رغم تبدل الأوضاع وتغيّر المشهد في ليبيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إلا أن البلاد لا تزال تعيش بالتأكيد حالة من الفوضى المقترنة بالعنف، وإن كانت قد حُرِّرَت في الأخير من قبضة القذافي الدموية.


طرابلس: رغم مرور عام على مقتله على يد مجموعة من الثوار الليبيين، إلا أن روح العقيد الليبي الراحل معمر القذافي مازالت حاضرة بشكل كبير في البلاد.

وبعد أن تم مؤخراً تعيين علي زيدان رئيساً للوزراء وسط تأكيدات بصعوبة المهمة الملقاة على كاهله، بدأت تنتقد وسائل الإعلام الجديدة في ليبيا القادة الجدد بسبب ضعف أدائهم، وهي نفس الانتقادات التي تسببت في حبس صحافيين لعدة سنوات إبان فترة حكم القذافي.

ورغم تبدل الأوضاع وتغيّر المشهد هناك بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إلا أن ليبيا لا تزال تعيش بالتأكيد حالة من الفوضى المقترنة بالعنف، وإن كانت قد حُرِّرَت في الأخير.

علي ترهوني، وهو واحد من أبرز قادة الثورة التي اندلعت العام الماضي، قال من جانبه quot; لم يحدث أي تقدم. لكن القذافي مات في الأخير. وذهب هذا الكلب المجنونquot;.

وبينما يمكث القذافي في قبر في مكان سري في الصحراء، فإن الليبيين يصارعون حالياً إرثه المزعج، بعد عام كامل على رحيله.

وفي النقاط الثلاث التالية، تتحدث مجلة التايم الأميركية عن أمور مازالت تهيمن على الديمقراطية الجديدة في ليبيا :

- هللا يزال أحد من أبناء القذافي مختبئاً ؟

حيث مازال يعتقد كثير من الليبيين أن خميس، أصغر أبناء القذافي، والذي كان يقود كتيبة الجيش الـ 32 المثيرة للفزع، يختبئ حالياً في مدينة بني وليد التي كانت تعتبر معقلاً لوالده، وأنه يتحضر ويخطط هناك لشن هجمات مع مجموعة من المواليين.

وهي الشائعات التي لا تزال منتشرة رغم الأدلة التي تفيد بمقتل خميس يوم الـ 24 من آب/ أغسطس العام الماضي، بعد هروبه من طرابلس برفقة مقاتليه، وهي الواقعة التي أكدها أحد الناجين من ذلك الهروب الفوضوي لصحيفة النيويورك تايمز الأميركية في أيار/ مايو الماضي، حيث شاهد خميس مقتولاً، وبعدها شاهد شقيقه سيف الإسلام وهو يتلقى عزاءه. ومع هذا، مازال يعتقد كثير من الليبيين أن خميس باقٍ على قيد الحياة.

وقال جلال الجلال وهو متحدث سابق باسم الثوار الليبيين quot;اذا لم تخبرونا بمكان جثمانه، فستستمر الشكوك قائمة لدى عدد كبير من الأشخاص. وأنا أتساءل لما السرية ؟ لأنهلا يزال على قيد الحياة ؟ الناس قلقون. فهل ستعود عائلة القذافي من جديد ؟quot;.

- أين توجد ثروة القذافي المنهوبة ؟

لم يكن نظام القذافي وحشياً وقاسياً فحسب، بل كان جشعاً للغاية كذلك، حيث تم تهريب مليارات الدولارات إلى خارج البلاد، بينما كان يستغل أبناء القذافي ثروات البلاد النفطية الضخمة في تمويل طرق حياتهم المترفة خارج البلاد.

ومازال المسؤولون الليبيون ينتظرن عودة تلك الثروات الضخمة إليهم. وعاود ترهوني ليقول :quot; لدينا معلومات كثيرة عن أماكن الأموال.

ولدينا فكرة جيدة للغاية عن أصول المصرف المركزي وهيئة الاستثمار الليبيةquot;. ومع هذا، نوهت التايم إلى أن ذلك ليس سوى جزء من المفقود، وأن مهمة تقفي أثر كافة الأصول قد تستغرق عدة سنوات.

- أين توجد الأسلحة ؟

من المعروف أن القذافي كان واحداً من أكبر مشتريي السلاح في العالم، حيث كان ينفق جزءًا كبيراً من عائدات بلاده النفطية على شراء نظم تسليح متطورة.

وبعد سقوط القذافي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حصل تكدس كبير في عشرات المستودعات بالصواريخ والقذائف وأسلحة أخرى، وهو ما تم الكشف عنه قرب مدينة سيرت.

مضت المجلة تقول إن جزءًا كبيراً من تلك الترسانة بات مفقوداً الآن، حيث بدأت تتسلل إلى أيدي الجماعات المسلحة، أو تُهَرَّب عبر الحدود لجماعات مسلحة في مالي وموريتانيا وبلدان أخرى في شمال أفريقيا.

وما يقلق المسؤولين الليبيين على نحو خاص هو الجماعات المسلحة النشطة داخل البلاد ولديها كميات كبيرة الآن من أسلحة القذافي، تكفيها لخوض غمار الحرب عدة مرات خلال الفترة المقبلة.

هذا ومازالت تتحضر القوى الثورية في الوقت الراهن لمواصلة معركتها من أجل فرض السيطرة على مدينة بني وليد، آخر معاقل أتباع القذافي، في الوقت الذي مازال يصارع فيه قادة ليبيا الجدد الذين يفتقرون للخبرة والحنكة من أجل تأكيد سلطتهم.

واعتبرت في هذا السياق صحيفة الغارديان البريطانية أن الوفاة الدموية للزعيم الليبي تعتبر واحدة من الصور المحفورة في ذاكرة ليبيا الجماعية.

وأضافت أن العنف والفوضى ظلا مهيمنين طوال العام الذي تلا سقوط العقيد الراحل. ولم تتمكن السلطات الانتقالية السابقة من توحيد صفوف البلاد التي تعاني حالة من عدم الثقة والغضب بعد 40 عاماً من الديكتاتورية القاسية.

وأسهبت الصحيفة بعد ذلك في حديثها عن ترهل الوضع الأمني والسياسي في البلاد، وتأكيدها أن ليبيا اليوم ليست دولة واحدة وإنما مجموعة من الإقطاعيات، وسط حالة واضحة من الانقسام بين مَن يريدون الشر للبلاد ومن يريدون الخير لها، وسط دعوات بالتزام الصبر والتفاؤل.