المقارنة بين اللاعبين تطال شخصية كل منهما أيضا.

ويقول ألكسندر جويار صاحب كتاب "ميسي الذي لا يغرق" لوكالة فرانس برس "في الارجنتين ثمة مصطلح +بيكو فريو+ الذي يعني انه عندما يتعين عليك ان تكون حاميا، تصبح باردا. هذه مشكلته، في شخصيته، الطريقة التي يتبعها ليس طريقة الارجنتيني التقليدي. هو شخص كتوم، لا يحب التكلم كثيرا وهذا هو الفارق الكبير مع مارادونا الذي يحب جلب الانتباه".

منذ المباراة الأولى حين أهدر ميسي الركلة، وكان مارادونا يتابعها من المنصة مرتديا نظارتين شمسيتين ويدخن السيجار، تفادى "الولد الذهبي" توجيه الانتقادات لخليفته. قال لشبكة تيليسور الفنزويلية "لا استطيع القاء اللوم على اللاعبين وبالطبع لا ألوم ميسي الذي بذل قصارى جهوده".

أضاف سبق لي ان اهدرت خمس ركلات جزاء تواليا وعلى رغم ذلك بقيت دييغو أرماندو مارادونا".

تكرر الأمر ذاته في المباراة الثانية التي منيت بها الارجنتين بخسارة قاسية أمام كرواتيا بثلاثية نظيفة. قال مارادونا "لعب ميسي كما يفعل، قام بما يستطيع القيام به. من الصعب محاولة حل مشاكل كل زملائه".

لم يكتف مارادونا بذلك، بل حاول لعب دور المنقذ عندما دعا الى عقد اجتماع بين اللاعبين الحاليين والسابقين لإنقاذ "شرف" المنتخب الذي كان يواجه خطر الخروج من الدول الاول.

لم يوفر رئيس الاتحاد تابيا والمدرب خورخي سامباولي من انتقاداته بقوله "هناك مذنبون، والجاني هو رئيس الاتحاد الارجنتيني. الجميع هز برأسه عندما وصل سامباولي مع أجهزة كمبيوتر وطائرات بدون طيار و14 مساعدا"، موضحا "أعتقد أن هناك افتقار تام للسلطة من جانب تابيا".

على أي حال، نجحت الارجنتين في تخطي مشاكلها في الدور الاول لتضرب موعدا مع فرنسا في ثمن النهائي السبت في كازان. الأكيد ان حضور مارادونا سيطغى مجددا. هل يشكل ذلك عبئا اضافيا على ميسي؟