دمشق:كثيراً ما تطرقت الدراما السورية إلى مواطن الفساد وحذرت من تداعياتها وأغلب القراء يذكرون كيف كانت مسلسلات مثل (مرايا و يوميات مدير عام) تناولت الروتين والبيروقراطية بأسلوب ساخر من خلال المعركة التي خاضها أيمن زيدان ضد كل أشكال الفساد المستشرية في المؤسسة الحكومية التي يديرها،وأصبح النقد في الأعمال الكوميدية اللاحقة أكثر جرأة كبقعة ضوء فانتقلت إلى نوع آخر أصبحت المعالجات الدرامية والبصرية أشدّ حنكة، فالفن و الإصلاح معاً مزيج يساعد على تطوير المجتمع ،فهل ساعدت الدراما السورية على الإصلاح ،وهل آن الأوان لدراما جديدة؟.

quot;إيلافquot; استطلعت آراء عدد من الدراميين في سوريا خاصة وأنهم دقوا أكثر من جرس إنذار على مدى السنوات الفائتة كون مهمة الفن لا تتعدى تسليط الضوء على الظواهر المجتمعية والسلطوية سيئة الذكر، فهو ليس قادراً على إحداث المعجزات ولكن من الممكن أن يكون دافعاً ورافعاً لمرحلة التغيير الاجتماعي.
وتحدث الفنان فراس إبراهيم لـquot;إيلافquot; عندور الفن في عملية التغيير الاجتماعي قائلاً: quot; الفن يلعب دوراً مهماً على مر العصور ،فالفنان يعطي طاقة ايجابية وجمالية وفكرية للناس عن طريق مدّهم بالأفق وعند تطور المجتمعات يطور الفنان مدارك ووعي الجمهور بإشراكهم في تبني وجهة نظره فيتعاملون مع الحياة بشكل ايجابي يومي لا بشكل تقليدي ،ويأتي الفن ليسلط الضوء على الأحداث اليومية ويعرض وجهات نظر مختلفة وحتى عندما تكون هذه الأحداث متخيلة فإنها تعكس الواقع المجنون ،ويكون دوراً مهماً بالتطوير عندما يكون حقيقياً.
وعبر إبراهيم عن أسفه لتصدر الدراما التجارية في السنوات الماضية ،معبراً عن تفاؤله بأن الجمهور لا يمكن له أن يستمتع مع هذه الدراما التي بناها فنانون كانوا نجوماً منذ أشهر ولكن كشف الغطاء عن روحهم لا عن شكلهم ،مضيفاُ أنهم اعتادوا الكسل على مدار السنة على اعتبار أن الجمهور يرغب في هذه الأعمال متجاهلين بأن المشاهد كانت تفرض عليه أعمالهم، مشيراً إلى إمكانية وجود تصفية لبعض المواضيع التي كانت بالدراما ،معتبراً أن الأعمال المهمة التي كانت مظلومة فترات سيتم حمايتها ،داعياً زملاءه من الفنانين الموهوبين الذين كانوا يعملون بمنطق تجاري فقط كي يتواجدوا في الساحة الفنية أن يعودوا إلى موهبتهم الأصيلة وثقافتهم لكي يستفاد منهم النوع الجديد من الدراما القادمة.
وأشار المخرج علاء الدين كوكش إلى أن الدراما السورية لعبت دوراً مهماً بعملية التغيير الاجتماعي كونها قدمت أعمالاُ واقعية كثيرة كانت تطرح المشاكل الاجتماعية بصدق وشفافية وجرأة منذ نشأة التلفزيون السوري في الستينات وحتى الآن ،مضيفاً أنه على احتكاك بتجارب شخصية مع الكثير من متابعي هذه الأعمال فكان تأثيرها كبيرا جداً على الجمهور، معتبراً أنه لا توجد قدرة تستطيع التغيير الإيجابي مثل الفن ،معبراً في الوقت نفسه أن الدراما السورية كانت البادئة في تقديم هذا الأثر.
وأضاف كوكش أن الدراما السورية بحاجة دائمة إلى دماء جديدة تضخ تيار الدراما لتتجدد دون أن تلغي القديم معتبراً أن عملية الإلغاء غير صحيحة حتى في هوليوود هناك تيارات متعددة تتجدد دوماً بالوجوه الجديدة ولكنها لا تلغي الدراما الكلاسيكية، مشيراً إلى أن السوريين أصبحوا يقدمون أعمالاً استهلاكية للمشاهد لذا يجب الإكثار من الأعمال ذات المضمون والهدف ،معبراً عن أمله في أن لا تعاني الدراما السورية الأزمات المستقبلية بأن تتبع تغيير البنى التحتية الفنية بما يتوازى وتأثيرها على المحيط العربي.
