أكّد ناشر quot;إيلافquot; ورئيس تحريرها عثمان العمير في لقاء مثير للجدل على شاشة أبو ظبي الأولى أن إيلاف ليست ذات رسالة حزبية أو فئوية، وبيّن العمير أن الأسس المنهجية هي التي تحدّد حيادية الصحف وهو أمر قد لا توفره البيئات غير الديمقراطية والحرة.


أبو ظبي: في لقاء مثير للجدل على شاشة أبو ظبي الأولى بثته مساء الأحد، رحّب عثمان العمير ناشر ورئيس تحرير جريدة إيلاف الالكترونيّة بالقرار الملكي السعودي القاضي بالسماح للمرأة بأن تشارك في مجلس الشورى والبلدية، وتطرق إلى جملة شؤون تتعلّق بمسيرته المهنية وكسبه رهان الصحافة الإلكترونية. كما ناقشت الحلقة آراء الصحافي السعودي الجريئة في العديد من المسائل السياسية والإعلامية.

العمير تحدث حول كثير من المواضيع منها ما كان شخصياً أو عاما، وبالطبع كان لبعض آرائه السابقة حضور كعادة كثير ممن حاوروه، عن الموت والموسيقى وغيرها، وكرر العمير إجابته بأن هناك من لايريد أن يفهم.

الإعلام تجارة وليست رسالة

واستغربت المحاورة فضيلة سويسي ما صرّح به العمير منذ سنوات حين وصف نفسه بأنه تاجر مطبوعة وليس صاحب رسالة، فبرّر العمير ذلك بأن الغريب هو عندما ندخل في متاهات المبادئ أو الأحلام، لكن الواقع يؤكد دائماً أن التجارة أساس لنجاح أي عمل سواء كصحافي أو غير صحافي. ولا يمكن لأي عمل أن يقوم على التمنيات أو الرغبات الطيبة، بل يحتاج إلى جهد وتخطيط ومناصرين. ويرى عثمان العمير أنّ مهنة الإعلام هي تجارة وليست رسالة، شأنها في ذلك شأن أي مهنة أخرى. فالوسيلة الإعلاميّة لا يمكن أن تنشأ وتستمرّ من دون تمويل.

وردّا على سؤال عن سبب تحديده العمر الافتراضي لرئيس التحرير بخمس سنوات، قال العمير إنّ عمر أي مسؤول في أي منصب يجب ألا يتجاوز هذه المدّة. إن عمر العطاء بالنسبة إلى أي مسؤول هو أربع سنوات ولن يتمكّن بعدها من تقديم أي شيء مختلف عمّا قدمه لأنّ هذه هي فترة العطاء القصوى لأي مسؤول. ليس عيبا ان يغادر المرء منصبه بعد أربع سنوات. كلامي ليس موجّهاً للسياسيين فقط بل لأي إنسان في موقع المسؤولية.

العمير الذي أعاد التذكير بأن المرء يجب أن يتحدث بما فيه وبما هو جزء منه، قال إنه قد يعلن اعتزاله في أي وقت.

العمير لم يتفاجأ بالقرار الملكي السعودي

عن بلاده السعودية قال العمير، إن قرارات الملك عبدالله التي صدرت اليوم وإن كانت قوية ومفاجئة للبعض إلا أنها ليست غريبة على رجل بقامة وقيمة الملك عبدالله، وعاد العمير بالذكريات لوالدته التي قال إنها جاهدت لكي تتعلم القراءة، بينما حفيداتها يستطعن اليوم أن يكنّأعضاء في مجلس الشورى ومنتخبات في المجالس البلدية.

وبيّن العمير أن القرار مهم لأنه أكد أو كرّس قيم المرأة في المجتمع كشريكة خالصة الشراكة مع الرجل.

واوضح quot;إن وصولها إلى منصب المسؤولية السياسية وتدخّلها في رسم المجتمع خطوة تاريخية من رجل بهذا المستوىquot; وعن مقاومة الرجال هكذا قرارات قال العمير quot;الرجال لا يستطيعون مقاومة النساء والنساء دائما المنتصراتquot;.

