البرلمانية المغربية كجمولة بنت أبي

بعد أقل من أسبوع عن أحداث العيون التي جرت في الثامن من تشرين الثاني - نوفمبر، خرجت كجمولة بنت أبي النائبة البرلمانية ومنسقة جهة العيون لحزب quot;التقدم والاشتراكيةquot; بتصريحات تفند بعض ما جاء في الرواية الرسمية حول الأحداث.


قضت كجمولة بنت أبي النائبة البرلمانية ومنسقة جهة العيون لحزب quot;التقدم والاشتراكيةquot;، سنوات في البوليساريو قبل أن تعود إلى المغرب. وهذه الصحراوية حمّلت، في حوار مثير مع quot;إيلافquot; الأمن مسؤولية ما تعرض له الصحراويون من نهب وتدمير لممتلكاتهم، كما تحدثت عن تدخل عنيف للقوات العمومية لتفكيك مخيم quot;كديم أزيكquot; ضاحية العيون. وقدمت النائبة معطيات أخرى صادمة في أول حوار لها مع جريدة باللغة العربية.

** ما هو ردك على انتقاد الصحافة المغربية لتصريحاتك المثيرة للتلفزيون الإسباني حول أحداث العيون؟

-عليك أن تحدد السؤال أكثر وتقول ما كتبه عني صحافة نيني (في إشارة إلى رشيد نيني، ناشر جريدة quot;المساءquot; اليومية الأكثر مبيعا في السنوات الأخيرة بالمغرب)، لقد ضخم، كالعادة تصريحاتي وأخرجها من إطارها العام، ونسب إليّ ما لم أقله، ومن الأمثلة على ما نسبه إلي أن quot;الأمن نهبquot;، فأنا لم أقل هذا بل قلت أن المواطنين نهبوا بدعم من قوات الأمن. يوم الاثنين 8 تشرين الثاني، كنت في منزلي بحي كولومينا الذي يقطنه سكان مدينة العيون الأصليين، وما بين الثانية والثالثة ظهرا، ظهرت جماعة من المخربين يحملون السكاكين والأعلام المغربية قرب المسجد ترافقهم سيارتين للشرطة، وقد نهبوا أربعة بيوت. إنني لم أقل أن الأمن هو من نهب، بل سكان الشمال غير الصحراويين، وأطالب بفتح تحقيق في الموضوع.

** كنت في مفاوضات الدقائق الأخيرة بين quot;تنسيقية مخيم كديم إزيكquot; الذي أقامه المحتجون بضاحية العيون وفككته القوات العمومية في الساعات الأولى من صباح الاثنين وبين السلطات، وهناك أخبار عن تلقيك وعود بعدم التدخل، ما صحة هذه الأخبار؟

أحداث العيون كشفت التأزم السياسي بين الرباط ومدريد
إيلاف في quot;العيونquot; المغربية: هدوء ما بعد العاصفة

-لقد زرت والي أمن مدينة العيون برفقة لجنة شكلناها ليلة الأحد، كان الغرض من الزيارة تسلم سيارة الزاوي (أحد أفراد تنسيقية المخيم) ليحمل فيها بعض الأدوية لمرضى السكري في المخيم، وعد الوالي بالقدوم صباح اليوم التالي للحصول على السيارة. ونقلنا الأدوية على متن سيارات أفراد اللجنة إلى المخيم. قال لنا والي الأمن لن يكون هناك تدخل. وبعد أن أوصلنا الشخص الذي كان يحمل الأدوية إلى المخيم عدنا إلى بيوتنا للنوم. وعند الساعة السابعة والنصف صباحا رن هاتفي ليخبروني بتدخل القوات العمومية لإزالة المخيم.

** أنت ممثلة الشعب وقيل لك كلام كاذب، بم أحسست لحظة تلقيك خبر التدخل؟

-أحسست كأن الدنيا قد قلبت علي، لقد ضحك علي المسؤولون الأمنيون، واستعملوني ولم يفوا بما وعدوا به. إنهم يتعاملون معنا، كمنتخبين وممثلين للأمة، على أننا لا قيمة لنا.

** ألم تراودك تلك اللحظة فكرة الاستقالة من منصبك كبرلمانية؟

-فعلا تمنيت الاستقالة من البرلمان، لكنني فكرت وقلت يجب أن أندد بما حدث. بعد أن استيقظت مذهولة خرجت إلى شوارع العيون، واتجهت إلى شارع السمارة. حوالي الساعة الثامنة تقريبا التقيت بأناس مترجلين قطعوا 18 كيلومتر مشيا، منهم الشيوخ والأطفال، وبعضهم يبكي. لقد أوصلت بسيارتي سيدة وأطفالها في مرحلة أولى، وحكت لي قصة إخبارهم عند الخامسة صباحا بقرب تدخل القوات العمومية بواسطة طائرة هيليكوبتر، بعد ذلك أخبرتني عن استعمال القوات الأمنية للغاز المسيل للدموع والماء الساخن، كما تحدثت عن تصرفات رجال القوات العمومية العنيفة تجاه الشباب إذ كانوا يقودونهم بعنف عبر اللثام الذي يلبسه الشباب الصحراوي.

