تزايدت مؤشرات عودة العلاقات التركية الإسرائيلية، في ظل معطيات تؤكد عقد لقاءات دبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب في جنيف، سبقتها بحسب دوائر في تل أبيب اتصالات غير رسمية بين الجانبين، ويرى المراقبون أنه وبعيداً عن التصريحات المعلنة من الجانبين، بات التقارب بينهما وشيكاً.


تل ابيب: انطوت العلاقات التركية الإسرائيلية على مد وجزر خلال العقد الأخير، ترجمته على أرض الواقع ملامح معقدة التركيب، تعكس جميعها مشهداً تنافسياً للصراع على السيطرة الإقليمية بين حكومتي أنقرة وتل أبيب، ويرى المراقبون أن آليات المصالح المشتركة تتحكم في طبيعة العلاقة بين الطرفين، بغض النظر عن توجهات سياسية قد يتبناها طرف على حساب الآخر، ففي حين ينتهي شهر العسل بين تركيا وإسرائيل،يعاود نجم التواصل بين البلدين لمعانه مجدداً.

انتهاز الفرصة

ويبدو بحسب مراقبين أن حكومتي البلدين كانتا تتطلعان خلال الآونة الأخيرة إلى رأب الصدع بينهما، وإعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية وربما العسكرية، إذ انتهز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو فرصة التجاوب التركي في تقديم مساعدات لإسرائيل، لإنقاذها من كارثة الحريق الهائل الذي أكل الأخضر واليابس في منطقة الكرمل المحاذية لحيفا، واقترح نتانياهو من خلال دوائر سياسية ودبلوماسية أوروبية العمل على تهدئة الأجواء بين بلاده وتركيا، الأمر الذي لاقى قبولاً من رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان.

ولعل هذه التطورات تخالف إلى حد كبير التصريحات العلنية التي انطلقت من عاصمتي البلدين، تزامناً مع الإعداد للقاء السري بينهما، إذ رفضت الحكومة الإسرائيلية الطلب التركي الرامي إلى اعتذار إسرائيل عن اعتراضها لقافلة المساعدات التركية quot;مرمرةquot;، التي كانت تشق مياه البحر المتوسط في طريقها إلى غزة، بينما رفضت تركيا هى الأخرى الحديث عن أي تقارب مع الدولة العبرية، وبات ذلك واضحاً خلال تصريحات رجب طيب اردوغان التي أطلقها خلال زيارته الأخيرة للبنان وما سبقها من زيارات مماثلة لسوريا وإيران.

بوادر التقارب

انطلاقاً من تباين المواقف بين ما هو معلن وما يجري في طي الكتمان حول طبيعة العلاقات التركية الإسرائيلية، نشرت صحيفة quot;جلوبسquot; العبرية تقريراً مطولاً، رصدت فيه بوادر التقارب التركي الإسرائيلي الذي يجري على قدم وساق في مدينة جنيف السويسرية، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، بعث موفداً عنه لعقد لقاء في جنيف مع مسؤول تركي رفيع المستوى، يهدف إلى إعادة العلاقات لسابق عهدها بين البلدين.

ونقلت الصحيفة معلومات انفردت بها قناة التليفزيون الإسرائيلي الثانية تقول: quot;إن قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي جاء في أعقاب تلبية تركيا للمساعدات الخارجية التي طلبتها إسرائيل من مختلف دول العالم في إطار جهود إطفاء حريق الكرملquot;. وكانت الصحيفة العبرية أكثر شفافية من وسائل إعلام أخرى، حينما كشفت النقاب عن هوية الشخصيتين التركية والإسرائيلية اللتين أجرتا في جنيف تلك الاتصالات، مشيرة إلى أنه مثل الجانب التركي في المحادثات مدير عام وزارة الخارجية التركية فريدون سينيرلولو، بينما حضرها من الجانب الإسرائيلي يوسيف شحانوفير، الذي كان ممثلا لبلاده أمام لجنة التحقيق الأممية الخاصة بأحداث قافلة المساعدات التركية quot;مرمرةquot;.

محاولات غير رسمية

إلى ذلك كشفت دوائر سياسية في ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلي أن حكومة نتانياهو تجري مباحثات خلال فترة ليست بالقصيرة في محاولة لتهدئة أجواء العلاقات مع تركيا، غير أن الدوائر ذاتها رفضت الإدلاء بتفاصيل أوفى حول تلك المساعي. في وقت قالت فيه مصادر سياسية في تل ابيب، إن عدداً من العناصر الدبلوماسية في تركيا وإسرائيل، أجروا لقاءات عديدة فيما بينهم بعيداً عن لقاء جنيف الذي أعلن عنه الأحد، في محاولة لتخفيف حدة التوتر بين البلدين، إلا أن هذه المحاولات غير الرسمية باءت جميعها بالفشل.

على صعيد ذي صلة يرى الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة في حديث خاص لـ quot;إيلافquot; أن دوائر صنع القرار في الدولة العبرية لا ترغب في توتر العلاقات السياسية والدبلوماسية فضلا عن العسكرية مع حكومة أنقرة، وتعتبر تل أبيب أن المسؤول الأول عن تلك التوترات هو وزير الخارجية افيجدور ليبرمان، لذلك قرر نتانياهو وكوادر مطبخه السياسي استبعاد ليبرمان من التعاملات الدبلوماسية ذات الصلة بدول الجوار الإسرائيلي، ورغم أن هذا القرار لا يتجاوز المرحلة الضمنية، نظراً لحسابات ائتلافية يحرص عليها نتانياهو، إلا أنه بات قراراً ساري المفعول.

وأضاف الدكتور فهمي مدير شعبة الدراسات الاسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، أن حرص تل أبيب على إعادة علاقتها بتركيا إلى سابق عهدها، ينبع من محاولة إسرائيلية لتحييد القوة الإقليمية التركية بعيداً عن إيران وسوريا،لا سيما أن نهاية شهر العسل بين تل أبيب وأنقرة كانت دافعاً رئيساً لتقارب أكثر بين الأخيرة وحكومتي دمشق وطهران، ولعل ذلك المشهد كان مغايراً تماماً عند مطالعة التعاون بين تركيا واسرائيل، خلال إجراء المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين، ودخول اليونان على الخط فيها مع إسرائيل، فضلاً عن التبادل التجاري الذي انتعش إلى أقصى مدى قبيل بدء العملية العسكرية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، وهى العملية المعروفة باسم quot;الرصاص المصبوبquot;.