شاء أم أبى، تحول تييري هنري الى العنوان الأبرز لنصف نهائي كأس العالم في كرة القدم بين منتخب "الشياطين الحمر" البلجيكي و"الديوك" الزرق الفرنسي. القمة التقليدية المرتقبة بين الجارين، زاد من حماوتها وجود النجم السابق للكرة الفرنسية، ضمن الجهاز الفني لمنتخب بلجيكا.

لم تكن مباراة الدور نصف النهائي (18,00 ت غ في سان بطرسبورغ)، تحتاج الى الكثير لتلفت أنظار العالم: منتخب بلجيكي موهوب يبحث عن بلوغ النهائي للمرة الأولى في تاريخه، وتشكيلة فرنسية لا تنقصها الموهبة، تبحث عن النهائي الثالث في تاريخها، واللقب الثاني بعد العام 1998.

في 12 تموز/يوليو 1998، أحرزت فرنسا لقب المونديال على أرضها. ضمت تشكيلتها حينها الشاب هنري، وحامل شارة القيادة ديدييه ديشان. اليوم، سيكون ديشان على دكة البدلاء الفرنسية مدربا للمنتخب الأزرق، بينما سيكون هنري، المهاجم الفذ والهداف التاريخي للمنتخب الفرنسي، على الضفة المقابلة، مساعدا ثانيا لمدرب بلجيكا الاسباني روبرتو مارتينيز.

بات هنري (40 عاما) في الأيام الماضية على كل شفة ولسان: ديشان ومارتينيز، الفرنسي أوليفييه جيرو والبلجيكي كيفن دي بروين، وكل صحافي يغطي ما تبقى من نهائيات مونديال 2018 في روسيا.

لا يحمل الفرنسيون سوى الاحترام لهنري الذي ساهم أيضا في تتويج منتخب بلاده بلقب كأس أوروبا 2000، وبلوغ نهائي مونديال 2006، قبل ان يعتزل اللعب دوليا عام 2010 بعد 51 هدفا في 123 مباراة.

سئل ديشان عنه. قال "نعم، سيكون الأمر غريبا لأنه فرنسي لكنه جالس الى دكة بدلاء الخصوم. بالنسبة إليه أيضا اعتقد ان الأمر سيكون غريبا"، مضيفا "هو شخص أقدره كثيرا، وثمة دائما احترام كبير بيننا".

وأضاف "هذا وضع صعب بالنسبة إليه. يحصل الأمر أحيانا على مستوى الأندية: تكونون في ناد أجنبي وتأتون للعب ضد ناد فرنسي، تكونون جزءا من الفريق الخصم. هنا، الوضع أكثر تعقيدا، سيكون على دكة البدلاء (مع الجهاز الفني)، في مواجهة بلده، أمته".

اللاعبون الفرنسيون أيضا تحدثوا باسهاب عن اللاعب الذي شكل في سنوات القمة، مثالا أعلى للعديد من المهاجمين الفرنسيين الناشئين.

قال عنه جيرو الذي دافع مثله عن ألوان أرسنال الانكليزي، ان هنري "اختار المعسكر الخطأ"، مضيفا "كنت أفضل ان يكون معنا ويقدم لنا النصائح".

وتابع "قدم الكثير لمنتخب فرنسا، ولدينا احترام كبير لما قام به". 

أما القائد الحالي لفرنسا هوغو لوريس، فهنري "فرنسي قبل أي أمر آخر. لكن غدا (اليوم الثلاثاء)، على المستوى الاحترافي، سيضع كل الشغف الذي يقوده لصالح المنتخب البلجيكي".

- "الحلقة المفقودة" - 

في الجانب البلجيكي، طغت الاشادات بهنري ودوره في تعزيز النزعة الهجومية للمنتخب الأكثر تهديفا في البطولة حتى الآن (14 هدفا).

وصفه مارتينيز بـ "الحلقة" المفقودة التي كانت تنقص المنتخب البلجيكي لاستثمار "جيله الذهبي" بشكل مثالي. وأوضح "ما لم يكن في حوزتنا هو الخبرة الدولية، معرفة كيف السبيل لإحراز لقب كأس العالم... شخص يعرف لأنه كان لاعبا لكرة القدم، كيف يتوقع من اللاعبين ان يؤدوا على الساحة العالمية، ويعرف كيف تشعر في هذه اللحظات".

أضاف "تييري هنري يوفر كل ذلك كلاعب كرة سابق من الطراز الرفيع. هو أيضا مدرب، التزامه، عنايته بالتفاصيل ومحاولة مساعدة أي لاعب كان في هذه التشكيلة... لكل ذلك، كان الحلقة المفقودة في جهازنا الفني".

يدرك دي بروين المعضلة التي سيعيشها هنري لدى عزف النشيدين الوطنيين في أرض الملعب. قال "بالنسبة إليه، ربما ان (الثلاثاء) سيكون صعبا بعض الشيء، الا انه يعمل حاليا مع بلجيكا، يريد لنا ان نربح (...) ربما سينشد +لا مارسيياز+ (النشيد الوطني الفرنسي)، وهذا ما أراه طبيعيا".

- الكثير من الجهد - 

سرق هنري الأضواء من مباراة تعد من الأبرز في المونديال الحالي، ليس فقط لأن نتيجتها ستحدد الطرف الأول في النهائي، لكن أيضا لأنها مواجهة بين بلدين جارين يجمع بينهما الكثير في مجالات اللغة والثقافة، ومنتخبين في صفوفهما تشكيلة من أبرز المواهب الكروية.

لفرنسا انطوان غريزمان وكيليان مبابي ونغولو كانتي وبول بوغبا، ولبلجيكا دي بروين وادين هازار وروميلو لوكاكو وتيبو كورتوا. مواهب قد تمر أعوام طويلة قبل ان يتمكن أي من البلدين، وحتى أي بلد، من جمعها في فترة واحدة.

بعد 73 لقاء سابقا، بات البلدان يعرفان بعضهما البعض كرويا. الا ان لاعبي الجيلين الحاليين يعرفون بعضهم البعض جيدا أيضا: جيرو وهازار وكانتي في تشلسي، بوغبا ولوكاكو في مانشستر يونايتد... واللائحة تطول.

بالنسبة الى ديشان الباحث عن رفع الكأس كمدرب بعدما حملها كقائد، اليوم "نحن في الدور نصف النهائي، وبالتالي هناك فرصة لخوض المباراة النهائية لكأس العالم، دعونا نبذل كل ما لدينا لاغتنام هذه الفرصة (...) سيتطلب منا ذلك الكثير من الجهد لتحقيق ما نرغب به".

بالنسبة الى مارتينيز الذي أوصل بلجيكا الى نصف النهائي للمرة الثانية في تاريخها والأولى منذ 1986، حان الوقت لهذا الجيل ليثبت نفسه. 

قال "ربما في كأس العالم (السابقة) أو كأس أوروبا، لم يكن بعض اللاعبين يؤمنون بقدرتهم على الفوز (...) الآن ثمة شعور أكبر بالثقة ببعضهم البعض وتقديم أداء أفضل من أي وقت مضى".

وأضاف "عندما تصل الى هذه المرحلة، ترغب في المواصلة حتى النهاية".

لم تعد النهاية بعيدة. اليوم فرنسا-بلجيكا، وغدا نصف نهائي ثان بين انكلترا وكرواتيا... فائزان يلتقيان الأحد على ملعب لوجنيكي في موسكو، ومنه يخرج الى العالم حامل لقب مونديال 2018.