مركز حدود quot;زوج بغالquot;

تثير تسمية المنطقة الحدودية بين المغرب والجزائر (زوج بغال) استياء المواطنين الذين يأملون بتغييرها وفتح الحدود بين البلدين. وتطمح شعوب المنطقة المغاربية إلى وحدة حقيقية لمنطقتهم، ويعتبر البعض إغلاق الحدود تجليًا من تجليات استبداد من يرفضون التغيير الديمقراطي ويصرّون على حماية الفساد.


الرباط: ليس ثمة ما يثير الضحك، رغم ما قد يثيره الاسم من إيحاء... quot;زوج بغالquot; (أي بغلان اثنان)، هو الاسم، الذي صمد في وجه الزمن لتسمية النقطة الحدودية المغربية الجزائرية.

للاسم حكاية قديمة، مثل أي اسم أو لقب، اكتسب بالضرورة قصة وجوده. وتقول الحكاية إن رجلين امتطى كل منهما بغلاً، أحدهماآت من الشرق، وآخر آت من الغرب، تعوّدا على الالتقاء في هذه النقطة، ليتبادلا الطرود ورسائل التجار والأهل والعشاق وبرقيات الساسة والسفراء بين شرق العالم العربي القديم وغربه، فكانا ساعيا بريد. ولأن للقدر سخريته، لم يحفظ التاريخ للساعيين إنسانيتهما وعناءهما، وكأنه يلحّ على الاكتفاء بتذكر البغلين.

حدود مغلقة كأنها باتت قاعدة
لم يخف أحد أبناء المنطقة الحدودية المغربية الجزائرية في مدينة وجدة في شرق المغرب، التي لا تبعد عن الحدود 12 كلم، استياءه من هذه التسمية.

وقال عبد القادر كترة لـquot;إيلافquot;: quot;هذا مسيء ومهين لأبناء المنطقة وللمغاربة، وفي الوقت الذي غيّرت فيه الجزائر الشقيقة اسم النقطة الحدودية، ومنحتها اسم المقاوم الجزائري العقيد لطفي،لا يزال أبناء الجهة الشرقية من المغرب ينتظرون المبادرة نفسها من أجل تغيير هذا الاسمquot;.

ويواصل كترة، الذي كان يتحدث إلى quot;إيلافquot;: quot;يحكي أبناء المنطقة أن التسمية تعود ربما إلى أن النقطة الحدودية كانت في عهد الاستعمار بوابة ومكان تبادل البريد بوساطة الرسل، الذين كانوا يتنقلون عبر البغال، إذ كان ذلك مكان الاستراحة وتغيير البغل المتعب ببغل ثان، استفاد من استراحة، وعليه يجب تغيير هذا الاسم، الذي يرتبط بالاستعمار باسم لمقاوم من أبناء منطقة شهداء 16 آب والاستقلالquot;.

قد تعود العلاقات المتوترة باستمرار بين الأشقاء الأعداء المغرب والجزائر إلى عدم الاكتراث بهذه النقطة الحدودية المعطلة، وعدم التفكير في مراجعة الاسم، الذي يشمئز له الكثير من المواطنين المغربيين في المناطق الحدودية، بفعل تعنّت السياسيين، التي لم تفتح طوال خمسين سنة من استقلال البلدين إلا 12 عشرة سنة، ما اعتقد معه البعض أن واقع الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر بات وكأنه هو القاعدةquot;.

وأضاف كترة لـquot;إيلافquot;: quot;هذا رغم أن العديدمن مواطني الجهة الشرقية يرون أنه من الأفضل إبقاء الحدود مغلقة، والاعتماد على المؤهلات المحلية، وهو ما تم بالفعل خلال السنوات الماضية، بعد إغلاق الحدود، حيث عرفت المنطقة الشرقية للمغرب إقامة مشاريع تنموية غير مسبوقة، وتغيرت ملامح مدنها وبلداتها، وتم إنشاء أسواق وفضاءات تجارية كبرى، ولم يعد للعديد من السلع المهربة مكان في الجهة الشرقية عدا البنزين، بل أصبح بعض الأسواق الجزائرية يتغذى من المواد المغربية، خاصة منها الخضر والفواكه الموسميةquot;.

لكنه يدرك جيدًا أن quot;إغلاق الحدود وضع غير طبيعي بين شعبين شقيقين، كانا شعبًا واحدًا، تجمعهماكل العلاقات التاريخية والامتدادات الجغرافية والوحدة اللغوية والمرجعية الدينية وأواصر الدم والأخوة والقرابة والمصاهرة، بل لم يكن هناك معنى للحدود الجغرافية إلا مع مجيء الاحتلال الفرنسي، الذي نهج سياسة التفرقة وزرع العداء والأحقاد...quot;.

تجدر الإشارة إلى أن القبائل المغربية كانت تستوطن مناطق الشريط الحدودي المغربي الجزائري، وما زالت تحتفظ بأواصر العمومة بينها، رغم واقع المرير للحدود المغلقة، وبعد احتلال فرنسا للجزائر، ظهرت مشكلة الحدود بين القبائل المغربية وفرنسا، بعدما حاولت الحدّ من هيمنتها على الأسواق الحدودية، والتي كانت تمتد حتى مدينة وهران في الغرب الجزائري، وهي المشكلة التي لاتزال قائمة حتى الآن ضمن سلسلة quot;المشاكل العالقةquot; بين البلدين.

