مثَّلت تصريحات وزير الثَّقافة التونسي، مهدي مبروك، عن أنَّ بعض الفنانين لن يطأوا مهرجان قرطاج إلَّا على جثته، محل جدل بين التونسيين، حيث اعتبر بعضهم أنَّه انتصار لذوق سليم تبدَّل بفعل هؤلاء، فيما رأى آخرون أنَّه وصاية ثقافيَّةومصادرة لذوق شريحة كبيرة بغضّ النظر عن المستوى الفني.


تونس:أكد مهدي مبروك وزير الثقافة التونسي خلال حوار إذاعي أن العديد من الفنانين لن يطأوا خشبة مسرح قرطاج، من بينهم إليسا ونانسي عجرم، في إطار ما أطلق عليه تسمية quot;دكتاتورية الذوق السليمquot;.

وأشار مهدي مبروك إلى أن الوزارة تعمل على إنجاح مهرجان قرطاج الصيفي بجعله فضاءً للموسيقى الراقية، وقال إن الوزارة تسعى إلى الارتفاع بذوقه الفني حتى تكون خشبته تليق بتونس وثقافتها، وأوضح أنه لن يتحول إلى مسرح لحفلات الزفاف.

ويرى الناقد السينمائي المعروف خميس الخياطي من خلال إفادته لـquot;إيلافquot; أن: quot;رأي وزير الثقافة مثير للاستغراب، لا سيما وقد أدلى في حديث سابق بآراء موضوعية جدًا- تتعارض مع الجوقة الحكومية quot;النهضويةquot;- في شأن مدينة الثقافة لكونها مشروعًا مهمًا، ووعد بأنها ستفتح أبوابها في العام المقبل، وها هو برأيه الجديد يطيح بالصورة الإيجابية التي كوّنها العديد من الفاعلين الثقافيين عنه ورأيه في الفن الغنائي، وما يجب أن يستمع إليه التونسي في المهرجانات الكبرى، وخصوصًا مهرجان قرطاج الصيفي، وفيه الكثير من التسرّع والتطاول على تكوين الذوق المجتمعيquot;.

ويتابع الخياطي لـquot;إيلافquot; قائلاً: quot;لست من أحباء الفنانين الذين ذكرهم الوزير، ولكن قرطاج مستقل عن الوزارة أولاً، ثانيًا الوزارة ليست وزارة الذوق العام، وثالثًا ما هو مطلوب من الجمهور قد يدلّ على ذهنية مخفية في الشخصية العمومية، وعلى الوزير أن يستخلص النواقص والمكونات، لا أن يكون شيخ الفتاوى الغنائية، ثم أن يقول quot;حضورهم على جثتيquot;، فتلك مراهقة سياسية غير متوقعة من وزير للثقافة، ذاك الأمر لم يطلبه وزراء ثقافة من العيار الثقيل مثل الشاذلي القليبي، أو محمود المسعدي، أو البشير بن سلامة، وأدنى ما يمكن أن يقال عن هذه quot;الطلعة الوزاريةquot; هي أكثر من الوصاية، بل فرقعة quot;نهضاويةquot; قد تلهي مهنيي المهنة الغنائية والفنية عمّا يطبخ في المجلس التأسيسيquot;.

تصريحات وزير الثقافة التونسي

من جانبها، قالت الصحافية نسرين الحامدي لـquot;إيلافquot;: quot;ما قاله وزير الثقافة هو دكتاتورية في فرض ذوق، وهو يفكر بعقل الفرد الواحد والذوق الواحد والرأي الواحد، ودكتاتورية الرأي تعني إلغاء الأذواق الأخرى، التي ربما تختلف مع ذوق معين، وهو غير جائز،لم نعهد في تونس حصر الأذواق وفرض أنماط معينة، حتى وإن كانت رديئة، من مسؤوليات وزير الثقافة أن يضع برنامج يلبّي كل الأذواق والطبقاتquot;.

