اليونان صارت أمة بلا وجه مضيء

تجلّت في اليونان مظاهر غير مألوفة بسبب الضائقة المالية. فقد بلغ عدد المشردين أرقاما قياسية وتفشى تعاطي المخدرات والجريمة. وأفرز هذا المناخ ظاهرة الانتحار بشكل غير مسبوق نقلت البلاد من كونها صاحبة المعدل الأدنى للانتحار في أوروبا قبل الأزمة إلى الأعلى الآن.


لندن:أصبحت اليونان للمرة الأولى صاحبة أعلى عدد من حالات الانتحار في سائر أنحاء القارة الأوروبية، نتيجة للضائقة المالية الطاحنة التي يعاني منها أهل البلاد.

وتظهر إحصاءات وزارة الصحة اليونانية أن النفق الاقتصادي المظلم الذي دخلت فيه البلاد وإجراءات التقشف الصارمة التي أعقبت ذلك أدت جميعا الى زيادة مخيفة في عدد الذين يجدون في الانتحار مهربا أبديا من سوء الحال. وتقول الإحصاءات إن هذه الزيادة بلغت 40 في المائة في الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى مايو/ ايار من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وكانت اليونان - قبل أن تبدأ الضائقة المالية في إحكام قبضتها على الأعناق قبل ثلاث سنوات - صاحبة المعدل الأدنى في أوروبا. فقد كان معدل الانتحار لا يزيد عن 2.8 في المائة وسط كل 100 ألف شخص. لكن هذه النسبة قاربت الضعف الآن فصارت الأعلى وسط دول القارة كافة.

ويقول الخبراء إن هذه الحقيقة تصبح ذا بعد درامي خاص بالنظر الى أن اليونانيين شعب laquo;متدينraquo; وأن الكنيسة الأرثوذكسة التي يتبعونها تصل الى حد حرمان المنتحر من مراسم الدفن الدينية التقليدية. ويضيفون إن هذا يعني أن اليأس بلغ بالعديد من اليونانيين مرحلة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

ونقلت صحيفة laquo;غارديانraquo; البريطانية عن الطبيبة النفسية ايليني بيكاري قولها: laquo;الضغوط التي يتعرض لها اليونانيون هائلة، وتتعلق بعدد من العوامل من بينها الديون المتراكمة يوما بعد آخر والإفلاس والعطالة أو الخوف الدائم من فقدان العمل في أي لحظةraquo;. وتدير بيكاري مكتبا متخصصا في تلقي الشكاوى النفسية من الجمهور في مؤسسة خيرية شبه حكومية تسمى laquo;كليماكاraquo;.

ويذكر أن هذا المكتب يتيح للجمهور خطوطا هاتفية ساخنة على مدار ساعات اليوم لتقديم المشورة لأولئك الذين يعانون مختلف أنواع المشاكل. وكان يتلقى نحو 10 مكالمات كل 24 ساعة قبل تبلور الأزمة، لكن العدد ارتفع الآن الى أكثر من 100. وتقول بيكاري إن زبائنها يقعون رئيسيا في الفئة العمرية 30 إلى 50 عاما وسط الرجال، و40 - 45 وسط النساء. لكنها تقول إن اولئك الذين يُخشى لجوؤهم للانتحار رجال يعانون في الغالب الكرامة الجريحة والفخار المفقود بسبب تبدل أحوالهم المعيشية من الحسن الى السيئ الى الأسوأ في السنوات الأخيرة.

وتتضح مظاهر الفقر في بلوغ نسبة العاطلين عن العمل الى معدل 18 في المائة (42 في المائة منه بين سني 25 و40). وهذه النسبة ليست الأولى غير المسبوقة في البلاد. فقد عانى الناس تجارب أخرى غير معتادة، مثل شبه انعدام التمويل الحكومي للخدمات العامة واختفاء دعم السلع.

وأضف الى هذا إفرازات مؤلمة مثل وجود أكثر من 20 ألف مشرد في قلب أثينا وحده، وارتفاع تعاطي المخدرات بسرعة جنونية وسط فئات من الناس ما كانت تفكّر فيها في الظروف الطبيعية، ووصول معدلات الجريمة الى آفاق غير مسبوقة في تاريخ البلاد. وكل هذا بدون ضوء في نهاية النفق الطويل إذ إن اليونان ستدخل مع بداية 2012 - أي خلال ايام معدودة - عاما خامسا من الركود الاقتصادي الكامل.

وهكذا صار الخوف حقيقيا على صحة الأمة العقلية. فالبلاد تشهد الآن فيضانا من حالات الاكتئاب المَرَضي والعصاب وإيذاء النفس والآخرين. وتقول رابطة أطباء النفس إن العيادات شهدت ارتفاعا بنسبة 30 في المائة في عدد زوارها المرضى المدفوعين اليها بغياب الأمان التام في ظل الظروف المعيشية الجديدة.

وقرعت الرابطة ناقوس خطر آخر يتمثل في تفشي الأمراض النفسية وسط الأطفال أنفسهم. وتتعدد الأسباب هنا من رؤية المعاناة التي يقاسيها الوالدان الى إيداع أحدهما أو كليهما السجن بسبب اللجوء الى الجريمة من أجل توفير لقمة العيش أو وجود حالة انتحار في الأسرة وغير ذلك من الصدمات العاطفية العنيفة على قلوب الصغار.

المشردون أصبحوا بعشرات الآلاف في أثينا

وعلى هذا الضوء السالب، يقول الأطباء الآن إن على الحكومة الشروع في برنامج قومي يهدف الى إيجاد البلسم لجراح الأمة، وتكون في صدر أولوياته خفض معدل الانتحار الذي يأكل أبناءها بلا رحمة.

تجلّت في اليونان مظاهر غير مألوفة بسبب الضائقة المالية. فقد بلغ عدد المشردين أرقاما قياسية وتفشى تعاطي المخدرات والجريمة. وأفرز هذا المناخ ظاهرة الانتحار بشكل غير مسبوق نقلت البلاد من كونها صاحبة المعدل الأدنى للانتحار في أوروبا قبل الأزمة إلى الأعلى الآن.