رصدت (إيلاف) من تونس ترحيبًا من غالبية الأحزاب السياسية لقرار وزارة الداخلية تجميد نشاط حزب الرئيس المخلوع التجمع الدستوري الديمقراطي، ويرى ممثلو تلك الأحزاب في إفاداتهم أنّ قرار التجميد تمهيدًا لتفكيك الحزب بموجب حكم قضائيّ هو قرار إيجابيّ رغم تأخر صدوره.


وزير الداخلية التونسي يعلن عن وقف أنشطة حزب بن علي

تونس: أثار قرار وزير الداخلية التونسي تجميد نشاط حزب الرئيس السابق زين العابدين بن علي وحظر تجمع أعضائه، إضافة إلى غلق كل مقاره ردود فعل متماهية، حيث اعتبره سياسيون ونقابيون، رغم تأخره، خطوة نحو إسقاط منظومة الدكتاتورية والقطع مع رموز النظام السابق في تونس.

وأكد البلاغ الصادر من وزارة الداخلية التونسية أن هذا القرار ـ الذي بموجبه سيتم التقدم بطلب للقضاء لحل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (الحزب الحاكم سابقًا) ـ لتفادي الإخلال بالنظام العام وحفاظًا على المصلحة العليا للوطن، بعد ثبوت تورط منتمين إلى هذا الحزب في نشر الفوضى والاعتداء على مدنيين، أحدثها في محافظة الكاف في الشمال الغربي التونسي، والتي خلفت مقتل أربعة أشخاص وقرابة 17 عشر جريحًا بعد إطلاق أعوان الأمن الرصاص عليهم.

في سياق متصل اتفق الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمّالية في تونس) والحكومة المؤقتة على تعيين محافظين جدد بعد رفض الأهالي في عدد من المحافظات التونسية القبول بمن عُيّنوا في وقت سابق لانتمائهم إلى حزب الرئيس المطاح به، وقاموا بطردهم ومنعوهم من مباشرة مهامهم.

في تصريح لـquot;إيلافquot;، قال الأمين العام للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريّات مصطفى بن جعفر إن quot;هذا الإجراء نتيجة ضغوطات وظروف طارئة، لكنه يعتبر إيجابيًا رغم أنه متأخر كثيرًا، مما يخلق شكوكًا في صدقية الإرادة السياسية الهادفة إلى القطع نهائيًا مع الماضي، ولو اتخذ هذا القرار من قبل، لكان بمثابة الصدمة المفرحة للتونسيين، ولكسبت الحكومة ثقتهمquot;.

وأكد بن جعفر أن تأخّر تجميد نشاط الحزب الحاكم سابقًا وإحالة ملفه على القضاء كلّف تونس خسائر بشرية ومادية، كان يمكن تلافيها، باعتبار أن أولى ما طالب به التونسيون هو حل هذا الحزب، وإقصاء رموزه والمنتمين إليه من المشهد السياسي.

من جانبه قال علي العريض الناطق الرسمي باسم حركة النهضة الإسلامية لـquot;إيلافquot; quot;نعتبر أن قرار وزير الداخلية بتعليق نشاط التجمع واستبعاد المتورطين خطوة إيجابية، رغم انتظار هذه الخسائر لاتخاذه، ولكن هذا لا يعني أننا ندعو إلى ضرب التعددية السياسية واغتصاب حق الأفراد في ممارسة العمل السياسي، فهذا الحزب أصبح يمثل الفساد والفوضى، ويمكن لأعضائه الشرفاء أن يكوّنوا حزبًا جديدًا إن أرادوا في وقت لاحقquot;.

محمد الكيلاني الأمين العام للحزب الاشتراكي اليساري أشار في مداخلة لـ quot;إيلافquot; إلى أن مطالب الانتقال الديمقراطي يقتضي فصل الأحزاب عن الإدارة والدولة، وليس حلّها، لكن تورط قيادات حزب الرئيس السابق في عديد التجاوزات يتطلب إجراء تحفظيًا كتعليق نشاطه ومنع اجتماع المنتمين إليه.