في المقابل، أكد أستاذ الموسيقى إبراهيم بهلول لـquot;إيلافquot;: quot;ذوق الشريحة الكبيرة التي تربت على نانسي وغيرها هي شريحة شوهوا ذوقها وأخلاقها بجيل من شبه الفنانات الجميلات القد والنافخات لصدورهن، واللواتي تبنتهن شركات للاتجار بهن وبجمالهن، أنا أدعو إلى مراجعة تاريخهن والحوادث التي تسببن فيها، واليوم يجبإبعادهن عن خشبة قرطاج، ودعوة فقط من يرتقي بالفن، لا من يعتمد على جسده للنجاح، وثقتي في وزير الثقافة أكيدة، ولديه معرفة ودراية بالأحوال الثقافية، لكن عليه التحري في العديد من الملفات وبعض الإداريينquot;.

أزمة إبداع
وتحدث مهدي مبروك وزير الثقافة التونسي عن أزمة مبدعين في تونس، وقال إن دور الوزارة ليس الإبداع، بل التشجيع على الإبداع، والإحاطة بالمبدعين، من خلال توفير مناخ من الحرية للمبدعين، وبنية تحتية تليق بهم.

في هذا السياق قال الناقد السينمائي خميس الخياطي لـquot;إيلافquot;: quot;أزمة إبداع، هذا مفهوم جديد، ليس من شأن وزير الثقافة، ولكن من شأن المبدعين، مهمة الوزارة هي التشجيع، نعم، ولكن ما هي المقاييس التي ستعتمدها لجان الوزارة لتقديم التشجيع؟، هل ستكون هبات، كما كان من قبل، ولماذاالوزير لا يفعّل صندوق الدعم الثقافي الذي أنشأه البشير بن سلامة وفيه من المليارات الكثير؟. الإبداع في العديد من الفنون مثل الفنون المشهدية رهين السوق ولصيق العملية الإنتاجية، ولا يمكن أن نقوّم الإنتاج إلا بمردودها الفني والترفيهي والإنتاجي، وإلا سنبقى كما كنا نترقب اللجان لتقدم الدعم وتسمح بالتلاعب بالمال العامquot;.

وأضاف الخياطي quot;مؤسسة العملية الفنية في جانبها الإنتاجي هي العتبة الأولى في المشروع الثقافي الذي لا نعلم عنه شيئًا، إن وجد أصلاً. الحالة نفسها في قضية الكتاب علمًا أن التونسي - مثل العربي - لم يعد يقرأ إلا ما يساعده على اجتياز الفروض، على الوزارة أن تبين لنا ما هي تصوراتها في الجوانب الإنتاجية الفنية التونسية، لأن الإبداع لا ينزل هكذا على المبدع، بل هناك بيئة منها ينبع وفيها يصبّ، ونحن اليوم في تونس لا منبع لنا ولا مصبّ إلا بدعم من الوزارة، وفي غياب رأسمال وطني طفيلي، لا يهتم بالمسألة الإبداعية، إلا في جانب التعبير عن الولاء السياسي والإيديولوجي، وquot;كأننا يا بدر لا رحنا ولا جيناquot;.

وزير الثقافة التونسي مهدي مبروك
ويعتبر وزير الثقافة الحالي من أبرز الباحثين في علم الاجتماع التونسي، إضافة إلى نشاطه السياسي، الذي تواصل لسنوات في صلب الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي استقال منه إبان ثورة 14 يناير في تونس لخلافات في الرؤى مع قياداته.

أولويات وزارة الثقافة
وبخصوص أولويات وزارة الثقافة قال خميس الخياطي لـquot;إيلافquot;: quot;الأولويات تتمثل في إعادة الثقة بين المبدعين وأصحاب الشأن الثقافي والجمهور الواسع، والثورة التونسية لم تقم على آراء المفكرين والمبدعين والنخبة، بل على الكرامة والتشغيل وبالتالي المبدع غائب، أو في الحقيقة غيّب لأكثر من 20 سنة، وعلى الوزارة أن تقيم خطة مساعدة فيكل ميادين الإبداع من سينما وسمعي بصري ومسرح وفنون فرجوية وتشكيلية وآداب وتراث، التركة ثقيلة نعم، والدولة اختارت مقاليد الحكم، فما عليها إلا أن تستجيب لأهل المصلحة الأولى من المبدعين، وإلا سيكون الإبداع مجرد تسجيل لفرضيات التيار السياسي الحاكم، وهي فرضيات يقشعر منها الجسم لرؤيتها التراجعية في المسائل الفنية التي لن تقوم لها قائمة إلا بالحرية والدعم إنتاج الحرية الفنيquot;.