** ألم تشعري بالخطر أثناء تواجدك في مدخل المدينة تلك اللحظة؟

-لم أشعر إلا بالظلم، بكيت بحرقة. هناك خلل كبير في تدبير إزالة المخيم، لقد زرت جرحى ومصدومين، وأملك صورا للتدخل العنيف لأفراد القوات العمومية التي هاجمت المواطنين وهم نيام. لقد ركز عنف أفراد قوات الامن على الشباب، أما النساء والأطفال والشيوخ فطلب منهم الالتحاق بالحافلات. عند رؤية منظر مماثل تشعر أنك لا تساوي شيئا، تساءلت لمن سأوصل ما شاهدت وما جمعته من شهادات صادمة، كما فكرت عن الطريقة التي يمكنني أن أساعد فيها لوقف هذه المعاناة.

**لماذا لم توجهي سؤالا مباشرا إلى وزير الداخلية واخترت، بعد حوالي أسبوع تقديم أول تصريح لك إلى قنوات تلفزيونية إسبانية؟

-لقد تقدمت بمقترح سؤال إلى وزير الداخلية قبل الأحداث بأسبوعين تقريبا، ثم طلبت نقطة أثرت فيها موضوع المخيم وتساءلت عن ظروف اغتيال الطفل الكارح (14 سنة) الذي تضاربت الروايات حول وفاته، فالسلطات تحدثت عن حادثة سير والصحراويون أكدوا مقتله برصاصة للقوات العمومية المغربية. سافرت الثلاثاء إلى مدينتي quot;العيونquot; وعدت يوم الأحد، وسألت رئيس الفريق في البرلمان عما إذا برمج سؤالي في الأسئلة الشفوية المباشرة، فأخبرني أنه لم يبرمج بعد. إذ أن البيروقراطية في البرلمان توصلنا إلى أنه لا يسمح للنواب البرلمانيين بطرح أسئلتهم الشفوية بسرعة. كان يمكن أن ينوب وزير في الحكومة على وزير الداخلية ويجيب عن سؤالي.

أما بخصوص تصريحي إلى التلفزيون الإسباني، فهم اتصلوا بي، بحكم ثقافتي الإسبانية وأجبت على أسئلتهم. لا أحد يمنعني من أن أصرح وأستجيب لطلبات تصريحات من قبل الصحافة الإسبانية أو غيرها.

** لكن تصريحاتك تناقض الرواية الرسمية للأحداث، ألا تخشين أن يتخذ البرلمان أو حزبك quot;التقدم والاشتراكيةquot; قرارا ضدك؟

-لهم الحق في اتخاذ القرار الذي يرونه مناسبا، لكن ما قلته سأعيد تأكيده كلما طلب مني ذلك.

** إذا اتخذ في حقك قرار الفصل، كيف ستكون ردة فعلك؟

-لكل مرحلة ردة فعل مناسبة له. وفي هذا السياق لا بد أن أشير إلى معطى أساسي وهو أن حزب quot;التقدم والاشتراكيةquot; كان له موقف واضح في الموضوع، إذ أصدر بيانا يبين اهتمام الحزب بما حدث ويحدث ويؤكد انشغاله بالمشكل. لقد كان موقفا شجاعا للأمين العام. إن سياسة الحزب تخدم سياسة القرب، وفي هذا السياق سبق أن نظمت، باعتباري منسقة الحزب في الجهة (جهة العيون الساقية وادي الذهب) لقاءً بحي معطى الله، حضره الأمين العام ومجموعة من قياديي الحزب، ثم نظمنا لقاءات مفتوحة. وكمنسقة للحزب في الجهة أطالب بلجنة تقصي الحقائق، لجنة تشتغل بشفافية. آنذاك سندخل في خطوة أخرى بناء على ما ستتوصل به اللجنة.

الأمن متواطئ

** في تصريحاتك تأكيد على تورط رجال الأمن بحمايته لغير الصحراويين بمواجهة الصحراويين؟

-طبعا الأمن متورط، لقد كان يحمي مواطنين يحملون سيوفا وسكاكين ويخربون أملاك الصحراويين دون أن يحرك ساكنا، كما رأى إحراق مواطنين سيارات لصحراويين، سمع مواطنين يقولون quot;هبطوا يا صحراوةquot; (أي اخرجوا من بيوتكم يا سكان الصحراء)، هؤلاء رفعوا شعار quot;الصحراء مغربيةquot;. لقد تجنبت مدينة العيون مذبحة حقيقية، لو أن الشباب الصحراوي خرج تلك اللحظة كنا عشنا مذبحة. ومع ذلك في الأيام الأولى التي تلت أحداث العيون، شملت الاعتقالات التي شنها الأمن الصحراويين فقط.

