عبد الجبار العتابي من بغداد: لايكف البغداديون عن تداول شائعات متخلفة عقب كل حدث في مدينتهم وىخرها كان يوم الثلاثاء الماضي حيث عاشت بغداد يوماً من السكون وقلة في الحركة على غير عادتها، وخلت الشوارع من زحامات السيارات على الرغم عودة الحياة نوعا ما الى الجامعات والمدارس والدوائر الحكومية التي تعطل بعضها واصابها الشلل بعضها الاخر، الا ان الحذر ما زال ساري المفعول، فيما كان المواطنون يتحدثون عن احداث يوم الثلاثاء التي كانت سريعة وغريبة ومريبة بالنسبة لهم وخلقت اجواء من الخوف والقلق احيانا لدى الناس بعد ان تكاثرت الشائعات وراحت تتوالد بسرعة مع مرور الوقت وتتطاير في الارجاء عززتها بعض القنوات الفضائية التي راحت تنفخ في بالونات الشائعات حتى جعلت الامور قابلة للانفجار بين لحظة واخرى، والغريب في الامر ان المواطن، يوم الاربعاء، لاول مرة يشعر انه غير قادر عن التعبير بدقة، فبقي ينظر الى ذلك القلق الذي عاشه في ساعات الصباح الاولى والتذمر من قطع الطرق وانسداد الشوارع، ومن ثم يتأمل ما راح يسمعه من ان الاجهزة الامنية احبطت محاولات تفجير مثل تلك التفجيرات المروعة التي اصابت بغداد خلال الاشهر الاخيرة وجعلت من بعض ايامها دامية، فيفتح عينيه على وسعهما ويفغر فاه ثم يصمت فيهدأ وهو غير مصدق ان ما حدث فعلا كان عملية انقاذ كبيرة لارواح الناس.

وقد واصل الشارع البغدادي الهدوء المشوب بالحذر غير الواضحة اسبابه، فما عادت الشوارع تمتلك الظواهر ذاتها حتى بعد حدوث الانفجارات التي حدثت سابقا، من الصباح الى المساء كانت الشوارع شبه خالية في اغلب الشوارع، اتحدث عن يوم الاربعاء لكن الاحاديث صارت اكبر من حالة الترقب، هي حديث الشارع بشكل عام.


في سيارة النقل العام التي كنت استقلها صباحا، كان جوهر الحديث بين الركاب ما حدث، ما ان عبرت السيارة جسر الجادرية حتى كسر احدهم الصمت فقال: لا يوجد زحام مثل كل يوم، ما شاء الله.. الشارع فارغ، يبدو ان تأثيرات امس ما زالت مسيطرة على الناس، او ان امرا ما سيحدث اليوم ايضا؟


رد عليه شاب بسرعة: يا ساتر يا ربي، ماذا تقول يارجل؟ صحيح يوم امس كان مثيرا ولكن الحمد لله، سمعت ان حظر التجوال منع كارثة مثل كوارث تلك الايام الدامية، ولو انني سمعت انه ليس حظرا للتجوال.


رد عليه اخر اكبر سنا: (يا معود.. ) هل هذه حال، ارعبونا بالامس واختلطت علينا الامور بحيث لا نعرف اذا ما كان انقلاب قد حدث او ان صالح المطلك (مات) او شيء (صاير) بالبلد ولا نعرف، مشيت مسافات طويلة على الاقدام وانا ارتجف من الخوف، وكانت كل الطرق مقطوعة،وعندما رجعت الى البيت (خبلتني ) الفضائيات، وبالتالي ما ادري صدقا ام كذبا قالوا هناك سيارات مفخخة.


أيدته امرأة فقالت: اي والله، انا رجعت مسرعة الى البيت لما رأيت الشارع القريب منا مغلق من قبل الشرطة، سألتهم (شكو عيني.. شصار) لم يردوا عليّ، انا خفت ورجعت، وقلت اللهم احفظ العراقيين، نحن تعودنا على هذه الاشياء من الخوف والرعب وقلوبنا (تدبغت) من القهر.


علق الشاب: انا سمعت من قناة (.......) ان انقلابا سيحدث، ومثل اي عراقي صدقت ولكن بعد ذلك قلت: من يقوم بالانقلاب؟ امريكا موجودة ولا يمكن ان يحدث انقلاب الا بأمر من امريكا.


