عادت المظاهرات إلى شوارع جول الثورات من جديد في محاولة لاسترجاع الديمقراطية التي كانت الهدف الأساسي من الربيع العربي، وسط المخاوف التي بات يزرعها صعود الاسلام السياسي وسيطرت الحكومات الاسلامية.


بيروت: يثير صعود الإسلام السياسي في أعقاب الربيع العربي المخاوف من أن يتم فقدان الإنجازات الديمقراطية للثورة. ولذلك، عاد المواطنون في مصر وتونس إلى الشوارع مرة أخرى، لكنهم هذه المرة يهتفون ضد الإسلام السياسي. فهل هناك فرصة للعلمانية لتثبت نفسها من جديد؟
quot;أي شخص ينتقد الرئيس هو أسوأ من الزنادقة الذين هاجموا النبي في مكةquot; قال الإمام المصري خلال خطبته في المسجد، ثم سلّم الميكروفون إلى الرئيس محمد مرسي، داعياً إياه لمخاطبة المؤمنين، لكنه لم يحصل على فرصة للكلام.

quot;يسقط مرسي! يسقط الإخوان!quot; هتف مئات من الرجال الذين شقوا طريقهم إلى الصفوف الأمامية في المسجد يصرخون quot;لا للاستبدادquot;، معتبرين أنه من غير المقبول أن تجري مقارنة الرئيس بالنبي محمد.
خرج مرسي محاطاً بحراسه الشخصيين من المسجد يوم الجمعة في حادثة اعتبرت فضيحة وسابقة لم تشهدها مصر. لكنها كانت البداية فقط، إذ تجمهر أكثر من 100 ألف شخص في ميدان التحرير مرة أخرى للاحتجاج على تصرفات رئيسهم.

واعتبرت الـ quot;فورين بوليسيquot; في سياق تحليلها انه من المستبعد أن تهدأ التوترات في الشارع المصري عما قريب، ومن الصعب التنبؤ بنتيجة الصراع الحالي على السلطة. أما الرئيس الذي سلم نفسه صلاحيات خاصة جعلته أقرب إلى الديكتاتورية، فيبدو أنه غير متفائل من العاصفة التي يثيرها معظم المصريين العلمانيين.
في إجراءات وُصفت بالسريعة والمتهورة، أعطى مرسي نفسه صلاحيات تجعله فوق المؤسسات والقانون، كما أجرى تصويتاً على الدستور الجديد، الذي قررت فيه الجمعية التأسيسية، التي يسيطر عليها الإسلاميون، أن تصوت بوضوح لصالح الشريعة الإسلامية. ومن المتوقع أن يتم طرح مسودة الدستور للاستفتاء قريباً، لكن المعارضة لم تقبل وتبدو مصممة على عزل مرسي.
هذا يقول الكثير عن الدولة التي تعتبر الأكثر أهمية في العالم العربي الذي ما زال بدوره في بداية عملية التحول الديمقراطي. كما أنه يقدم مؤشرات عديدة على حال جماعة الإخوان، التي جاءت الى السلطة نتيجة الثورة الشعبية، فالحركة الإسلامية لديها عقود من الخبرة في التعامل مع الحكام المستبدين، إلا أنها لا تعرف شيئاً عن الحرية والتعددية، وفقاً للصحيفة.

الحركة الإسلامية تواجه النفور والمقاومة

بعد عامين من بداية الاضطرابات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، برز الإسلاميون على أنهم الفائز الأكبر في المعركة. لكن العديد ممن اعتبروا أن الثورات الشعبية ستؤدي إلى حكم ديمقراطي عادل، يعتبرون اليوم أن الربيع العربي تحوّل إلى quot;شتاء إسلاميquot;.
في العام 2011، كان العالم يعيش نشوة الفرح عندما نزل المتظاهرون إلى ميدان التحرير مطالبين بالحرية. لكن الإحباط عاد وأرخى بظلاله على الثورة الليبية عندما عرضت الميليشيات الليبية على شاشات التلفزيون جثة الديكتاتور السابق معمر القذافي ملطخة بالدماء. ووصل هذا اليأس إلى ذروته اليوم في ظل سفك الدماء اليومي في سوريا، حيث خرجت الثورة عن نطاق السيطرة.
العالم العربي أصبح من جديد مصدر قلق، وليس مبعث أمل بالنسبة للعالم الغربي. الإسلاميون يفوزون في الانتخابات ويشكلون الحكومات، حتى أن السلفيين المتشددين الذين وعدوا بالقضاء على الديمقراطية في أقرب وقت ممكن، تحولوا فجأة إلى لاعبين أساسيين في البلاد، ويريدون سلب الحريات التي حققتها المرأة العربية ونقل مؤسسات العدل والقضاء إلى علماء الدين. هل انتهت الثورة؟ ليس تماماً، فالنضال من أجل الروح العربية لم يُحسم بعد إذ أن حركات الإسلام السياسي التي بدأت باكتساب القوة تواجه الآن مقاومة واسعة.

