أطفال سوريون نازحون في شمال لبنان

نزح الكثير من السوريين إلى القرى اللبنانية بسبب استمرار النظام في سياسته القمعية ومداهمة القوى الأمنية والعسكرية للمدن التي تشهد احتجاجات ضد نظام الأسد. ويتناول النازحون المضايقات التي تعرّضوا لها ويتحدثون عن لجوء النظام إلى زرع بذور الفتنة الطائفية في محاولة منه للحفاظ على بقائه.


عكار: يدفع تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا، بسبب إستمرارالانتفاضة الشعبية فيها، ولجوء النظام إلى سياسة القمع والاعتقال ومداهمة القوى الأمنية والعسكرية للمدن والبلدات التي تشهد الاحتجاجات والتظاهرات اليومية، بأعداد كبيرة من المواطنين السورين للنزوح إلى لبنان، وخصوصًا المناطق القريبة من الحدود بين البلدين في منطقة وادي خالد وبلدات مشتى حسن ومشتى حمود وشدرا في محافظة عكار، عند الحدود اللبنانية الشمالية، حيث يتم وضعهم في أربعة مراكز وهي (الهيشة، والعماير، والراما) في وادي خالد و(العبرة) في بلدة مشتى حمود، ويضم كل منها ما يتراوح بين 150 و200 نازح.

إضافة إلى ذلك، قدّم أبناء المنطقة السكن للكثير من العائلات اللاجئة، وذلك في القرى والبلدات اللبنانية القريبة من الحدود، بدءًا من بلدات عرسال والقاع والقصر في منطقة البقاع الشمالي، وصولاً إلى منطقة وادي خالد وبلدات محافظة عكار، التي أصبح من المعتاد مشاهدتهم في محالهم التجارية وشوارعها، للتجول وتأمين حاجياتهم الحياتية الضرورية.

الترهيب والإعتقال

يروي المواطن السوري ماهر إبراهيم من بلدة (تلكلخ) تجربته في الاعتقال، ضمن مجموعة ضمّت 450 شخصًا، كانوا يتعرّضون للتعذيب، بعدما تم تلفيق التهم بحقهم، حيث خرج برفقة 7 من المعتقلين، بموجب العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد، والذي اعتبره إبراهيم للدعاية الإعلامية فقط.

ويقول إبراهيم لـ quot;إيلافquot; إنه غادر البلدة بسبب القصف واقتحام المنازل من قبل القوى الأمنية والعسكرية السورية، وبعدما علم أنه مطلوب مرة أخرى، بسببب مشاركته في التظاهرات ضد النظام، وقام على أثرها بإرسال زوجته وأولاده إلى لبنان، وتبعهم بعد يومين.

ويشير إلى أن من بقي في البلدة لا يستطيع الخروج من منزله. ويتناول إبراهيمالمضايقات التي يتعرّض لها النازحون، وعلى رأسها منعهم من البحث عن عمل لتأمين حاجياتهم الضرورية.

ويقول إنه اعتقل من قبل أحد الحواجز اللبنانية، عندما أراد الذهاب إلى مدينة طرابلس، وجرى تهديده خلال الاعتقال بتسليمه للأجهزة الأمنية السورية، ويقول إن مجموعة موالية للنظام في سوريا، قامت باستدراج اثنين من النازحين وتسليمهم للمخبرات السورية،حيث تبين لاحقًا أنه تم اعتقالهم في الفرع (42) التابع للمخابرات في دمشق. ويرفض إبراهيم العودة إلى سوريا إلا بعد سقوط النظام، متمنيًا على الحكومة اللبنانية عدم الوقوف إلى جانب النظام في سوريا، لأنه quot;زائل، وشعبها باقquot; حسب تعبيره.

صعوبات في تأمين الحاجيات اليومية

نازحون سوريون في لبنان يتحلقون حول سيارة تحمل إليهم بعض الطعامrlm;

من جانبه، يقول حسين العودات من حي القصور في بلدة حمص إنه غادر المدينة برفقة زوجته وأطفاله، لأنه لم يعد لديهم أي قدرة على الحركة، وبعدما تم اعتقال حوالى 15 فردًا من عائلتهم، وبدء تطور الأوضاع الأمنية في المدينة من سيء إلى أسوأ.

ولفت إلى أنه كان قد أنهى عمله في السعودية قبل ثلاثة أشهر من إندلاع الانتفاضة، وعاد إلى سوريا، بهدف العيش إلى جانب عائلته، ووجد نفسه بعد حوالى الشهر من بدء الأحداث، مجبرًا على مغادرة منزله، واستئجار منزل في بلدة مشتى حمود اللبنانية.