قال رجل كان يجلس بعيد بمقعدين: انا لا اصدق كل ما اسمع، ولكن صدقت ما سمعت ان الاجهزة الامنية عثرت على سيارات مفخخة، فالظروف خلال الايام الماضية كلها تشير الى ان ان شيئا ما سيحدث لذلك كانت الشائعات اكبر من مسألة التفجيرات، المواطن العراقي يحتاج الى وعي اكثر بالامن وبالاخبار التي يسمعها !!.


واستمر الكلام والجدال فيما كانت السيارة تنطلق بسرعة في الشارع الخالي.


في ساحة الاندلس وفي احدى المقاهي التي تعمدت الجلوس فيها، كانت الحديث ذاته، هناك من يصف ما حدث بالمخيف والمزعج وان الناس من البارجة الى اليوم لزمت بيوتها وهي لا تعرف كيف تتصرف، وهناك من يرد عليه بالقول: لو ان انفجارات حدثت لشتمتم الحكومة وقلتم اين الامن، ولان الحكومة شعرت بالخطر وحاولت ان تمنع التجول اصابكم الضجر، الا ترى ان الجكومة فعلت خيرا خاصة انها قالت ان ما فعلته كي تمنع حدوث انفجارات كان الارهاب يخطط لها !!.


الذي كان يجلس بالقرب قال ان اسمه نبراس شاكر تحدث لي عن الثلاثاء قائلا: شعرت بقلق بعد ان سمعت في الصباح اخبارا عن محاولة انقلابية وان الارتال العسكرية سارت في الشارع السريع (محمد القاسم) وانتابني الفزع عندما وجدت القوات العسكرية تمنع الناس من الذهاب الى اعمالهم، وان هذه الارتال غير معروفة مما ادى فزع المواطنين والرجوع الى دورهم، وانا ايضا عدت الى البيت وبعد الظهر ركبت دراجتي البخارية متمنيا الوصول الى مقر عملي والحمد لله ان الطريق كان مفتوحا ولكن السيطرات متشددة في عملية التفتيش، وعلمت من التلفزيون انها احترازات امنية لا غير، وكل ما قيل هو غير صحيح وادعاءات لغرض اشاعة الفوضى.


واضاف: يا اخي.. الناس تتحدث احيانا حسب مصالحها، وحسب امزجتها احيانا، انا ارى ان الدولة محقة في اجراءاتها، صحيح ان الامس واليوم حركة الناس قليلة ولكنها حالة عادية في بلد يتعرض للارهاب مثل العراق.


تركت المقهى وسرت في شارع السعدون، الصورة واضحة: لا يوجد زحام حتى في تقاطع كهرمانة، التقيت هناك الدكتور جمال جليل الاستاذ في كلية المعلمين وتحدثت معه فقال: من حق الناس ان تحذر وتخشى وقوع مكروه خاصة مع وجود وسائل اعلام تؤجج الوضع حتى وان كان صغيرا او غير مهم او غير صحيح احيانا، ولان العراق بلد تكثر فيه الشائعات فالخوف حالة طبيعية، ما شهدته بغداد يوم امس (الثلاثاء) واليوم (الاربعاء) يمثلان صورة اخنلفت كثيرا عن الايام الاخرى، ولكن لا تحزن فالحياة ستعود اجمل !


هناك ايضا التقيت الزميل الصحفي مؤيد عبد الوهاب فقال لي: فوجئت صباح الثلاثاء ان الطرق مغلقة وهالني ما كان يتحدث به الناس من شائعات، وعدت الى البيت مندهشا ورحت اتابع الاخبار من وسائل الاعلام لعلي اجد شيئا يفسر هذا الـ (منع للتجول)، لكن بعد ساعات الظهيرة اكتشفت ان الاجهزة الامنية قد احبطت محاولات للتفجيرات في بغداد وهذا ما اسعدني جدا، فقلت رغم انني محبوس في البيت وعشت حالة قلق الا انني بعد ان علمت بما حدث شعرت بالسرور وحييت الاجهزة الامنية على هذا المجهود.


بغداد.. تلك هي، تعيش أياماً غير اعتيادية، وهكذا هم ناسها يشهدون على مخاضات حياتية غير طبيعية لكنهم يحتضنون الامل بالله ان يمنحهم أياما أحلى وأكثر أماناً.