يبدو أن أمراض تونس، ونكباتها ما بعد "ثورة الياسمين" بلا نهاية!
 
ففي كلّ مرّة تنطفئ النيران في هذا المكان،لا تلبث أن تشتعل في مكان آخر!
 
والهدوء الذي تشهده البلاد بين الحين والحين سرعان ما تقوّضه الإحتجاجات والإنتفاضات الفوضوية التي تزيد الأوضاع تعفنا وخطورة على جميع المستويات!
 
مطلع العام الحالي،عاشت منطقة القصرين أحداثا مخيفة كاد لهبها أن يمتدّ الى جميع المناطق.
 
وبعد أقل من شهرين، حاول متطرفون ينتمون الى "داعش" إقامة إمارة أسلامية" في بنقردان على الحدود مع ليبيا.
 
وخلال الأسبوع الماضي،شهدت جزيرة قرقنة أعمال عنف وتخريب ومواجهات عنيفة بين قوات الامن والمحتجين الذين يطالبون بحقهم في"الشغل والكرامة".وقبل ذلك شلّّ الجزيرة إضراب عام عطل الحركة التجارية، واوقف جزئيا الرحلات البحرية بينها وبين مدينة صفاقس ، العاصمة الإقتصادية للبلاد،وثاني اكبر المدن بعد العاصمة التونسيّة.
 
جزيرة قرقنة ليس لها الشهرة العالمية التي تتمتع بها جزيرة جربة في المجال السياحي.وليس لها فنادقها الفخمة ومطارها الذي يربطها بكبريات العواصم الأوروبية. وأهلها يعيشون من الصيد البحري.وهي مسقط رأس الزعيم فرحات حشاد الذي أسس الاتحاد العام التونسي للشغل بعد الحرب الكونية الثانية،وساهم مساهمة فعالة في النضال الوطني من أجل الإستقلال.وكانت له علاقات وطيدة بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة . وبسبب مواقفه الوطنية الجريئة والحازمة، قامت منظمة"اليد الحمراء" الفرنسية المتطرفة باغتياله في الخامس من شهر ديسمبر(كانون الأول) 1952.وعوضه على رأس المنظمة العمالية عضده الأيمن،وابن الجزيرة ذاتها ، السيد الحبيب عاشور الذي تخللت علاقته بنظام بورقيبة فترات هدوء وتوتر.
 
مع ذلك يمكن القول إنه -أي الحبيب عاشور-ظل وفيا حتى النهاية لفكر حشاد المعتدل والوسطي ،الرافض لكل شكل من أشكال التطرف اليساري أو اليميني.
 
عالما بوزنه السياسي والإجتماعي في البلاد،تمكن زين العابدين بن علي من "ترويض" الإتحاد العام التونسي للشغل .وباستثناء انتفاضة الحوض المنجمي بمنطقة قفصة حيث مناجم الفوسفات، التي آندلعت في عام 2007، لم تشهد البلاد مواجهات عنيفة بين نظام بن علي والاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان يقوده آنذاك السيد عبد السلام جراد(وهو أيضا من أبناء جزيرة قرقنة).وبعد "ثورة الكرامة والحرية"،لعب الإتحاد العام التونسي للشغل الذي يقوده السيد حسين العباسي دورا مهما في الحياة السياسية في البلاد،بل انه كان ولا يزال ركنا أساسيا فيها.ويعود ذلك الى الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها بسبب وفرة عدد المنخرطين في هياكله،والمنتمين الى فئات آجتماعية مختلفة.وربما لهذا السبب ، سعت وتسعى بعض الأحزاب والمنظمات السياسية اليسارية الى "التسلل" اليه لتكتسب قاعدة شعبية تمكنها من احتلال موقع مهم وفعال في المشهد السياسي الجديد.وهذا ما تفعله الجبهة الشعبية التي تضم تيارات شيوعية وقومية، بعثية تحديدا.وفي اكثر من مرة ،اتهمت حكومة السيد الحبيب الصيد التي جاءت الى قصر"القصبة" بعد آنتخابات خريف 2014، الجبهة المذكورة التي يقودها حمه الهمامي باستغلال المشاكل الإجتماعية لنشر الفوضى والعنف في البلاد. وكذا فعل الرئيس الباجي قائد السبسي في آخر حوار له مع وسائل الإعلام الوطنية.
 
وأظهرت أحداث قرقنة مرة أخرى ان تونس باتت تعيش على وقع انتفاضات وآحتجاجات دائمة ومستمرة.والذين يقفون وراءها يستندون دائما الى "دستور الثورة" الذي ألغى النظام الرئاسي مستبدلا إياه بنظام برلماني يحمله الكثيرون من المختصين في الشأن التونسي مسؤولية كل ما يهدد الأمن والإستقرار في تونس.فاعتمادا على هذا الدستور يمكن للمحتجين ،كما قال أحدهم، أن "يحتجوا،وبإمكان الإتحاد العام التونسي للشغل أن يساندهم في كل ما يفعلون ”.فإن حاولت الحكومة فرض هيبة الدولة،وتطبيق القانون،تصدى لها نواب مجلس الشعب (البرلمان) من الجبهة الشعبية،والمنظات الحقوقية واحزاب صغيرة أخرى للتنديد بذلك.وهذا ما يفسر حالة العجز والشلل التي تعيشها الحكومة راهنا.وخلال الإضطرابات الاخيرة التي شهدتها جزيرة قرقنة،آرتكبت اعمال عنف ،وآعتدى المتظاهرون على رجال الأمن غير أن المتورطين في ذلك سرعان من أطلق سراحهم!
 
لذلك بدأت أصوات كثيرة ترتفع في تونس مطالبة بإلغاء" دستور الثورة" لأنه بحسب أصحاب هذه الأصوات يبيح للذين يسعون الى نشر الفوضى والعنف والتسيب أن يفعلوا باسم "الحرية والكرامة" ما يشاؤون وما يريدون من دون حسيب ولا رقيب!