تزايد نفوذ الجماعات المسلحة الإسلامية في مدينة حلب التي كانت تعتبر العاصمة الاقتصادية لسوريا، بينما تقلص نفوذ الجيش الحر، ويشعر الكثير من السكان بالقلقفي المدينة بسبب تحكم جبهة النصرة الإسلامية في زمام الأمور.

حلب (سوريا): في حلب، انحسر تدريجيًا وجود المجموعات المنضوية تحت لواء الجيش الحر مقابل تزايد نفوذ وانتشار المجموعات الأصولية وابرزها جبهة النصرة، على ما يروي سكان المدينة التي تشهد منذ اكثر من اربعة اشهر معارك دامية بين قوات النظام ومقاتلين معارضين له.
ولم يخفف الشعور بالرهبة الذي يثيره المقاتلون الاسلاميون، وغالبًا الخوف، من النقمة التي يشعر بها سكان حلب تجاه مقاتلي الجيش الحر. وقد عبروا اخيرًا عن ذلك في تظاهرات تطالب الجيش الحر بالذهاب الى الجبهة، وتدعو الى quot;تطهيرهquot;، في اول انتقادات بهذا الوضوح للمقاتلين الذين غزوا بسهولة نصف المدينة في تموز/يوليو.
وهناك شبه اجماع على أن المقاتلين الاسلاميين افضل تنظيمًا وتدريبًا من الكتائب والألوية التابعة للمجالس العسكرية أو تلك التي تقاتل تحت مظلة الجيش الحر، وعلى أنهم يركزون على القتال ولا يتدخلون في شؤون الناس.
في حين يؤخذ على شريحة واسعة من مقاتلي الجيش الحر قيامهم بعمليات ابتزاز أو خطف مقابل فديات، أو فرض خوات على اصحاب المؤسسات، وعمليات اعتقال وتحقيق مع سكان استنادًا الى شبهات واحيانًا وشاية كاذبة.
ويروي مجاهد، الموظف الحكومي، أن اشتباكات متواصلة لأكثر من اربعة ايام وقعت في حي الفردوس بين مجموعتين من الجيش الحر quot;بسبب خلاف على تقاسم بضائع مسروقة من احياء أخرىquot;.
والى جانب جبهة النصرة التي بات مقاتلوها ينتشرون على جبهات عدة في سوريا، يتحدث اهالي حلب عن وجود مقاتلين من كتيبتي quot;احرار الشامquot; وquot;غرباء الشامquot;.
ويقول استاذ مدرسة قدم نفسه باسم مصطفى (37 عامًا) لوكالة فرانس برس quot;لا شك أن جبهة النصرة هي الاشهر ضمن المجموعات الاصولية لجهة شراسة مقاتليها وخبرتهم القتالية العاليةquot;.
ويضيف مصطفى، وهو والد لخمسة اطفال ويسكن حي بستان الباشا حيث يتقاسم السيطرة لواء التوحيد وجبهة النصرة وغرباء الشام، quot;لا يلاحظ وجود عناصر جبهة النصرة وغرباء الشام إلا عند وجود محاولة الجيش (النظامي) لدخول الحي، فيتوافدون الى المنطقة باعداد كبيرة لمؤازرة عناصر لواء التوحيد ثم يختفون بعد انتهاء الاشتباكاتquot;.
في حي الكلاسة في جنوب المدينة، يروي سائق سيارة شاحنة يقدم نفسه باسم مأمون أن quot;هناك مجموعة صغيرة من جبهة النصرة في شارعنا، لكننا لا نراها سوى اثناء التحضير للهجمات أو صد هجوم للجيش السوري. عناصرها لا يقفون على الحواجز ولا يتواصلون مع السكان أو المارة بل يفضلون التزام مقرهم قرب جامع في المنطقةquot;.
وquot;جبهة النصرة لأهل الشامquot; منظمة سلفية جهادية غامضة لا يعرف عنها الكثير برزت اواخر العام الماضي بعد اشهر من بدء الاضطرابات في سوريا عندما راحت تتبنى عمليات تفجير بعضها انتحاري وقعت في مناطق مختلفة من سوريا عبر اشرطة فيديو وبيانات نشرت على شبكة الانترنت.
وبالاضافة الى السلوك، يختلف المقاتلون الاسلاميون عن المقاتلين المعارضين الآخرين ايضًا في مستوى التمويل والعتاد.
ويروي عبد الله، وهو اسم مستعار لموظف حكومي (32 عامًا) يقطن حي باب الحديد في حلب القديمة، أن quot;اغلب عناصر الجيش الحر شبان في مقتبل العمر وأحيانًا مراهقون يحملون أسلحة رشاشة، في حين أن عناصر جبهة النصرة أكبر سنًا، ويحملون بنادق حديثة ويرتدون الدروع ومعهم قنابل يدوية ومسدسات ويحملون اجهزة لاسلكيةquot;.
ويتابع عبد الله quot;في أيام رمضان، كان عناصر جبهة النصرة يقيمون موائد افطار تحوي على انواع من المشاوي واللحوم، في حين أن عناصر الجيش الحر قرب منزلي مثلاً كانوا يكتفون بساندويشquot;.
ويرى عبد الله أن كل هذا quot;يجعل العديد من الشبان المجندين في مجموعات تابعة للجيش الحر يرغبون في الانتقال الى صفوف المجموعات الأصوليةquot;.
ويوضح صحافي من حلب متابع لأمور المجموعات المسلحة أن عنصر المال يلعب دوراً كبيرًا داخل كل المجموعات المقاتلة المعارضة، ولعل هذا ما يعطي المجموعات الاصولية عنصر التفوق على الآخرين.
ويقول quot;داخل لواء التوحيد مثلاً (...) كل مجموعة تتبع لزعيم يقوم بتمويل عناصره من اموال تصله من الخارج أو من أموال فديات نتيجة عمليات الخطف. وغالبًا ما يلقب هذا الزعيم بالحجي للدلالة على مكانته الدينية ونزاهتهquot;.
ويشير الى وجود مجموعات مقاتلة في ريف حلب الشمالي quot;تتبع لزعماء كانوا في الأصل مهربي مواد محظورة على الحدود السورية التركيةquot;، مشيرًا الى أن quot;هذه المجموعات تتصارع في ما بينها وفي كثير من الأحيان تتطور هذه الصراعات الى اشتباكات مسلحة تستمر ايامًا وتنتهي بتدخل وجهاء لعقد هدنة بينهاquot;.
واضاف quot;اما مجموعات جبهة النصرة فلكل منها أميرها، وان كانت تقوم بعمليات خطف، فلا تفعل ذلك من اجل المال. ولم تسجل حادثة واحدة للتفاوض على اطلاق مخطوف لديها مقابل فدية ماليةquot;.
واذا كان ذلك يعني أن الجبهة تعتمد في تمويلها كليًا على الأموال الخارجية، الا أنه يؤشر ايضاً الى أن العديد من المخطوفين على ايدي هذه الجبهة يظل مصيرهم مجهولاً.