قبل أيام معدودة من الاستحقاق الانتخابي الأميركي، وصل الاعصار ساندي ليتحكم بمسار الرحلة الديمقراطية التي يقوم بها المرشحان الجمهوري والديمقراطي، حيث من المتوقع أن يؤثر سلبًا على النتائج المحسوبة مسبقاً.


لندن: في ظلام الليل، عندما يأخذ منظمو الحملة الانتخابية في السباق الرئاسي الأميركي قسطاً من النوم، إذا ناموا أصلا، تقض مضاجعهم كوابيس من كل صنف. وما هو أسوأ من الكوابيس هو إدراكهم عندما يبزغ ضوء النهار، أن هذه الكوابيس قد تتحقق في الواقع. ففي رؤوسهم تتراقص رؤى من إعادة الفرز والطعون الإنتخابية والدعاوى القانونية، ناهيكم عن إمكانية فوز مرشحهم بأصوات الناخبين وخسارته الرئاسة، وحتى الاحتمال البعيد لتعادل الأصوات داخل المجمع الانتخابي وإحالة السباق الرئاسي برمته إلى الكونغرس.

والآن انضم إلى هذا المهرجان من أفلام الرعب، رعب اضافي هو شبح الاعصار ساندي الذي إذا صحت توقعات الأرصاد الجوية بشأنه، يمكن أن يُفسد حملة إنتخابية انطلقت منذ عامين وكلفت حتى الآن ملياري دولار.

ورغم التخطيط الدقيق والاستراتيجيات المتقَنة واستطلاعات الرأي والحملات الاعلانية والجهود المضنية لتشجيع ناخبي كل مرشح على التوجه إلى صناديق الاقتراع يوم التصويت، فإن الانتخابات يمكن أن تسفر عن نتيجة ملتَبسة تتحدى كل التوقعات والتنبؤات. إذ تبين استطلاعات الرأي تقارباً شديدًا بين المرشحين في الأسبوع الأخير من حملة الرئيس أوباما ومنافسه ميت رومني حتى أن الجانبين أخذا يضعان في اعتبارهما كل صنف من الاحتمالات المستبعدة.

وجاء الإعصار ساندي لتذكيرهما إلى أي حد يمكن للديمقراطية أن تكون خارج سيطرتهما.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن ديفيد اكسلرود أحد كبار مخططي استراتيجية أوباما الانتخابية قوله quot;نحن نعتقد بداهة بأنه كلما زاد عدد المشاركين في الانتخابات كان ذلك أفضلquot;. وأضاف ان الإعصار يمكن أن يمنع ناخبين من التوجه إلى صناديق الاقتراع quot;ولكن بالنسبة للخمسين مليون شخص الموجودين في طريقه هناك مخاوف آنية من مخاطر حقيقية محتملة تتجاوز السياسةquot;.

وكان الاعصار أجبر المرشحَين على إلغاء محطات في حملتهما الانتخابية. وإذ لم يبقَ إلا ثمانية ايام على موعد الانتخاب، يتعين على أوباما أن يقيم توازناً دقيقاً بين دوره كرئيس في حالة طوارئ ودوره كمرشح رئاسي. ويمكن لمثل هذه المهمة المزدوجة أن تنفعه أو تضره حسب نظرة الناخبين إلى أدائه، كذلك أن تجهض جهود المعسكرين لتقديم مرافعتهما النهائية دفاعًا عن سياسات مرشحيهما قبل يوم الحسم.
ومن المؤكد تقريباً أن يتوقف التصويت المبكر الذي راهن عليه اوباما لتعزيز حظوظه في الفوز بولاية ثانية في بعض المناطق الواقعة على الساحل الشرقي، في حين يمكن أن يستمر انقطاع التيار الكهربائي الشطر الأعظم من هذا الأسبوع وربما حتى يوم الاقتراع في بعض الأماكن. ولم ينتبه أحد إلى أن ولاية فرجينيا وهي من الولايات التي فرص المرشحَين متقاربة للغاية فيها، قد تكون من أشد الولايات تأثرا بالاعصار.

