بيروت:لازلت أذكر الحالة النفسية السيئة التي عاشتها الفنانة نوال الزغبي قبل بضعة أشهر عندما حرمت من أبنائها حوالى الشهرين بقرار من والدهم، على خلفية النزاع العائلي الدائر بينهما.
كانت في حينها كاللبوة الجريحة، مستعدة لفعل أي شيء لتسترجع أولادها، وفكرة حرمانها منهم تقتلها.
عايشت شخصياً تلك المرحلة، وشعرت بوجعها، ولمست معاناتها عن قرب، كانت حزينة... يائسة... وضائعة... تسحقها وطأة الوقت ... ويقتلها إنتظار الإجراءات القانونية لتستعيد أبنائها من خلالها.
ومن منا لا يتذكر كيف أبكتنا نوال قبل 11 عاماً وهي تغني أغنية quot;تياquot; للمرة الأولى في إطلالة مباشرة ببرنامج كأس النجوم؟
يومها لم تتمكن من منع دموعها وهي تغني لطفلتها الأولى التي رزقت بها بعد سنوات من الحرمان والإنتظار،وأرادت أن تعبر عن تجربتها بأغنية تجسد مشاعرها في حينها فمست مشاعر الملايين.
نوال عادت وأبكتنا للمرة الثانية بالأمس وهي تعبر عن مكنونات صدرها وصدر كل أم محرومة أو مهددة بالحرمان من أبنائها.
تجربة هذه الأم الفنانة لا تختلف عن تجارب الكثيرات من النساء، ونقطة ضعفها الأساسية هي نقطة ضعف آلاف الأمهات المحرومات، والمعذبات، في ظل مجتمع ذكوري غالباً ما تكون الغلبة فيه للرجل.
نوال لازالت مستمرة في حربها للإحتفاظ بأبنائها، ورغم أن القضاء أنصفها، وربحت الجولة الأولى وحصلت على وصايتهم مؤقتاً، لحين البت في قضية الطلاق، إلا أن ذلك لم يلغ الوجع الذي عاشته وقررت أن تعبر عنه بأغنية quot;فوق جروحيquot; التي كتب كلماتها الشاعر المبدع فارس إسكندر، ولحنها المتميز سليم سلامة، ووزعها بشكل رائع وسام صباغ.
quot;فوق جروحيquot; تطرح واقع الصراع بين قلوب حل فيها الغل والبغض، محل الحب والود، ولو تمكن الإنسان من أن يطهر ذاته من الحقد، ويتعالى على الإنتقام، ويبحث عن ذرة خير في شريكه السابق، لما وصلت الأمور الى هذا التعقيد في العلاقات الإنسانية.
ربما يعتقد البعض بأنه مؤمن لأنه يصلي وقريب من ربه، وربما يتشبث ويعاند لأنه يعتقد بإستمرار بأنه على حق ويرفض أن يرى الحق الذي عند غيره،لكن الإيمان الحقيقي هو في التطبيق الفعلي لكلام الله: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ. وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ. لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ (متّى 5: 44-45)
وأقتبس جملة أعجبتني وأحتفظت بها من مقال قرأته مؤخراً ... ولا أذكر أين أو من كتبه تقول: quot;الشر في الإنسان مسيطر على نفسه. لذا نحتاج إلى قوّة جديدة، تغيّر قلوبنا الرديئة. ولا نجد هذه القوّة إلا في الله، لأنّه محبّة. ومن يدرس غفرانه ومصالحته ورحمته، لا يستنبط علماً جافاً أو ناموساً جامداً، بل قوّة خالقة، تمنحنا قلباً جديداً ممتلئاً بالرحمة والحنان.quot;
فالبغض والحقد ... مشاعر مرضية لا تولد إلا الشر ... والضحية أطفال يتمزقون بين أعز شخصين على قلبهم ... والقرار صعب جداً على طفل لا يفهم في الأساس لم عليه أن يختار...؟!!!!
حالة التمزق هذه تولد شروخاً في نفسيتهم من الصعب رأبها لاحقاً وستبقى معهم مدى الحياة ؟ فهل ندرك بأننا نسيء لأطفالنا أضعاف ما نسيء الى بعضنا البعض ونحن غارقون في أنانيتنا وماضون في إنتقامنا؟ هل ندرك أن العمر أقصر من أن نضيعه أسرى مشاعر سلبية لا تولد في داخلنا الا البؤس والوجع؟!!
quot;فوق جروحيquot; تجسد حالة وجع إنساني، صرخة كل أم معذبة، ترفض أن تركع وتستسلم ... صرخة بإنتظار أن تجد صدى وتمس وتر الإحساس في كل قلب يسمعها.
وهي دليل عافية بأن الأغنية العربية بدأت تطرق باب الوجع الإنساني وهي تجربة من ضمن تجارب عديدة طرقت باب القضايا الإجتماعية مؤخراً نتمنى أن تستمر لترتقي بالفن وتمنحه صبغة الرسالة الإجتماعية التي غابت عنه لسنوات طويلة.

شاهد quot;فوق جروحيquot;