** لماذا اتهمت الصحافة المغربية وقلت أنها تخون الصحراويين؟

-قصدت من كلامي صحيفة واحدة فقط، فقد كتبت تلك اليومية أن خياما نصبت في مخيم quot;كديم إزيكquot; خيطت في الرباط، خاصة حي السويسي، إنه اتهام مباشر للصحراويين المقيمين في الرباط بوجود تنسيق مسبق. ما يقصده كاتب تلك الاتهامات الخطيرة هو أن جميع الصحراويين يملكون خياما.

** بعد أحداث العيون، وُجِهت أصابع الاتهام إلى العائدين من مخيمات تندوف، أنت كعائدة، كيف عشت تلك الاتهامات؟

-إنه نوع من نسف واحدة من أهم السياسات التي نجح فيها المغرب. إذا اعتقل هؤلاء العائدون واتهموا بالخيانة، فسيكون لذلك، لا محالة، أثر على باقي الصحراويين المقيمين في المخيمات، كما سيكون له تأثير على صحراويين يقيمون في إسبانيا ويرغبون في الاستثمار في المدن الصحراوية. لقد شملت الاعتقالات عددا من العائدين، أعرف عائلة ألقي عليها القبض (ثلاثة أشخاص) فقط لأنهم يحملون جواز سفر جزائري، وقد أخلي سبيلها بعد ذلك، مع العلم أن الصحراويين المقيمين في تندوف يتحركون بجواز سفر جزائري.

** في سابقة هي الأولى من نوعها سقط عدد من رجال القوات العمومية ونكل بجثثهم وذبحوا، ما تعليقك على ذلك؟

-لقد وصلنا إلى مرحلة القتل، وهي مرحلة خطيرة جدا، أعتقد انها ناتجة عن تراكم الحقد والكراهية.

** الدولة تتحدث عن مخطط يستهدف المغرب بين البوليساريو والجزائر؟

-للدولة أجهزتها الاستخبارية. أتساءل كمواطنة، لماذا سكتت الدولة على مخيم تحركه أيادي استخباراتية أجنبية؟ لماذا سمحت بإقامته ولم تتدخل لفكه؟ لقد استمر المخيم شهرا كاملا، وكانت الدولة تفاوض ممثلي تنسيقية المخيم، الذين أصبحوا بين عشية وضحاها مجرمين قتلة. الدولة تقول أن المواطنين كانوا محتجزين، فلماذا لم تتدخل منذ البداية لتحريرهم؟

مرحلة جديدة بملف الصحراء

** هل يمكن أن نتحدث عن مرحلة جديدة في ملف الصحراء بدأت منذ الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر؟

-هناك مرحلة صعبة وحاسمة. طريقة تدبير الملف لما بعد الأحداث سيكون له أثر كبير على القضية. إن ما قامت به الدولة لم يكن الطريقة المثلى. من حق الدولة أن تبحث عن مرتكبي تلك الجرائم الشنعاء الدخيلة على الثقافة الصحراوية وعلى البيئة الصحراوية، لكن ليس من حقها أن تعتقل كل من فاق سنه 12 سنة من الصحراويين. كل هذا التشنج يزيد الملف تعقيدا. يجب تقييم ما حدث تقييما حقيقيا، وعلى كل واحد أن يتحمل مسؤوليته، ويفترض البحث عن الأسباب والمسببات في تلك الثورة الاجتماعية، وعن أسباب فشلنا في حلها سلميا. هذا الفشل خلق تدمرا في نفوس الصحراويين لأنهم مسوا في كرامتهم، كما يجب تجاوز توظيف نظرية المؤامرة. على الدولة أن تلقي القبض على المجرمين القتلة وأن تعتذر على تجاوزاتها، فالاعتذار المعنوي أحسن وأبقى.

** كيف ترين موقف الدولة من منع انتقال الصحافيين الإسبان إلى العيون أثناء الأحداث والسماح للصحافيين الفرنسيين بذلك؟

-أعتبره خطأ فادح، فهذا المنع سيخلق عداوة نحن في غنى عنها، يجب أن نعرف أن اللغة الإسبانية هي لغة أساسية عند الصحراويين. كان على الدولة أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار وأن تسمح للصحافيين المهنيين الذين لم يرتكبوا أخطاء مهنية بالانتقال إلى العيون.