وما الأنواء الجوية إلا واحد من العوامل الكابوسية التي تلقي بظلالها على الحملة الانتخابية في الأسبوع الأخير منها. ففي يوم الاقتراع قد لا يُعرف الفائز في وقت مبكر لأن النتائج في ولاية أو اكثر قد تكون متقاربة إلى حد يستدعي إعادة الفرز. وفي ولاية أوهايو التي قد تحسم النتيجة، يمكن الإدلاء بالكثير من الأصوات التي تتطلب مراجعة للتوثق من أهلية أصحابها للتصويت، وبالتالي فإنها بموجب القانون لا تُفرز مع الأصوات الأخرى، بحيث من الجائز ألا يُعلن الفائز إلا في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر).

وقال المخطط الاستراتيجي لحملة المرشح الجمهوري برادلي بلايكمان الذي شارك في معركة جورج بوش لإعادة فرز الأصوات في ولاية فلوريدا، إن شعار الكشافة القائل quot;كن مستعدًاquot; شعار صالح جداً اليوم. وأشار بلايكمان إلى تحشيد جيش من المحامين المحليين والخبراء القانونيين لاستخدامهم عند الحاجة. وأعاد التذكير بأنه quot;بعد اعادة الفرز في عام 2000 وعناصر التشويق التي رافقت انتخابات 2004 فان الحزب الجمهوري يقف مستعداً بعدة سيناريوهات أُنجز إعدادها تحسباquot;.

والأرجح من بين كل النتائج الملتَبسة التي يمكن أن تسفر عنها الانتخابات هو فوز أحد المرشحين بالرئاسة من خلال المجمع الانتخابي رغم خسارته أصوات الشعب، كما حدث مع بوش عام 2000. وإذا تكرر ذلك، فإنه قد يكون في صورة معكوسة بفوز الجمهوري رومني بأصوات الناخبين وفوز الديمقراطي اوباما داخل المجمع الانتخابي.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الخبير الإنتخابي تشارلي كوك أن احتمالات مثل هذه النتيجة تبلغ 10 إلى 15 في المئة. ولكن ستانلي غرينبرغ المتمرس في تنظيم الاستطلاعات للحزب الديمقراطي، قال إن احتمالات حدوث ذلك هي quot;واحد إلى ثلاثةquot;. وأوضح غرينبرغ أن السبب، إذا حدث ذلك، هو مشاركة الناخبين المعارضين لاوباما، وخاصة في الولايات الجنوبية، بأعداد كبيرة في الاقتراع، في حين أن أصوات مؤيدي أوباما لن تكون كبيرة في الولايات الديمقراطية، ولكنها ترجحه في ولايات ذات أهمية حاسمة مثل اوهايو وآيوا ونيفادا.

وإذا فاز اوباما بولاية ثانية رغم خسارته اصوات الناخبين فإن ذلك سيلقي مرة أخرى ضوءًا ساطعًا على عمل المجمع الانتخابي، التركة الموروثة من القرن الثامن عشر. فان لكل ولاية صوتًا في المجمع الانتخابي عن كل عضو من اعضائها في مجلس النواب ومجلس الشيوخ. وبوجود 538 صوتاً في المجمع، فان الفائز يحتاج إلى 270 صوتاً للفوز. وإذا لم يحصل مرشح على هذا العدد، فإن مجلس النواب هو الذي يقرر الفائز بالرئاسة.

وكان توماس جيفرسن وآرون بار حصلا في عام 1800 على عدد متساوٍ من اصوات الناخبين. واتخذ مجلس النواب قراره لصالح جيفرسن. وفي عام 1824 لم يحصل أي من المرشحين الأربعة على أغلبية كافية من الأصوات وفاز المرشح جون كوينسي آدمز بالرئاسة في مجلس النواب، رغم تخلفه وراء اندرو جاكسون في عدد الأصوات الشعبية وأصوات المجمع الانتخابي على السواء.

وفاز الرئيسان الآخران رذرفورد هايس في عام 1876 وبنجامين هاريسون في عام 1888 داخل المجمع الانتخابي رغم خسارتهما اصوات الشعب.