وختم العمير هذا المحور بأنه يتمنى لو كان قد تزوج لتصبح ابنته عضوا في مجلس الشورى.

للحيادية أسباب ومقومات

و حول إيلاف، تحدث الناشر قائلا quot; الصحافة التي تعدّ نفسها محايدة quot;منافقةquot;، الحيادية لها أسباب وقيم تقوم عليها، لا يمكن ان تكون هناك جريدة محايدة في بلد أرفض تسميته مثلا، ولكن هناك بالمقابل صحف أخرى كالغارديان محايدة لأنها بنيت على الرصانة والحيادية، أستطيع القول عندما تعتمد الجريدة على الشعوب ودافعي الضرائب تكون quot;محايدةquot;.

وأوضح أنّ الصحيفة تكون حياديّة حين تعتمد في تمويلها على دافعي الضرائب وهذا الشرط غير متوافر في بلداننا. وأضاف: أنا لا أحارب الحياد وأريد من الناس أن يكونوا حياديين، لكنني أقول إنّ معظم الصحافيين العرب ليسوا محايدين. إيلاف جريدة خارجة من واقعها الخليجي، وتنطق باللغة العربيّة، بالتالي من الطبيعي أن تكون تصطف مع فريق دون آخر.

أنا لا أحارب الحياد، ولكن الكثير من الصحافيين العرب يدّعون أنهم محايدون، quot;إيلافquot; ليست محايدة وأمر طبيعي أن تكون أحيانا مع طرف دون آخر.

وأضاف العمير: نحن مع الرسالة الصحافية الخالصة، وثمة فرق بين أن تخلق الوسيلة الإعلامية لكي تكون لها أجندة سياسية وبين أن تختار الوقوف الى جانب أجندة معينة دون سواها. نحن لا نصطف مع أي فريق فكريا. نحن نقبل جميع الأفكار والآراء والتوجهات. إيلاف ترحّب مثلا بأيّ كاتب على صفحاتها حتى لو اختلف معها في الرأي. وهذه ليست منّة مني. واجبي أن أتيح لهؤلاء فرصة التعبير عن آرائهم.

وقال quot;لا نصطف مع أي فكر، نريد أن ننشر كل ما هو مفيد للآخرين، لا أستطيع ان أقف مع دولة أرى فيها ضررا ضد الدول التي أنتمي لها، لا أستطيع أن أدعم بشار الأسد أو النظام الإيراني مثلاquot;.

أيّ رسالة تحملها إيلاف؟ سألت السويسي، فأجاب العمير: أصحاب الرسالات هم من ينتمون إلى الأحزاب وأنا رسالتي الصحافة. لا أريد من الصحافيين أن يكونوا طرفاً في التجاذبات الفكرية والدينية. لا يجوز أن ننعت أي جهة بأنها متطرفة لكننا ضد التطرف في إيلاف، ولم نمنع يوماً نشر مقالات سواء كانت إسلامية او شيوعية.

المصدر المالي لإيلاف

وسألت السويسي ضيفها عن الجهة التي تموّل إيلاف، فأجاب: وراء quot;إيلافquot; عثمان العمير، وليس هناك من يموّل إيلاف.

quot;لماذا يستغرب الناس عندما يعلمون أنّ شخصًا مثلي عاش 40 عاما في الصحافة وعمل في التجارة ثم لا يستطيع أن يصدر صحيفة صغيرة مثلا.quot;

وعرج العمير بالحديث على مراسلي ايلاف وبعض الأخطاء قائلا quot;نحن عادة ما نأخذ المراسل أو الصحافي ثم تأتي الصحف الأخرى وتختطفه من عندنا، وهو حق له ولهم أيضاquot;.

وأضاف quot;اعترف بوجود بعض الأخطاء المهنية في quot;ايلافquot; ومن الصعب إصلاح الأخطاء في صحيفة دفعة واحدة، ولكن لا بد أن يكون هناك أخطاء وهي طبيعة الأشخاصquot;.

