رسم بياني يظهر نتيجة استطلاع إيلاف

في استطلاع laquo;إيلافraquo; الأخير استبعد القراء أن يكون مصير الرئيس السوري بشار الأسد مشابها لما يحدث لأي من الرئيسين المصري واليمني. وانحصرت التوقعات بين ان يُطاح ويقتل على غرار القذافي وأن يستمر الحال كما هو الى حين مماته بطلاً قومياً.


لندن:شارك نحو 27 ألفا و500 قارئ في استطلاع laquo;إيلافraquo; الأخير المتعلق بالمصير المتوقع للرئيس السوري بشار الأسد.

الخيارات التي طرحها الاستطلاع هي أن الأسد سيختتم عهده بأحد مصائر انتهى اليها مؤخرا زعماء أربع دول هي مصر وليبيا واليمن وكوريا الشمالية. فرشحت له النسبة الصغرى من القراء (1.52 في المائة) مصير حسني مبارك، متبوعة بـ9.43 في المائة قالت إنه سينتهي الى مصير علي عبد الله صالح. وبينما قالت نسبة تزيد عن ضعف هاتين الأخيرتين (22.72 في المائة) إنه سينتهي الى مآل معمر القذافي، رأت الأغلبية الكاسحة أنه سيصل الى حال كيم جونغ - ايل (66.32 في المائة).

بعبارة أخرى
في اختياراته اولئك الزعماء الأربعة، فإن الاستطلاع يفترض في الثلاثة الأولى منها أن الأسد سيرحل عن السلطة مجبرا، بينما يفترض الرابع بقاءه الى حين وفاته طبيعيا. وبعبارة أخرى فهو يسأل القارئ عما إن كان يعتقد أن مصيره في ذلك الحين سيكون (وفقا لترتيب الخيارات نفسها):
1 - أن يواجه المحاكمة بعد إطاحته بالثورة الشعبية.
2 - أن يصمد أمام المقاومة السلمية وأعتى محاولات الاغتيال حتى يقرر بنفسه موعد تنحيه وكيفيته وإن كان هذا نفسه نتاجا للثورة.
3 - أن يُزاح بقوة السلاح وأن يُقتل.
4 - أن يظل في السلطة حتى وفاته فيُشيّع الى مثواه الأخير بطلا قوميا وأن يرث الحكم أحد أفراد عائلته من بعده.

وبالطبع فإن كل هذا إطار تقدمه laquo;إيلافraquo; الى القارئ كي يحاول استنباط المستقبل داخله. ولذا، فهو إطار يتسع ايضا للأماني والمخاوف بقدر ما يتيح التكهن بالآتي عبر الفكرة ونقيضها ونتاج تصادمهما. ولكن، سواء كان القارئ محللا توصل الى قناعته عبر ناتج منطقي لتسلسل الأحداث، أو كانت قناعته تلك مجرد أمنية قد تتحقق وقد لا تتحقق، تبقى حقيقة أن خُمس القراء يعتقدون (أو يتمنون أو يخشون) أن يطاح الأسد ويقتل بيد الثوار على غرار ما حدث للعقيد القذافي، بينما يعتقد أو يتمنى أو يخشى، ثلثاهم أنه سيبقى في السلطة مدى عمره وسيشيع الى مثواه الأخير بطلا قوميا في جنازة دولة رسمية وأن آل الأسد سيواصلون حكم البلاد الى أجل غير مسمى.

لا سؤال غير مشروع

سوريا على مفترق طرق مخيف

مهما يكن من أمر فإن ثمة معطيات أساسية لا بد من التمعن فيها إذ لا تكتمل الصورة إلا بها. ولوحظ، أولا، إن أغلبية قراء laquo;إيلافraquo; التي تنبأت بمصير للأسد مشابه لكيم جونغ - إيل لا تقول إنها تؤيد هذا أو لا تؤيده. ولذا فيمكن القول إن جزءا غير معلوم من هؤلاء القراء يدفعهم اليأس إزاء التغيير الى الاعتقاد أن يكون هذا هو المستقبل السوري بالضبط.

ولكن ماذا لو أن السوريين أهل البلاد في أغلبيتهم مؤيدون حقيقيون للرئيس الأسد ولا يريدون أحدا غيره؟ ماذا لو أن ما نراه من laquo;ثورةraquo; تشكّل في ظاهرها امتدادا طبيعيا لـlaquo;ربيع العربraquo; إنما هي في الواقع ثورة أقلية (كبيرة لكنها أقلية) مدفوعة بمختلف أسباب شرائحها وليست فعلا أمل الجماهير السورية العريضة في عهد جديد؟

لا سؤال غير مشروع وإن كان لا يناسب وسائل الإعلام، سواء العربية أو الغربية، التي تجمع على أن laquo;الطاغية السوري بلغ منتهاه وأنه يحصي ايامه الأخيرةraquo;. على أن للتساؤل سببه الذي يستدعيه. ويتمثل هذا في استطلاع أجرته مؤسسة متخصصة في استقصاء مختلف تيارات الرأي العام وتعتبر الأكبر من نوعها في المنطقة على الإطلاق.

شاهد من أهلها

المؤسسة المعنيّة هي youGovSiraj laquo;يوغوف سراجraquo; - وهي الذراع الشرق الأوسطية لمؤسسة الاستطلاعات الدولية YouGov laquo;يوغوفraquo; التي تحظى بالاحترام والمصداقية.
وlaquo;يوغوف سراجraquo; نفسها تتخذ من الدوحة مقرا لها وتقول في معرض تعريفها بنفسها ما يلي:

laquo;يوغوف سراج تستخدم أفضل منهجيات البحث، سواء كان البحث نوعيا أو كمّيا، عبر الانترنت أو وجهاً لوجه. في تحليلنا نميل إلى الابتعاد عن الصور النمطية (...) استراتيجية التوظيف لدينا مصممة لجلب أفضل العقول في مجال الأبحاث. نتطلع دائماً لرؤية ما هو أبعد من الواضح، والعثور على القصة الحقيقية التي تقع ضمن نطاق الأرقام والكلماتraquo;.