وتعرض المجمع الانتخابي للهجوم من البداية تقريبًا. وعلى امتداد 200 سنة قُدم في الكونغرس أكثر من 700 مقترح لإلغائه أو تعديله، واقتُرحت تعديلات دستورية لتغيير النظام الانتخابي أكثر مما قُدم بشأن أي موضوع آخر، بحسب الأرشيف الوطني الأميركي. وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة غالوب العام الماضي ان 62 في المئة من الأميركيين، يؤيدون إجراء تعديل دستوري يرجح كفة أصوات الشعب لتكون هي الحاسمة.

وقال روبرت بينيت، استاذ القانون في جامعة نورثويسترن إن تكرار ما حدث عام 2000 سوى أن الفائز شعبيًا هو المرشح الجمهوري والفائز في المجمع الانتخابي هو المرشح الديمقراطي، سيعني أن كلا الحزبين اكتويا بالمجمع الانتخابي خلال فترة تمتد 12 عامًا، ومن شأن هذا أن يدفع إلى التفكير الجدي في إصلاح النظام.

الأبعد احتمالاً هو التعادل بحصول كل مرشح على 269 صوتاً في المجمع الانتخابي. وإذا حدث ذلك يضع الخبراء في تصورهم حملة quot;ما بعد انتخابيةquot; لإعادة فرز الأصوات في كل ولاية على حدة، وسيلا من الدعاوى القانونية والطعون في أهلية ناخبين للتصويت وجهودا لحمل اعضاء المجمع الانتخابي على تغيير موقفهم ومساومات وضغوطاً على أعضاء الكونغرس. وستكون النتيجة طريقاً طوله 11 أسبوعا من العقبات قبل يوم التنصيب، سيورث احساسًا باللايقين بين الأميركيين تجاه رئيسهم القادم، وما قد يترتب على ذلك من تقويض لمصداقية الفائز.

وقال بيل برتون الذي عمل في السابق مساعدًا للرئيس أوباما وأحد مؤسسي لجنة العمل السياسي لدعم أوباما إن لدى الحزب الديمقراطي خططاً كفيلة بالتعامل مع هذه الاحتمالات quot;ولكن احتمالات حدوث ذلك ضئيلة للغايةquot;.
وإذا لم تغير عمليات اعادة الفرز أي اصوات في المجمع الانتخابي سيكون بمقدور الجانبين أن يضغطا على أعضاء المجمع لتغيير موقفهم قبل اجتماعهم في عواصم الولايات في 17 كانون الأول (ديسمبر). وفي حين أن لدى أكثر من نصف الولايات قوانين هدفها إلزام اعضاء المجمع بالتصويت لصالح الفائز بأصوات الشعب في ولاياتهم، فإن بعض أعضاء المجمع من هذه الولايات، لم يلتزموا بهذه القاعدة في السابق. وفي عام 2004 كتب عضو المجمع عن ولاية منيسوتا اسم جون ادورد بدلا من اسم جون كيري.

وإذا قرر أعضاء في المجمع تغيير موقفهم فان القضية ستحال إلى مجلس النواب المنتخب حديثاً. وتحصل كل ولاية على صوت واحد بمعنى أن لولاية ديلاوير الصغيرة صلاحية ولاية كاليفورنيا العملاقة. وفي مجلس النواب الحالي، يسيطر الجمهوريون على 33 وفداً والديمقراطيون على 16 وهناك وفد منقسم بين الاثنين. ويعتقد قلة من المحللين أن الانتخابات ستغيّر قوام المجلس بما يكفي لتغيير ميزان القوى. وسيعطي هذا أفضلية للمرشح الجمهوري رومني رغم أن الضغط سيزداد شدة على المجمع إذا فاز أوباما بأصوات الشعب. ولكن حتى إذا فاز رومني داخل مجلس النواب فان هناك عقبة إضافية هي اختيار نائب الرئيس في مجلس الشيوخ الذي قد يبقى تحت سيطرة الديمقراطيين.

وإذا دخل التصويت في مجلس الشيوخ طريقًا مسدودًا بسبب التعادل، فان هذا التعادل يمكن أن يحسمه نائب الرئيس جوزيف بايدن بالتصويت لنفسه على ما يُفترض. وفي هذه الحالة يمكن أن تجد الولايات المتحدة نفسها برئيس جمهوري هو رومني، ونائب رئيس ديمقراطي هو بايدن.