قامت إيلاف برحلة في quot;أرض الألغامquot; في سيناء التي تأن من بقايا المخلفات الإسرائليَّة ومن زرع الألغام القاتلة، التي تسبب لسكانها العديد من المصائب والويلات، حيث يتم العثور على اللغم إثر إنفجاره بأحد الأشخاص أو السيَّارات.

القاهرة: لازالت سيناء تلك البقعة الساحرة من أرض مصر تأن من بقايا الاحتلال الاسرائيلي الذي زرع فيها الألغام القاتلة التي لا تزال تهدد أبناءها إلى اليوم ما جعلهم يستنجدون بكل قريب وبعيد ليعملوا على محو آلامها وتلوينها بصبغة الأمن والإعمار .

quot;سعيد أعتيق حسانquot; شاب من أبناء عائلة quot;السواركةquot; اكبر القبائل التي تسكن سيناء كان دليل إيلاف في رحلة quot;أرض الألغامquot; التي مازالت تنتزع أرواح أبناء سيناء الذين قرروا مواجهتها في إصرار شديد من خلال إعمارها.

في الليلة التي سبقت مغامرتنا حدثنا سعيد عن المصائب والويلات التي يعانيها سكان سيناء جراء الألغام، وقال quot;كثيراً ما نعثر على الالغام في مناطق شتى، و نقوم بإبلاغ الجهات المعنية التي تمتلك الخبرة في التعامل مع الالغام. ولكن العثور على اللغم كثيرا ما يكون نتيجة إنفجاره بأحد الاشخاص أو السيارات، وبالتالي يُخلف وراءه ضحايا أو مصابين، في أحسن الاحوال تكون الاصابة هي العجز بنسبة 50%quot;.

وأوضح سعيد أن الألغام موجودة بشكل عشوائي و لا توجد لافتات تحذيرية توضح أماكن تواجدها و لكن أبناء البادية بحكم خبرتهم بأرضهم، إستطاعوا أن يحددوا أغلب الامكان التي تتواجد بها الالغام، و إن كانت الظواهر الطبيعية تغير موقعها مثل حركة الكثبان الرملية التي تحركها أفقياً فتجد هنا كومة من الرمال على شكل قبة تعلو اللغم بأرتفاع يصل إلى نصف المتر فيصبح اللغم غير فعال و بعد وقت تتحول إلى منخفض وهنا يصبح اللغم فعال بمجرد العبور عليه والسيول تقوم بتحريكها رأسياً مما يسبب مفاجآت غير سارة.

ويستكمل سعيد: quot;أقرب هذه المفاجآت كان قبل السيول التي غمرت العريش، و كانت الضحية quot; فاطمةquot; 5 سنوات عندما أنفجر فيها لغم وهي عائدة من حضانتها التي تبعد عن المنزل مسافة حوالى 500 متر، على الرغم من أن مكان الحادث يعتبر طريق عام يعبر منه العشرات يومياً وكانت النتيجة بتر في الساق واليد اليسرى، وهذا ما ينتج عن الحركة الافقية لللغم، و الحادث الثاني كان اثناء السيول التي جرفت سيارة تويوتا في منطقة quot;وادي الحفنquot; بوسط سيناء ونتج عنها بتر في الساق اليمنى لأحدهم و يدعى quot;سالمquot; و تشويه وجه أخر يدعى quot;عيدquot; و هذا ما ينتج عن الحركة الرأسية لللّغم.

وهناك نوعان من الالغام quot; بشري ومعدات quot; البشري يعمل بمجرد الضغط على إبرة التفجير بالقدم ورفعها وإبرة التفجير لا تعمل على الاوزان الخفيفة كوزن الارانب البرية و الزواحف، أي من الممكن القول أن اللغم ينفجر على وزن يزيد عن 20كلغ، أما لغم المعدات فخاص بالمركبات ولا يُحدث إنفجار بمرور بشر عليه لان أبرة التفجير تعمل على وزن 150كلغ كحد أدنى.

رحلة في أرض الألغام
في صباح اليوم التالي عندما أشارت عقارب الساعة إلى السابعة صباحا جاء أحد المتطوعين ويدعىquot;سعدquot; من سكان الشيخ زويد، وآخر يدعى quot;سليمانquot; سائق سيارة نصف نقل، ليصطحبوا إيلاف في رحلتها إلى أرض الألغام، وهي مناطق معلومة نتيجة حوادث تفجيرات سابقة والسيول التي جرفت كمية كبيرة من الرمال وكذلك جرفت طرق بأكملها وفيها الألغام حتى أصبحت ظاهرة للعيان.