وينص القانون الأساسي المتعلق بالأحزاب السياسية في تونس أنه يمكن لوزير الداخلية أن يتقدم بطلب للقضاء بغرض حل حزب سياسي، في حال ثبوت أن من شأن نشاطه المس بالأمن القومي والنظام العام والحقوق والحريات أو تلقى بصفة مباشرة أو غير مباشرة إعانة من جهات أجنبية، إضافة إلى حالات عدة أخرى.

وحسب الفصل 18 من القانون نفسه، لا يمكن أن يتجاوز مفعول قرار وزير الداخلية القاضي بتعليق نشاط حزب سياسي وغلق محاله مؤقتًا مدة شهر. وعند انقضاء هذا الأجل، وفي حال انعدام تتبعات عدلية لحل الحزب السياسي المعني، فإن هذا الأخير يسترجع كامل حقوقه، إلا إذا مُدّد هذا الأجل من طرف القضاء بموجب إذن على عريضة يقدمه وزير الداخلية، ولا يمكن أن يتجاوز الأجل الجديد مدة شهرين.

وخلال لقاء مع quot;إيلافquot; شدد النقابي سامي الطاهري على أن هذا القرار متأخر جدًا، وأنه نتاج لتضحيات الشعب التونسي وإعتصامات متتالية تطالب بحل حزب بن علي، وليس منّة من أي طرف، رغم إيجابيته وترجمته أكثر المطالب الشعبية إلحاحًا.

وأضاف النقابي إن quot;التونسيين بجميع فئاتهم عانوا أكثر من خمسة عقود بطش هذا الحزب الاستبدادي، الذي شكّل عائقًا أمام تطور المشهد السياسي التونسي، وانتشرت فيه كل مظاهر الفساد من رشوة ومحسوبية وغيرهاquot;.

وقال عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي التقدمي عصام الشابي لـquot;إيلافquot; إن quot;هذا القرار هو بمثابة دليل على جدية الحكومة المؤقتة في المضي قدمًا نحو إرساء نظام ديمقراطي يقطع مع الماضي، لكن يجب كشف التفاصيل للرأي العامquot;.

يضيف الشابي أنّ الديمقراطي التقدّمي كحزب لم يطلب حل التجمع الدستوري الديمقراطي، بل quot;أيّد فكرة تفكيك أجهزته وتجريده من صلاحياته اللامحدودة، ولكن خطورة تحركات بعض قياداته ومحاولتهم إرباك الحكومة الحالية تجعلنا نطالب بإحالة الملف على القضاء بأقصى سرعةquot;.

في السياق نفسه، أكد جنيدي عبد الجواد الناطق الرسمي باسم حركة التجديد لـquot;إيلافquot; أن quot;هذا الحزب أصبح وكرًا لترويع التونسيين وعرقلة الانتقال السلمي للديمقراطية، والأدلة متوافرة ضد المتهمين، ونحن نطالب بتفعيل القرار والسير قدمًا نحو حله قضائيًاquot;.

ويهيمن حزب الرئيس السابق على عجلات الحياة السياسية منذ الاستقلال من خلال حصوله على الغالبية المطلقة في الانتخابات التي خاضها، سواء الرئاسية منها أو التشريعية، وحتى البلدية، منذ أكثر من 50 عامًا، حيث فاز مرشحه زين العابدين بن علي بالانتخابات الرئاسية خمس مرات متتالية بنسبة تفوق 90% في كل مرة.

ويبلغ عدد المنتمين إلى هذا الحزب، حسب الأرقام التي يروجها الحزب عينه، قرابة مليونيان و180 ألف منخرط، ويصدر حزب التجمع الدستوري الديمقراطي صحيفتين يوميتين، هما quot;الحريةquot; ناطقة بالعربية وquot;لورونوفوquot; ناطقة بالفرنسية.

يشار إلى أنه تأسس في يونيو/حزيران في العام 1920 على يد الشيخ عبد العزيز الثعالبي تحت اسم الحزب الحر الدستوري التونسي، وفي عام 1934 وعلى إثر انشقاق في الحزب اتخذ اسم الحزب الدستوري الجديد.

وفي مؤتمر بنزرت المنعقد في أكتوبر/تشرين الأول 1964 أصبح يسمّى بالحزب الاشتراكي الدستوري، قبل أن يتحول يوم 27 فبراير/شباط 1988 إلى التجمع الدستوري الديمقراطي.