لم تنتظر دول مجلس التعاون الخليجي كثيراً عقب إعلان السعودية سحب ممثليها من بعثة الجامعة العربية للمراقبة في سوريا، وأعلنت بدورها quot;التجاوبquot; مع القرار السعودي، الذي يشكّل بحسب البعض نقطة مفصلية في التعاطي العربي مع الأزمة السورية، وسيكون بالتأكيد له ما بعده.



وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل
الرياض: مثلما بادرت السعودية إلى سحب ممثليها من بعثة المراقبين العرب في سوريا، كان القرار جماعياً في دول مجلس التعاون الخليجي التي تجاوبت مع القرار والدعوة السعودية، وأعلنت أنها ستسحب ممثليها بعدما تأكد لديها استمرار نزيف الدم وقتل الأبرياء، طبقاً لما جاء في بيان للأمانة العامة لمجلس التعاون.

بيان الأمانة العامة أفاد أن دول المجلس قررت quot;التجاوبquot; مع قرار السعودية سحب مراقبيها من بعثة الجامعة العربية إلى سوريا quot;مع التزامها بكل قرارات مجلس الجامعة حفاظاً على وحدة الصف العربي رغم قناعة دول المجلس بضرورة أن يكون القرار الأخير أكثر قوة وان يكون عاملاً للضغط على النظام السوري كي يوقف القتلquot;.

ويرى مراقبون أن القرار السعودي، جاء تعبيراً عن القلق المتزايد من استمرار الوحشية التي ينتهجها النظام السوري ضد المواطنين الأبرياء، إذ لم يعد ممكناً مع ما يجري التزام المزيد من الصمت ونأي النفس عن الخوض في الشأن السوري على الرغم من أن المجازر الوحشية لم تتوقف طوال الأشهر الماضية.

وكان الموقف الأول الذي يصدر من أعلى مستويات القيادة في السعودية قد صدر عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي دعا في بيان شهير في الثامن من (أب) أغسطس الماضي لوقف العنف فوراً، وسحب السفير السعودي اعتراضاً على ما يجري، ما أدى إلى تحرك الدول الخليجية والإقتداء بموقف الشقيقة الكبرى في سحب سفرائها، وأعطى ذلك القضية زخماً كبيراً وحفّز الجامعة العربية للتشاور من أجل اتخاذ قرارات فورية لوقف العنف.

إلا أن التحركات العربية طيلة لـ 11 شهرا الماضية باءت بالفشل و لم توقف آلة القتل والوحشية المفرطة التي يستخدمها النظام السوري، حتى عقب إرسال بعثة المراقبة العربية إلى سوريا لمتابعة ما يجري عن كثب.

وعلى الرغم من تميز المملكة طيلة العقود الماضية بالدبلوماسية الهادئة والرزينة تجاه القضايا الدولية، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى واحترام المواثيق، إلا أن يأس الرياض من النظام السوري في وقف العنف وتحقيق إرادة الشعب المنتفض في تنفيذ الإصلاحات الفورية التي تلبي تطلعاتهم، جعلت من الدبلوماسية السعودية تستخدم لغة الاستثبات في تغير نهجها المعتاد واستخدام لغة أكثر حدة لإنهاء الأزمة، بعد محاولات عدة لحل الأزمة كان الفشل حليفها، نظير التسويف والمماطلة من الحكومة السورية وعدم الجدية في الإصلاح.

وهذا ما دعا وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إلى اتخاذ خطوات مفاجئة وتصعيدية تحمل في طياتها تأكيداً على نفاذ صبر المملكة من النظام السوري وبعض الدول العربية المتعاطفة معه بشكل ضمني، من خلال سعيهم إلى إطالة أمد النظام والإصرار على استمرار بعثة المراقبين على الرغم من فشلها وانسحاب العشرات من أعضائها، وتعطيل القرارات المطالبة بنقل الملف لمجلس الأمن.

الخطوات السعودية تمثلت بعقد لقاء مع وفد المعارضة السورية بقيادة برهان غليون أثناء اجتماع اللجنة العربية الوزارية الخاصة في سوريا، والإعلان عن سحب المراقبين السعوديين في سوريا خلال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة في إشارة إلى أن خطة الحل العربي التي تهدف أساسا إلى حقن الدماء السورية فشلت، وإن الوضع لا يمكن أن يستمر ولا تقبل المملكة بأي حال من الأحوال أن تكون شاهد زور أو أن يستخدمها أحد لتبرير الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري.

ويؤكد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية الدكتور أنور عشقي في حديث معquot; إيلافquot; حول أسباب سحب المراقبين السعوديين وعدم إكمال مهمتهم في سوريا أن التقارير التي تم رفعها تشير إلى أن النظام السوري لم يلتزم في القرارات الصادرة من الجامعة العربية وحاول كسب الوقت من خلال تضليل عمل المراقبين ورشوة بعضهم واستفزازهم عن طريق الرسائل والمكالمات، بالإضافة إلى اتهام الحكومة السورية لمراقب سعودي في إثارة الفتنة وإلقاء خطب تحريضية، إلا أنها استدركت وقامت بالاعتذار للمراقب بعدما تبين عدم صحة اتهامها.

وأضاف عشقي quot;لهذا آثرت المملكة اتخاذ موقف واضح وصريح لا يجعلها في موقف المراقب للأعمال الوحشية ورفضت إرسال مراقبيها لأن لا جدوى من استمرار وجودهم على الأراضي السوريةquot;.

وأوضح أن القرار لاقى استحسانا من المجتمع الدولي في تصعيد القضية وتحويلها لمجلس الأمن لاتخاذ القرارات التي تجبر النظام السوري على قبول المبادرة العربية في تفويض نائب الرئيس الصلاحيات الكاملة لإنهاء الأزمة.

وحول أبعاد هذا القرار في قادم الأيام قال عشقي:quot; إن الدول الإسلامية كافة سوف تتأثر من خطوة المملكة لمكانتها الرفيعة وزعامتها القيادية في العالم العربي والإسلامي، ما يحفز دول عدة لسحب مراقبيها، وتوحيد الصف لإحالةً الملف على مجلس الأمن الذي أصبح يقترب بشكل كبير من تولي أمر الملف السوريquot;.

وشدد عشقي على أن اجتماع وزير الخارجية السعودي مع وفد المعارضة السورية قام بتكوين رؤية أوضح، ومن نتائجها اتخاذ هذا القرار، وذكر أن الدبلوماسية السعودية تتطور مع مسؤوليتها ومن المتعارف عليه أن الرياض تتبع السياسة الهادئة وعدم التصادم مع الأطراف الأخرى، ولكن في حال وقوع ظلم على دول مجاورة وشقيقة لا تقف مكتوفة الأيدي وتسعى جاهزة إلى رفعها بشتى الوسائل.

وأشار إلى أن الرياض ترفض التدخل العسكري الدولي في سوريا وتسعى مع حلفائها إلى إنهاء الأزمة بشكل سلمي، وفي حال فشلت المحاولات، وأصبح التدخل العسكري ضرورة لابد منه فإنها ستوافق على مضض، وفق تصوره الشخصي.

وبدوره أكد رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط طارق الحميد في عموده الصحافي اليومي حول هذا القرار أن السعودية قطعت الطريق على كل المسوفين والمماطلين والمتآمرين على الشعب السوري وثورته وكل من يحاول نصرة الطاغية، مشدداً على أن وزير الخارجية قام بخطوات عملية وفعلية حين استقبل وفد المعارضة وسحب المراقبين، وبذلك قررت المملكة ممارسة دورها القيادي في العالم العربي والإسلامي لحقن الدماء السورية الغالية.