متظاهرون في البصرة يواجهون رجال الأمن

ترتفع أصوات في العراق مطالبة بإعادة إحياء التظاهرات المطالبة بالإصلاح والتغيير، بعد مرور عام كامل على الاحتجاجات التي شهدها هذا البلد، وتصدت لها السلطات بالقوة وبالوعد بالإصلاح وبالإغراء لعدد من المحتجين لشراء سكوتهم.


يستذكر شبان عراقيون، طمحوا إلى تغيير واقع بلدهم، الاحتجاجات الشعبية، التي تفجّرت قوية، وعمّت أنحاء البلاد، وأخافت السلطة منذ صدور بيانها الأول في مثل هذا اليوم من العام الماضي، فتصدت لها بالقوة وبالوعد بالإصلاح وبالإغراء لعدد من المحتجين لشراء سكوتهم، ثم عبرتشكيل مجموعات مناهضة، تقابلهم بشعارات ومطالب مضادة، الأمر الذي أخمد نار تلك الاحتجاجات وفتتتها، فلم يبق منها الآن غير الذكرى، برغم الأصوات التي ترتفع حاليًا لإحيائها.

ويقول شبان جمعوا قواهم، وخرجوا بقوة ليتظاهروا في ساحة التحرير في وسط بغداد في 25 شباط (فبراير) من العام الماضي، فيما أطلق عليه quot;يوم الغضبquot;، وحيث امتدت احتجاجاتهم إلى غالبية محافظات البلاد، ووصلت إلى إقليم كردستان الشمالي، بشكل أخاف السلطات، وجعلها تتعامل معها بأساليب تنوعت بين العنف والإغراء والوعود بالإصلاح والاستجابة للمطالب .. قالوا لـquot;إيلافquot; إنهم يعدّون العدة الآن لاستئناف احتجاجاتهم بعدما نجحت أساليب السلطات بعد أشهر من تلك الاحتجاجات في إخماد نارها، التي تأججت، وكادت أن تسقط مفسدين ومتسلطين على السلطة بعيدًا عن المتطلبات الوطنية لشعب أرهقته ممارسات لسلطات دكتاتورية مضت، وأوضاع صعبة حالية.

خرجت الاحتجاجات العراقية متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة، التي اندلعت في الوطن العربي في مطلع عام 2011،خاصة بالثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية، اللتين أطاحتا بالرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك.

وقاد هذه الاحتجاجات العراقية شبان يطالبون بالقضاء على الفساد وإيجاد فرص عمل لأعداد كبيرة من العاطلين، خاصة حملة الشهادات الجامعية، والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. فيما رصد المراقبون غيابًا للأحزاب والكتل السياسية والرموز الدينية، التي استحوذت على الشارع العراقي، بعد سقوط النظام السابق عام 2003.

أساليب السلطة لإخماد الاحتجاجات
فمنذ الوهلة الأولى، التي شعرت فيها السلطات بزخم التظاهرات وقوتها، التي كان يؤجّجها على الخصوص الفساد المالي الكبير الذي يضرب مفاصل الدولة بشكل خطر، أكدته منظمات دولية، وضعت العراق في قمة قائمة البلدان الأكثر فسادًا في العالم، ثم استشراء البطالة والنقص الكبير في الخدمات العامة في بلد يسبح على ثروة نفطية هائلة، دفعت بقيمة موازناته السنوية العامة إلى أن تلامس أو تتجاوز المليار دولار سنويًا.. فقد واجهت السلطات بقوة عنيفة مستخدمة قوات قمع الشغب المدربة أميركيًا المتظاهرت، وطوّقت احتجاجاتهم، وحصرتها في مناطق معينة، للحيلولة دون امتدادها إلى مناطق أخرى.

كما استخدمت السلطات (فزاعة) البعث، متهمة البعثيين بالوقوف وراء تظاهرات الاحتجاج لمأرب وغايات، إدّعت أنها تستهدف إسقاط العملية السياسية، والعودة بالبعث إلى السلطة.

وقد نجح هذا الإدعاء في إبعاد مجاميع من المواطنين البسطاء المتضررين الأكثر من أوضاع بلادهم عن هذه الاحتجاجات، حيث نأوا بأنفسهم عن الاتهامات التي قد توجّه إليهم بعلاقات مع البعث.

كما لجأت السلطات إلى اعتقال وملاحقة العشرات من المحتجين وترويعهم ورصد تحركاتهم والتضييق على الاتصالات في ما بينهم، الأمر الذي اضطرهم إلى عقد مؤتمر في مدينة إسطنبول التركية، وليس في بغداد، كما هو مفترض، وذلك في أيار (مايو) من العام الماضي.

على الجانب الآخر، فقد تصرف رئيس الوزراء العراقي سياسيًا بذكاء، ملقيًا بأسباب سوء الأوضاع على شركائه في الحكومة، واعدًا في خطاب إلى الأمّة بإصلاحات واسعة، ومانحًا وزراء الدولة وكبار مسؤوليها مهلة مائة يوم لتنفيذ مطالب المواطنين وتقديم إنجازات واضحة في عمل وزاراتهم.

ثم بدأت السلطات بالاتصال ببعض الرؤوس المنظمة للاحتجاجات، عارضة مغريات مادية ومهنية، نجحت في إبعاد عدد منهم عن ساحة التحرير في وسط العاصمة العراقية واحتجاجاتها الأسبوعية، التي كانت تنظم في كل يوم جمعة. ثم بدأ المالكي بعرض وزرائه على شاشات التلفزيون، ليقدموا جرد quot;الإنجازاتquot;، التي حققوها للشعب خلال المائة يوم هذه.