أزمة مفتعلة ضمن أجندة لأعداء الديمقراطية
قال الشاعر الجزائري سعيد هادف، الذي اختار العيش في مدينة وجدة الحدودية، قبل أكثر من عقد إن: quot;فتح الحدود بين المغرب والجزائر مطلب شعبي، وهو حتمية وجودية بين القطرينquot;.

وأضاف هادف، الذي تحدث إلى quot;إيلافquot; بكثير من الإصرار: quot;ستفتح الحدود على مصراعيها، رغماً عن السياسات المعادية للشعب المغاربي. هناك حراك يزداد اتساعًا ووعيًا، والشباب المغربي والجزائري يطرح قضاياه، ويناقشها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وهو نقاش ينمّ عن وعي بالمصير المشترك، وضرورة التعاون بين القطرين، في إطار دولة الحق والقانونquot;.

واستحضر الشاعر الجزائري الذاكرة الشعبية الجزائرية المغربية، التي quot;تفرض نفسهاquot;، كما قال لـquot;إيلافquot; على اعتبار أن الغرب الجزائري شكل عبر التاريخ امتدادًا جيو-ثقافيًا لشرق المغرب.

وقال هادف: quot;القرارات التي كانت وراء إغلاق الحدود الجزائرية المغربية، ليست معزولة عن الصراع الذي يعيشه العالم، على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية، بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأعني بذلك الأنشطة المكثفة المعادية للإنسانية وللشعوب إزاء المد الديمقراطي والحقوقيquot;.

لم يخف هادف لـquot;إيلافquot; اعتقاده: quot;ما نعانيه من الأزمة المفتعلة بين المغرب والجزائر ليس سوى جزءاً من الأجندة، التي يسهر على تنفيذها أعداء الديمقراطيةquot;.

وكانت الحدود المغربية الجزائرية قد أغلقت عام 1994 بعد الحادث الإرهابي، الذي تعرّض له فندق أطلس آسني في مدينة مراكش، والذي أودى بحياة سيّاح أجانب، فيما كانت التحقيقات، التي أجريت من قبل المصالح الأمنية المغربية، أفادت بتورّط جزائريين في الحادث.

واعتبر هادف أن إغلاق الحدود quot;تجلٍّ من تجليات الاستبدادquot; كما قال، وأن من يقفون وراء هذه القرارات quot;هم أنفسهم من يرفضون التغيير الديمقراطي السلمي، ويصرّون على حماية الفساد السياسي والماليquot;.

وتابع هادف: quot;الفصل بين ما يحدث بين البلدين وما يحدث في البلد الواحد، العلاقة جدلية والديمقراطية كل لا يتجزأ. بل المسألة بالنسبة إليّ أكثر من ذلك، واعتبر مثل هذه القرارات المعادية لحقوق الأفراد والشعوب، هي من صميم النسق الصهيوني، وعليه فإن أي نظام عربي لا يفكر بشكل جدي في بناء دولة تحترم الحقوق والحريات ليس من حقه أن يقدم نفسه مناهضًا للصهيونية ومناصرًا لفلسطين، وقد آن أن تنتهي المزايدات والشعارات الجوفاءquot;.

ويبقى تمني كل جزائري و مغربي من سكّان الحدود على الخصوص، ومن الشعبين عمومًا أن تفتح الحدود أمام حرية تنقلاتهم لزيارة ذويهم. ويتساءل هادف بكثير من الألم: quot;لماذا لا أنتقل إلى هناك؟ أي جريمة اقترفت حتى لا أزور أحد أصدقائي أو أهلي؟ ومن يعاقبني ولماذا؟ لماذا الجو مفتوح والبر مغلق؟quot;، قبل أن يصطدم أمام عدم وجود quot;جواب منطقي عن هذه الأسئلة لدى النظام الجزائري على الأقل، مهما كانت المبررات، وهي مجرد ذرائع. الربيع العربي أسقط ما تبقى من الأقنعة، وفضح نوايا المستبدين، وقد آن الأوان أن نحترم في الإنسان عقله، وأن نضع حدًا لمن يستغفلون الشعوب بالحديث عن قضايا وهمية، وعلى الكل أن يخضع إلى الحوار بدلاً منالعناد والغطرسةquot;.

إشارات قوية إلى قرب إعادة فتح الحدود البرية

من جهة أخرى، قال تاج الدين الحسيني المتخصص في العلاقات الدولية لـquot;إيلافquot; إن العلاقات المغربية الجزائرية quot;محكوم عليها بأن تسير نحو اتجاه التطبيعquot;.

وأكد الحسيني: quot;أن مدار التاريخ يفرض الرجوع إلى الصواب من التمادي في الخطأquot;.

وتكاد الأزمة تلازم العلاقات المغربية الجزائرية منذ البدايات الأولى لاستقلال البلدين، وبشكل واضح منذ إغلاق الحدود عام 1994.