والاستطلاع الذي أجرته هذه المؤسسة (التي تستضيفها قطر حتى إن لم يكن بالوسع وصف نفسها بأنها قطرية) تم وسط السوريين عموما بتكليف من هيئة laquo;مناظرات الدوحةraquo; البحثية المموّلة منlaquo;مؤسسة قطرraquo; التي تُنسب الى العائلة القطرية المالكة مباشرة.

وما يمنح هذا الاستطلاع مصداقيته هو ما نعرفه جميعا وهو أن الموقف القطري هو رأس الرمح في الهجمة الدبلوماسية العربية على نظام الأسد. وعليه يصح لنا، في هذه حالة laquo;يوغوف سراجraquo; تحديدا، أن نقول إننا بصدد laquo;شهادة شاهد من أهلهاraquo;.

صدمة

حافظ الأسد

ما يهمنا في هذا المقام أن يوغوف سراج أعلنت أنها أجرت استطلاعين متلازمين في ما يبدو: الأول وسط العرب عموما وأظهرت نتيجته ان 81 في المائة من هؤلاء يرغبون في رحيل الأسد... وليس في هذا ما يدهش. ولكن انظر الى حصيلة استطلاع ثان قالت المؤسسة إنها أجرته وسط السوريين أنفسهم، وكانت نتيجته أن 55 في المائة منهم يريدون بقاء بلادهم تحت رئاسة بشار الأسد.

كيف تأتى هذا؟

ثمة تفسيرات عديدة يمكن ان يخرج بها المرء لهذا الوضع: فيمكن ان يقال إن هذه الأغلبية (من أهل المدن الرئيسة الساكنة نسبيا مثل دمشق وحلب كما يخال المرء) تخشى البديل في حال انهيار نظام ظل يدير شؤون البلاد منذ ما أسماه الأسد الأب laquo;الثورة التصحيحيةraquo; قبل أربعة عقود... ويمكن الحديث عن الخوف إزاء سيطرة الأصوليين على دولة علمانية بالمقاييس العربية على الأقل... وخوف الأقليات على مصائرها في سوريا جديدة لا يعلم احد من سيحكمها... وتشرذم المعارضة نفسها وعجزها عن طرح برنامج بديل موحد واضح ومعقول... وبالطبع شبح الحرب الأهلية في أكثر رقاع المنطقة العربية هشاشة.

لكننا نسارع الى القول إن هذا الاستطلاع نفسه صار محل تشكيك عظيم - وطبيعي - من جانب المعارضين السوريين. فقد جاء على موقع laquo;جمعية الصحافيين السوريين الأحرارraquo; الإلكتروني أن العدد الحقيقي للسوريين الذين استجابوا لاستطلاع laquo;يوغوف سراجraquo; لا يزيد عن 97 شخصا وأن 53 من هؤلاء قالوا إنهم يؤيدون الأسد.

وإذا كان هذا صحيحا (أن السوريين الذين استطلعت يوغوف سراج آراءهم أقل من 100 شخص) فيمكن أن يُقال إن مؤسسة قطرية لا يعوزها المال والإمكانات وتسعى لأن تصبح باروميتر الرأي العام العربي ليست جديرة بأن تؤخذ مأخذ الجد في ما أعلنت اضطلاعها به.

خيبة أمل

عندما تولى بشار السلطة عام 2000 كان في الخامسة والثلاثين من عمره. وقد فعل هذا بعد قرابة سنة فقط من تولي عبد الله الثاني عرش الأردن وهو في السابعة والثلاثين. وبغض النظر عن الجدل الذي دار ولا يزال حول أن سوريا صارت laquo;جملوكيةraquo; (المصطلح المُبتدع المُركّب من laquo;جمهوريةraquo; وlaquo;ملكيةraquo;)، فقد أثار الحدثان موجة عالية من الأمل المحلي والدولي في أن جيل الشباب المستنير بدأ يتولى إدارة الدفة في عالم السياسة العربية المتيبّس.

والآن، بعد انقضاء أكثر من عقد على انبثاق ذلك الأمل فمن المستحيل تقريبا تصور استمرار الأسد في الحكم وسط ما تنقله لنا شاشات التلفزيون من أعمال أقل ما يمكن ان توصف به أنها عمل وحشي في حق شعب أعزل خرج ليطالب بحقه المشروع في الحرية.

ومن العسير حقا تخيل ما يكمن ان يفعله الرئيس السوري في وجه العزلة العربية الرسمية والشعبية والدولية التي فرضتها أحداث بلاده من حوله، وما إن كان بوسعه الاستغناء عن الجميع مكتفيا بحماية روسيا والصين له داخل مجلس الأمن.

وضع محزن
لا شيء في الوجود يبرر للرئيس الأسد إرساله دباباته الى الشوارع ضد المدنيين، سواء كان من يؤيدونه من السوريين أنفسهم 55 أو 95 في المائة. وحتى بافتراض أن أكثر من نصف الشعب يريد بقاءه فهذا لا يعني أن يكون على استعداد للتشبث بالسلطة حتى وإن كان هذا يعني إغراق بلاده في حرب أهلية اولى علاماتها هي دباباته نفسها. وفي وضع محزن كهذا تصبح استطلاعات الرأي - كوسيلة ديمقراطية للتعبير والتأييد والاعتراض - شبه مجردة من المعنى.