وفي آخر المطاف، دفعت السلطات بأفراد من أحزاب داعمة للحكومة، وخاصة من أبناء العشائر الذين أخذت تدفع لهم أموالاً وتستقدمهم بسيارات الدولة إلى ساحة التحرير للتظاهر مؤيدين لها ولنهجها السياسي ورافعين شعارات تتناغم وخططها السياسية وصورًا لمنافسين سياسيين بشكل مهين، كان في مقدمتهم زعيم الكتلة العراقية أياد علاوي، الذي شوّهت له صور رفعها أفراد منهم، الأمر الذي فجّر تراشقًا كلاميًا حادًا بينه وبين رئيس الوزراء نوري المالكي.

وقد دخلت هذه المجموعات، التي دفعت بها السلطات إلى ساحة التحرير فيوسط العاصمة، حيث الاحتجاجات الأسبوعية التي تنظم في كل يوم جمعة، في مواجهات علنية بالعصي والأسلحة البيضاء مع المحتجين، الذين تعرّضوا أكثر من مرة لاعتداءاتهم، التي ترافقت مع قمع القوات الأمنية لهم.

تطور الاحتجاجات في أنحاء العراق
في يوم 16 شباط (فبراير) كان فتى مراهق بين الأشخاص الذين قُتلوا في مدينة الكوتالواقعة في جنوب شرق بغداد خلال احتجاجات بدأت سلمية، وطالبت بتحسين الخدمات الأساسية، بما فيها إمدادات الماء والكهرباء. وفي اليوم التالي أطلقت قوات الأمن في كردستانالذخيرة الحية على المحتجين، فأصيب صبي في الخامسة عشرة من العمر في رأسه وتوفي على الفور.

ثم بلغت الاحتجاجات ذروتها في quot;يوم الغضبquot; يوم 25 شباط عندما خرج آلاف المتظاهرين في مسيرات، عمَّت مدناً مختلفة من العراق، ومنها إقليم كردستان. وفي الموصل وحدها، ذُكر أن خمسة أشخاص قُتلوا بالرصاص. وفي إقليم كردستان، لقي ما لا يقلّ عن ستة أشخاص حتفهم، نتيجة لاستخدام القوة على أيدي قوات الأمن الكردية.

ووجدت منظمة العفو الدولية أدلة مقلقة على وقوع اعتداءات استهدفت نشطاء سياسيين وعلى تعرّض الأشخاص المعتقلين بسبب الاحتجاجات للتعذيب وإساءة المعاملة وعلى شنّ هجمات أو إطلاق تهديدات ضد الصحافيين ووسائل الإعلام ومنتقدي الحكومة والأكاديميين والطلبة.

ففي 30 آذار (مارس) أعلنت السلطات العراقية في بغداد أن قوات الأمن التابعة لها تلقت أوامر بعدم استخدام الأسلحة النارية ضد المحتجين، إلا إذا كان ذلك دفاعاً عن النفس.

وشددت منظمة العفو الدولية قائلة quot;إن حكومتي بغداد وإقليم كردستان يجب أن تسيطرا على قوات الأمن، وأن تجريا تحقيقاً في حوادث استخدام القوة المفرطة وفي حوادث القتل والإصابات التي تسببت بها، إضافة إلى عمليات تعذيب وإساءة معاملة المحتجين ومحاسبة المسؤولين عن ذلك كله. وقالت quot;إن الطريقة الأسلم لنـزع فتيل التوترات في البلاد واستعادة الثقة العامة، تكمن في الكشف عن الحقيقة، وتحقيق العدالة، وجبر الضرر لأولئك الذين انتُهكت حقوقهمquot;.

العفو الدولية تدين العنف الحكومي المفرط
إزاء الاستخدام المفرط للعنف ضد المحتجين، فقد دعت منظمة العفو الدولية السلطات العراقية إلى حماية حقوق المحتجين في التظاهر السلمي، كما طالبتها بالتحقق في قمع قوات الأمن للاحتجاجات المطالبة بتحسين الخدمات الأساسية.

وقالت الجماعة المعنية بحقوق الإنسان إن قوات الأمن العراقية استخدمت القوة بشكل مفرط في بغداد وإقليم كردستان لقمع احتجاجات ضد الفساد وتردي الخدمات الأساسية في البلاد. وأضافتإن القوات المسلحة أو قوات الأمن أو الحرس الأمني أطلقت الذخيرة الحية في مناسبات عدة، مما أسفر عن مقتل أو إصابة محتجين ومارة.

كما دعت المنظمة السلطات العراقية إلى منع التعذيب الذي تمارسه قوات الأمن، التي quot;تكاد لا تخضعquot; لأي محاسبة، مشيرة إلى أنها حصلت على أدلة تؤكد تعذيب نشطاء أثناء احتجازهم، واستهداف صحافيين غطوا الاحتجاجات.

وقال مالكوم سمارت مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية:quot;إن السلطات العراقية يجب أن تضع حداً لاستخدام الترهيب والعنف ضد العراقيين، الذين يطالبون سلمياً بالإصلاحات السياسية والاقتصاديةquot;.

وأضاف quot;بعد مرور ثماني سنوات على انتهاء حكم صدام حسين الطويل والقمعي الصارخ، آن الأوان لأن يُسمح للعراقيين بممارسة حقوقهم في الاحتجاج السلمي وفي حرية التعبير بدون التعرّض للعنف على أيدي قوات الأمن الحكومية.. ويتعين على السلطات في بغداد وإقليم كردستان الكفّ عن عمليات القمع العنيفةquot;.

وأوضحت منظمة العفو الدولية أنها حصلت على صور فيديو، تُظهر قوات الأمن وهي تستخدم القوة المفرطة في حوادث عدة، وتطلق الذخيرة الحية، التي تسببت في قتل عدد من المحتجين.