وأضاف المتخصص في العلاقات الدولية خلال حديثه مع quot;إيلافquot;: quot;هناك أشياء عدةتفرض هذا الرجوع إلى الصواب، وأخص بالذكر تداعيات الربيع العربي في المنطقة المغاربية، فبعد انهيار النظام البوليسي في تونس، وكذلك النظام الفوضوي أو ما يسمّى بالفوضى المهيكلة في ليبيا، ودخول البلاد في مرحلة الديمقراطية، أعطي للتعايش داخل المغرب العربي نوع من الطعم الجديد، وهو طعم يتميز بتمكن المواطنين من إمكانية المشاركة في اتخاذ القرارquot;.

وتطمح شعوب المنطقة المغاربية إلى وحدة حقيقية لمنطقتهم، تمكنهم من التنقل بكل حرية بين أقطارها، وكان المؤتمر المنعقد في مدينة طنجة سنة 1958، الذي جمع قيادات التحرر الوطني في المنطقة، ومن بينها جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي كانت لا تزال تناضل آنذاك من أجل استقلال الجزائر، قد دعا إلى تحقيق الوحدة المغاربية، عن طريق تحقيق الاتحاد الفيدرالي.

ومن هنا كان قد ابتدأ الحلم باتحاد مغاربي ظل عنيدًا وصعب المنال أمام إرادات سياسية متشنجة، خصوصًا بين ما يعتبره المراقبون أكبر دولتين في المنطقة على المستوى الوزن السياسي وكذا الديمغرافي، وهي حسابات لها أهميتها في التموقعات الجيوستراتيجية للبلدان.

وقال الحسيني: quot;الآن، بالنسبة للمغرب والجزائر، عندما نلاحظ قوتهما في المنطقة، فالمغرب والجزائر في اعتقادي يشبهان كلا من فرنسا وألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي، كانا هما أساس انطلاق الاتحاد الاوروبي من منظمة متواضعة للفحم والفولاذ إلى السوق المشتركة إلى الاتحاد الأوروبي.quot;

وأوضح أن المغرب والجزائر محكوم عليهما بأن يمارسا التطبيع، وأن يتعاونا بينهما من أجل تمكين المغرب العربي من الظهور من جديد كقوة إقليمية، وأن أول نقطة في هذا المسار هي فتح الحدود المغلقة، كما قلت منذ سنة 1994، والشروع في تأسيس بنيات المغرب العربي المجمدة، وإعطائها نوعًا من الروح لتمكنها من الوجود على قيد الحياة.

خلال الأشهر القليلة الماضية، ظهرت، بكيفية جد متواضعة وخجولة، بعض بوادر انفراج سياسي بين المغرب والجزائر، وإن اقتصرت فقط على زيارات متبادلة بين وزاء الطاقة والزراعة، وإقامة بعض المعارض المشتركة، وتبادل المهنيين في بعض المؤتمرات المهنية إلخ.

وكان التصريح الأخير لوزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي قبل أن تتلوها الزيارة الرسمية لأمير قطر للمغرب. كل تلك المعطيات بدت للملاحظين والمتتبعين، على الخصوص، للعلاقات المغربية الجزائرية إشارات قوية تفيد بقرب إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين.

وقال الحسيني لـquot;إيلافquot; حول الدور القطري في تلطيف أجواء العلاقات المغربية الجزائرية: quot;عوّدتنا قطر في علاقاتها العربية العربية أن تلعب دورًا أساسيًا في الوساطات لتسوية النزاعات الثنائية، نجحت في ذلك غير ما مرة، وكانت لها محاولات سابقة بخصوص قضية الصحراء لم تمن بالنجاح، لكن المناخ العام يسير في هذا الاتجاهquot;.

إضافة إلى مشاكل ترسيم الحدود، التي لاتزال قائمة بين البلدين، تبقى قضية الصحراء الغربية من quot;المشاكل العالقةquot;، التي ساهمت بشكل كبير في تعطيل الوحدة المغاربية.

وأكد الحسيني: quot;أن العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر ينبغي أن تبنى على التعاون، وهذا أمر أساسي، وعلى إعادة بناء المغرب العربي، على أساس أن يكون منظمة اندماجية، مع استبعاد النزاعات الثنائية الخاصة مثلاً بقضية الصحراء وغيرها، واعتبار أن الأمم المتحدة هي المعنية بتلك النزاعاتquot;.

وفيما يظل الترقب هاجس كل مواطن مغربي وجزائري من مواطني مناطق الحدود المغربية الجزائرية خصوصًا، بدا أمل إعادة فتح الحدود يتفتح، فالزمن تغير، وباتت إرادة الشعوب تتعزز يومًا بعد آخر باليقين، في كل يوم انتصار، تحت أجواء ربيع عربي يمكن من الحلم أكثر، وإن غابت إرادة السياسيين في الانفتاح، فإن ثمة إرادة أخرى أكثر قوة وأكبر حلمًا، لم يبق من الزمن أكثر، وفي الغد القريب ستفتح الحدود أمام شعبين شقيقين، يتقاسما كل الدم والتاريخ وكل الود.