يؤكد العودات أنه سجل ابنته في إحدى المدارس الرسمية في المنطقة، ولكنه يواجه صعوبات كبيرة من أجل تأمين حاجياته اليومية، ويجزم بأن quot;الأحداث في سوريا لن تنتهي إلا بإسقاط النظام، الذي بات مصيره في يد الأميركي والإسرائيلي، لأنه الحامي لحدود الدولة العبريةquot;.

الفتنة الطائفية... الورقة الأخيرة في يد النظام

ويروي مواطن سوري آخر، وهو مصطفى حلوم (محام) من بلدة (تلكلخ) أيضًا، قصة مغادرته البلدة بعد مقتل أحد أقاربه، جراء قصف الدبابات أحياء البلدة، باستثناء الحي العلوي فيها، ويوضح أن quot;الكثير من أبناء الطائفة العلوية، قد وقعوا في فخ النظام، الذي يسعى إلى إحداث الفتنة بين الطوائفquot;.

يلفت إلى أن بلدة (تلكلخ) أصبحت أشبه بمدينة أشباح، حيث لا يوجد فيها سوى 5 محال تجارية مفتوحة، ولا تزال محاصرة من الجهات كافة. يسخر حلوم من المظاهرات التي ينفذها النظام، سائلاً quot;إذا كان لديه كل هذه الجماهير، فلماذا لا ينظم انتخابات حرة، ويسمح بدخول الإعلام لتصوير ما يحدث، ونشر الصور في مختلف القنوات الفضائية؟quot;.

يستعرض بعض الأحداث التي حصلت، ومنها مقتل أحد أصدقائه من دون أن يخرج في مظاهرة واحدة، بعدما اعتقل على أحد الحواجز، التي كان يتجمع عندها عناصر من quot;شبيحةquot; النظام، وتم سحق رأسه. ويؤكد وجود مخطط لدى النظام، من أجل إثارة الفتنة بين الطائفتين السنية والعلوية كورقة أخيرة يلعبها للحفاظ على بقائه، ويتمنى على العلويين العودة إلى عقولهم وثقافتهم، وعدم الوقوع في فخ ما يجرّهم إليه رموز النظام.

ويؤكد أن بعض المجموعات الموالية للنظام في سوريا قد حضرت إلى المركز، ورشقتهم بالحجارة، وطلبوا على أثرها الحماية من الجيش اللبناني، ويسأل هل يقبل أي إنسان في العالم أن يتم قتل طفل في سوريا، يحاول إنقاذ صديق له أصيب برصاص العناصر العسكرية والأمنية الموالية للنظام، ورفس رجل كبير في السن، لأنه طالب بالحرية. ويعبّر حلوم عن حزنه الشديد لعدم تمكن الأطفال في مركزهم من الذهاب إلى المدرسة، بسبب عدم وجود وسيلة للنقل وافتقاد الكتب والقرطاسية اللازمة.

لاجئون...

ويوضح منسق لجنة المتابعة للنازحين السورين في منطقة شمال لبنان عبد الرحمن العكاري، أن الغالبية الساحقة من النازحين إلى منطقة وادي خالد وبلدات قضاء عكار، هم من أبناء بلدة (تلكلخ) التي يبلغ عدد سكانها حوالى 30 الف نسمة، غادر معظمهم بسسب إطلاق النار وحملة الاعتقالات العشوائية التي شهدتها البلدة حسب الهوية، وبهدف وحيد هو إذكاء نار الفتنة، بعد سقوطكل الأوراق الأخرى من يد النظام.

ولا يستبعد عكاري احتمال حصول حرب أهلية في سوريا، بعد نجاح النظام إلى حد ما بزرع بذورالفتنة الطائفية بين أهل البلاد أنفسهم، وينتقد الجامعة العربية، التي تحولت برأيه إلى quot;جامعة صماء لا تسمع ولا ترى، رغم كل المهل التي أعطتها للنظام، كي يوقف القتل والإعتقالات من دون جدوىquot;. ويتحدى عكاري النظام في إعادة الجيش إلى الثكنات، وترك الناس يتظاهرون بحرية.

ويقول منسق لجنة المتابعة للنازحين السورين إن نهاية القذافي خير دليل على ما يمكن أن يحصل، عندما كان يجمع أعوانه وبعض الموظفين للهتاف له في الساحة الخضراء في العاصمة الليبية طرابلس.

كما يلفت عكاري إلى أن الدولة اللبنانية لم تتعامل بأي سلبية أو إيجابية حيال قضيتهم، ويشدد على ضرورة إعطاء النازحين صفة اللاجئين، مما يكسبهم بعض الرعاية من قبل هيئات الأمم المتحدة المعنية بشؤون اللاجئين، ويطالب بإعطاء النازحين أي مستند يسمح لهم بالتجول داخل الأراضي اللبنانية، مما يساعدهم في البحث عن عمل.