ويرى المخرج تامر اسحق أن التلفاز وسيلة رفاهية لكنها تلعب أيضاً دور التثقيف والتعليم أيضاً، لذا يجب طرح كل المواضيع التي تخطر على بال المتفرج الذي يستطيع متابعة ما يهواه من خلال محطات دينية أو محطات الأغاني أو الأخبار، مشيراً إلى ضرورة تسليط الضوء على المشاكل الاجتماعية من خلال الدراما ليزيد وعي الجمهور.
وأشار الفنان رشيد عساف إلى دور الدراما في الإصلاح قائلاquot; من واجب الفنانين والكتاب بالدرجة الأولى أن يعيدوا الاعتبار إلى الدراما، وأطالب الجهات المعنية المنتجة بتكليف كتاب واعين تماماً لموضوع الإصلاح لإنتاج العديد من الأعمال التي من شأنها أن تطرح قضايا الإصلاح بشكل جريء جداً، وأحياناً يجب عليهم تسليط الضوء على الفاسدين وبالأسماء لأنهم ساهموا في تدمير البلد، وأن يكون الطرح بوجود هامش الحرية الواسع لملامسة الجرح حقيقة من دون أن يتم تجميل الواقعquot;
وأضاف أنه ينبغي على المسلسلات القادمة أن تأخذ هامشاً أكبر وأوسع من الحرية ،ويجب على الكوميدية أن تكون هادفة سياسياً واقتصادياً بمعنى الكوميديا الحقة ،مشيراً إلى غرض الأعمال الاجتماعية يجب أن يلبي هموم المواطن السوري والهم العربي.
وأكد المخرج السوري فهد ميري أن مهمة الدراما هي عكس الواقع ،والواقع الجديد في سوريا يفرض عليه الأخذ بالمتغيرات وستفشل الدراما إن تجاهلت هذه المتغيرات كونها لم ترتق إلى مستوى الإصلاح القادم ،وبقدر أن كانت هذه الإصلاحات موجودة على أرض الواقع يجب على الدراما أن تجسد التطور على الصعيد الاجتماعي والإنساني ولا بد أن تواكبها
وأشار ميري إلى أن الدراما السورية لعبت دوراً مهماُ في عملية التغيير الاجتماعي لكن الرقيب الموجود داخل كل شخص منا كان خائفاً، معبراً عن أمنيته في أن يمتلك الفنان السوري مساحة أكبر من الحرية ضمن الإصلاحات الجديدة كي يعبر بوسائل عصرية ومتنورة ومنفتحة بشكل أكبر ،مؤكداً طبيعة طرح الموضوعات الجديدة في الدراما ومعالجتها أيضاً.
ويشير كمال الحاج دكتور في قسم الاعلام إلى أن الدراما السورية الكوميدية تحديداً مثل سلسلة (بقعة ضوء) تناولت الكثير من الموضوعات بحرية وقدمت في عدة لوحات وقبله بسنوات طرحت سلسلة (مرايا) وتناولت بشكل مختلف مواضيع الفساد،أما الأعمال الاجتماعية والتاريخية فهي لم تتناول بشكل مباشر المشكلات المجتمعية إلا عددا قليلا منها كمسلسل (الانتظار) الذي ألقى الضوء على مشكلات الطبقة الوسطى المثقفة وسكان العشوائيات ،واعتبر المسلسل الكوميدي السوري أكثر جرأة من سواه.
واعتبر الحاج أن الدراما والأفلام السورية ستتأثر حكماً بما جرى في الأشهر الماضية في العالم العربيوأنها ستترجم الأحداث بشكل مباشر أو ضمني وستتحرى ما الذي دفع إلى الثورات العربية ،مشيراً إلى أن الأعمال السينمائية في فترة الستينات ركزت على موضوع (نكسة 67 ) وقضية فلسطين ،معتبراً أن الدراما لا تنفصل عن واقعها وتتأثر بشكل كبير بما يحدث من اهتزازات سياسية في الواقع، داعيا الكتاب إلى عدم الاستعجال والتسرع في كتابة المواضيع الجديدة التي تحتاج لسنوات كي تتبلور الفكرة في ذهن الكاتب الدرامي وأن تمول وتنتج وتجد طريقها للدراما.
وبعد تجذر الفساد في النفوس،بات عصياً على كل محاولة إصلاح إن لم تكن منهجية وشاملة تتضافر فيها كل الجهود، فهل تحقق الدراما السورية المطلوب منها في السنوات القادمة، أم أنها ستحافظ على ما قدمته في السابق دون جديد، خاصةً بعد أن استقبل الرئيس السوري بشار الأسد عددا من الفنانين وأشاد بدورهم في إصلاح المجتمع وتوعيته وضرورة عكس الواقع كما هو في أعمالهم للمساعدة في حل المشكلات في سورية للنهوض بواقع المجتمع وعكس تطلعاته وتعميق اللحمة والتوعية.