ونصح العمير الصحافي بأن يكون quot;شيطانا جميلاquot;، وأن يكون لديه بعض الصفات الشريرة،موضحًا quot;أقصد بها أن يكون فاتح العينين أن يشم الخبر، وأن يكون مشاكسا مقاتلاquot;. فهناك فرق بين إثارة الجدل والوقوع في المشاكل، إثارة الجدل من طباع الصحافي، وما أقصده من الوقوع في المشاكل ألا ينغمس الصحافي في ما ليس من واجباته، كأن يتحول إلى مسؤول مثلا، يجب أن يكون الصحافي قريبا من النار لا أن يقع فيهاquot;.

وبيّن الناشر رسالته بأنها رسالة الصحافة التي تبحث عن طريقة لتعميق الحركة الصحافية في العالم، مؤكداً quot;لست quot;رسلجيquot; وأريد من الصحافي أن يبتعد عن التجاذبات الفكرية والدينية.

quot;هناك فرق بين الاسلاميين والتطرف، نحن في quot;إيلافquot; ضد التطرف ومع الرأي الآخر، لا نمنع أي مقال يتفق مع قيم الصحافة حتى لو تعارض مع قيميquot;.

ملف لبنان في quot;إيلافquot;

عن لبنان قال العمير quot;نحن ضد جريمة اغتيال الحريري، ولسنا ضد توجه أو موقف حزب الله، بعد التويني والقصير وغيرهم ممن اغتيلوا في لبنان لم أعد أستطيع التوجه إلى لبنان، هل تتوقعين من صحافي أن يصفّق عندما يقتل أصدقاؤه؟. إنني أتهم الذي يدافع عن المجرمينquot;.

وحول حجب quot;إيلافquot;قال العمير quot; أنا مع الحرية ولا أستطيع مناقشة الحاجب بما يحجب .. لم أسأل سبب الحجب ولم أفكر أن أسأل عن السببquot;.

وعن quot;نساء ايلافquot; والصور التي تبثها الجريدة والتي يأخذ عليها البعض بحسب وصف السويسي أنها خادشة للحياء، قال العمير: أنا ضد كلمة خادش للحياء، ومفهومي أن خدش الحياء هو الاعتداء على أعراض الناس. لو تابعت أي تلفزيون عربي لوجدت الصور نفسها التي تنشر في إيلاف. قد يرى البعض في المايوه عريًا، لكنّ الحقيقة أنّ المايوه موجود وترتديه النساء في جميع المسابح في البلدان العربيّة والإسلاميّة. وأرى في التركيز على إيلاف وحدها في هذا الجانب استهدافا لإيلاف.

من جهة أخرى، تحدث العمير عن خططه لتوسيع إيلاف بما يتماشى مع التطورات الحاصلة في عالم الاعلام حاليا مثل تويتر وفايسبوك. وقال إن مشروع quot;إيلاف الكويتquot; وquot;إيلاف دبيquot; قيد التخطيط وستليهما مشاريع أخرى عديدة.

وتساءل الناشر quot;هل نحن في quot;إيلافquot; بعد 11 عاما يجب أن نتطور لأننا نرى الأشياء تتطور كمواقع التواصل الاجتماعي الموجودة؟quot;.

وفي رد على تقرير عرضه البرنامج وانتقد فيه الشيخ يوسف الشبيلي العمير بشدة، قال العمير قائلاً: أشكر الشيخ على نصائحه وألفت إلى أنّ تصريحاتي اجتزئت واستغلت بطريقة خاطئة، فحين تحدثت عن إطالة العمر، كنت أعني أنّ كل إنسان يتطلع إلى إطالة عمره وجميعاً نبحث عن طريقة لإطالة عمرنا، وقمت بتوضيح تصريحاتي لكنهم يتبنون ما يريدون. إنني أعمل كي أكون رجلا صالحًا واتمنى له هو أيضا أن يكون صالحا.