تصدير الإسلام إلى ليبيا

بعد وقت قصير من انهيار نظام القذافي في صيف العام 2011، رأت جماعة الإخوان المسلمين في مصر أن الوقت قد حان لتصدير الراديكالية إلى ليبيا المجاورة، فأنشأوا فرع من جماعة الإخوان في مدينة بنغازي شرق ليبيا، إضافة إلى دار نشر للكتب ومحطة تلفزيونية.
لكن عند إجراء أول انتخابات برلمانية حرة في البلاد، خسر الإسلاميون المعركة بسهولة أمام quot;قوات التحالف الوطنيquot; الليبرالية.

التناقضات في اليمن وتونس

قبل بداية العام الحالي، قطعت اتحادات القبائل الأكثر أهمية في اليمن، حاشد وبكيل، كل اتصالاتها مع الخلايا الجهادية في البلاد. التعاون بين القبائل اليمنية والمتطرفين في بعض الأحيان لم يكن لأسباب أيديولوجية. بدلاً من ذلك، توافقت مصالحهم على التهريب والأموال وتجارة الأسلحة. لكن الطائرات الأميركية بدون طيار لمحاربة خلايا تنظيم القاعدة في البلاد، صعبت على الجماعات القبلية التعاون مع المتطرفين.
الأفكار الليبرالية اليوم هي الأكثر انتشاراً في أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية، مقارنة مع وضع البلاد خلال حكم علي عبدالله صالح. ومع ذلك، فالتناقضات تبدو واضحة في البلاد، إذ لا يجرؤ أي سياسي على الاعتراض على الشريعة الإسلامية التي تعتبر القاعدة الرئيسية للحكم في البلاد.
أما تونس، التي تعتبر الدولة الأكثر علمانية في العالم العربي، فهي لم تتغير كثيراً بعد تولي رئيس الوزراء حمادي الجبالي منصبه في أواخر العام 2011. وأكد حزب النهضة، وهو فرع من جماعة الإخوان المسلمين المصرية، مراراً وتكراراً أنه لا ينوي إدخال القانون الإسلامي أو الحد من حقوق المرأة.

حافظ الإسلاميون في تونس على تعهدهم، وحتى الآن لا تزال سياستهم معقولة مقارنة بنظرائهم في بلدان أخرى في المنطقة، لا سيما وانهم يراقبون اليوم مجريات اللعبة السياسية لمرسي في مصر.
وكتبت صحيفة quot;الفجرquot; المصرية أن الرئيس مرسي يخضع لعملية quot;إجهاض في الشهر الخامسquot;، في إشارة إلى الأشهر الخمسة التي مرت منذ استلامه الحكم.
وعلى الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين هي الكيان السياسي الأكثر تنظيماً، إلا أن المجتمع المصري التعددي يضع حدوداً لتقدمها في البلاد.

عدم اليقين في سوريا

السؤال الأبرز الذي يطرح في هذا السياق هو: ماذا سيحدث في سوريا في حال سقوط النظام؟ يبدو أن زوال الحكومة في دمشق بات قاب قوسين أو أدنى، لا سيما في ظل التطورات في الأسبوع الماضي، إذ يزعم الثوار أنهم أسقطوا طائرتي هليكوبتر عسكريتين بواسطة صواريخ أرض- جو، مما يشير إلى أن نظام الرئيس بشار الأسد صار مهدداً.
لا أحد يعرف بالضبط عدد الجهاديين الاجانب الذين تسللوا إلى ثورة سوريا، لكنهم بالتاكيد جزء من المعركة. وفي حال شهدت سوريا عملية انتقالية على غرار ما حدث في تونس ومصر، فمن المرجح أن جماعة الإخوان المسلمين ستكون من بين المجموعات الأولى التي ستسعى لحجز مقاعدها في دمشق.