بدأت رحلتنا من الشيخ زويد إلى قرية الجورة التي تسكنها قبيلة quot;السواركةquot; وفي حوالى العاشرة وصلنا إلى محطتنا الأولى quot;وادي الازارقquot; الذي يبدأ منه السيل قادماً من الاراضيالاسرائيلية حيث تتمع تربة الوادي بخصوبة عالية وتنبت سنابل الشعير والقمح على جانبي مجرى السيل.

إلا أن الألغام تقف حائلاً دون استغلالها زراعياً وهنا ظهر quot;جسم لغم تالفquot; ملقى على جانب السيل يبعد حوالى المترين عن المجرى، كان جسم اللغم قديم يأكله الصدأ من جراء تواجده في مياه السيل وتعرضه للشمس، وبعد إلتقاط الصور التوثيقية لمغامرتنا عدنا إلى السيارة حوالى الساعة الحادية عشر صباحاً لإكمال ما بدأناه من رحلة الرعب.

مررنا خلال طريق quot;المنبطحquot; وصولاً إلى قرية quot;أبوعجيلةquot; ومنها إلى محطتنا الثانية وهي قرية quot;اولاد عليquot; التي وصلنا اليها حوالى الساعة الواحدة ظهراً لكي نتزود بالطعام والماء، وكان الطقس يحمل المتناقضات فدرجة الحرارة عالية تقارب 40 درجة والمطر بدأ في الهطول بقوة، ثم تحركنا بعد مُضي نصف ساعة إلى طريق quot;القريعيquot; حتى وصلنا إلى غايتنا المنشودة وهي quot;وادي الحفنquot; حوالي الساعة الثانية والنصف، حيث أنفجرت السيارة السابق ذكرها وحيث تجمع عدد من الالغام جراء جرف السيل لها.

ووجدنا أحد رعاة الأغنام من رجال البدو على مقربة من الطريق العامالإسفلتي، فسألناه عن مكان إنفجار السيارة، و بمجرد علمه أننا في مهمة صحفية و ننوي الدخول إلى عمق الوادي لتصوير مكان الإنفجار ومعاينة بعض أجسام الألغام، كانت أجابته كالصاعقة: quot;أنتم مجانين تبغوا تموتوا و الله ما تدخلوا حتى لو دفعوا لكم مليون جنيهquot;.

المغامرة غير محسوبة بالمرة، و نحتاج التوغل في الوادي مسافة كيلومتر تقريبا لنصل إلى مكان إنفجار لغم المعدات في السيارة، ولكننا قطعنا مئات الكيلومترات من القاهرة لسيناء لهذه الغاية ولا مجال للتراجع على الرغم من أن العواقب قد تكون وخيمة.

وهنا بدأ رفقاؤنا من البدو في إعطاءنا تعليمات الأمن و السلامة. quot;أمشٍ على أثر خطواتنا بالضبط وتأخر عنا مسافة لا تقل عن 20 متراً حتى إذا إنفجر لغم لا تصاب ولو حدث مكروه لنا إرجع على نفس الأثر بهدوء وأطلب الإسعافquot;.

وبعد دخولنا مسافة 100 متر ظهرت أجسام الآلغام متناثرة. نحن حقا وسط حقل ألغام، ولكنه بدون لافتات تحذيرية، وعندما وصلنا إلى مكان إنفجار السيارة كان أثار الحطام موجود: بقايا حديدية وبلاستيكية متناثرة، وفي القرب منها جسم لغم لم ينفجر بعد، وبعد التقاط مجموعة من الصور عدنا مرة أخرى إلى السيارة بعد مغامرة في quot;وادي الحفنquot; إستمرت حتى الساعة الرابعة عصراً.

وفي رحلة العودة قمنا بزيارة أحد ضحايا الالغام القدامى بقرية quot;الجورةquot; ويدعى quot;مهديquot; يعمل إداري في مدرسة الجورة الثانوية الصناعية، والذي قدرت إصابته بعجز70%.

مهدي أحلامه بسيطة مثل ملامحه البدوية يتمنى أن يحفر بئر مياه يستصلح منه الأرض المحيطة بمنزله و يقوم بزراعتها ولكنه يخشى أن يلقى أحد أبناءه البالغ عددهم ستة نفس مصيره، طلب منا توصيل صورته وصوته للعالم ليعلموا مأساة المصابين من الألغام، لعل أحد يهتم و يسعى لمحو أثار المأساة.

وعدنا إلى حيث لاخوف وتركنا خلفنا أناس استطاعوا أن يتعايشوا معه على الرغم من قسوته، تعودوا عليه كجزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية ولكنهم مستعدون له بإيمان منقطع النظير، فهو في نظرهم بقايا وجود عانوا منه وصمدوا أمامه حتى أنتصروا عليه، و مازالوا صامدين على الرغم من مرور عشرات السنين على جلاءه من أرضهم، صامدين أمام بقاياه التي مازالت تقتل أبناءه وينادون كل يوم وليلة.. فهل من مجيب؟