الأصوليون والليبراليون

وبيّن العمير موقفه ورؤيته الى أطياف فكرية فاعلة في الساحة. فقال عن الاصوليين quot; ليس بيني وبينهم أي شيء، أحترم تواجدهم على الساحة، لم أفكر بأنهم عدو لي، ولا أعتقد أن لي أعداء كثرًاquot;. اما عن الليبراليين فقال quot;فهم الليبرالية خاطئ في الوطن العربي، إما ان يكون تابعا للغرب، أو محالة لتقليدهم أو حتى اتباع بعض المثل أو القيم التي يؤمنون بها دون أخرى ، الليبرالية منظومة كاملة سواء أكانت فكرية أو شخصية، من الصعوبة أن يكون المسلم ليبراليا حقيقياquot; واضاف quot;الليبراليون الذين عرفتهم قليلون جدا في العالم العربي، فهذه المصطلحات تذوب و ليس لها وجود بما فيها الاسلامية في محيط صغير عندما تحتك جذور الانسان نجد أنها تعود إلى صومعته، أعتقد أن ليس كل الناس يتقيّدون بما يقولون سواء أكانوا ليبراليين أو اسلاميين هم يطبقون قليلا ما يؤمنون بهquot;.

الثورات العربية

وتسأل السويسي ضيفها: هل تخشى أن يتحول ربيع العرب إلى خريف أو شتاء قارس؟ فيرد العمير: لا اعتقد أن الصورة في العالم العربي بهذا السوء. التجارب مختلفة في كل بلد بمعنى أنّ لكلّ منه خصوصيته، ولكني لست متشائماً. صحيح أنّنا لا نرى ضوءًا ساطعًا في نهاية النفق، لكنّ الأمور تحتاج إلى بعض الوقت حتى تتبلور الصورة. التجربة التونسيّة لها خصوصيتها، أمّا في مصر، فقد يطول الأمر. تحتاج مصر إلى وقت طويل كي تكون مصر التي نتمنّاها.

الملف السوري

ورأى العمير صعوبة في التنبؤ بالثورة السورية ومستقبلها، وقال quot;سوريا لن تكون سوريا قبل 6 أشهر من الآن .. لا أعتقد أن الكثير يعرفون الصورة الكاملة في سورياquot;.

وقال: quot;لا أعرف كيف ستنتهي الأحداث في سوريا، لكن ما من شك أن الحكم في سوريا المقبلة لن يكون مثله فيها قبل الثورة. يقولون إنّ النظام لن يستطيع أن يستمرّ. غير ذلك كيف سيكون شكل الحكم في المستقبل.

التعاون مع جهاز استخبارات بلده

واستذكرت السويسي تصريحًا سابقًا للعمير، قال فيه إنَّه مستعد للتعاون مع الاستخبارات. فأوضح العمير أنّ هذا التصريح أيضا اجتزئ مثل تصريحات أخرى. وقال إنّ جهاز الاستخبارات الوحيد الذي يمكن أن يتعاون معه هو quot;جهاز الاستخبارات في بلدي، أو أي جهاز استخبارات في العالم بتوجيه من جهاز الاستخبارات في بلدي واذا كان ذلك بالطبع يخدم مصلحة بلديquot;.

وحين قالت له السويسي ألا يتعارض ذلك مع قولك إنّ الصحافي يجب ألا يقفز إلى سدّة المسؤولية الرسميّة، وألا يعد ذلك لعبًا بالنار، قال العمير: تعلمت كيف أخرج من النار.

وختم العمير حديثه بالقول: زرت أبو ظبي للمرة الأولى في العام 1974، وقد كنت حينها مراسلا مغمورًا، لكن تسنى لي أن أقابل المغفور له الشيخ زايد. وقد شكل هذا اللقاء تجربة مهمة بالنسبة إليّ وتعلمت منه وسعدت بمقابلته. لقد كان رجلا يتحلى بكل مواصفات الرجولة بمعناها العميق والشامل. وانا سعيد بازدهار أبو ظبي اليوم.