عراقيون يستمعون إلى الحكيم

أكد رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي عمار الحكيم أن مسؤولية إنجاح القمة العربية المقبلة في بغداد لا تقع على العراق وحده، وإنما على العرب جميعاً داعياً الحكومة العراقية إلى تصفير الأزمات مع دول الجوار ومطالباً القوى العراقية بإنهاء خلافاتها السياسية وحذر من أن تصاعد العمليات الإرهابية التي تشهدها البلاد واحد من نتائج هذه الخلافات.


لندن: أكد رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي عمار الحكيم أن القمة العربية التي ستعقد في بغداد في 29 من الشهر الحالي لا تمثل تحدياً للعراق وحده وانما للعرب جميعاً، مشيراً إلى أن مسؤولية انجاح القمة ليست مسؤولية عراقية فحسب، وانما ايضا مسؤولية العرب جميعاً في ظل المرحلة الحساسة التي تعيشها البلدان العربية. وأوضح أن العراق، شعباً وحكومة، مهيأ لإستضافة القمة بعد أن أعد لها العدة على الصعد الامنية والخدماتية واللوجيستية وفي ظل تحديات كبيرة واجهتها الحكومة العراقية .

إنجاح القمة العربية

وأضاف الحكيم، في كلمة ألقاها خلال الملتقى الثقافي الأسبوعي للمجلس الأعلى بحضور جمع غفير من مواطني بغداد الليلة الماضية ،أن الكرة اليوم في ملعب القادة العرب في الاستجابة لدعوة العراق للمشاركة في القمة،داعياً القادة العرب بأن يتساموا على بعض الاشكاليات والحساسيات الضيقة وأن يشاركوا في القمة على اعلى المستويات، وطالبهم بعدم الإذعان والإستجابة إلى رسائل الإرهاب على اعتبار أن حضورهم سيساعد في حل قضايا الارهاب الذي بات يضرب في اكثر من دولة عربية .

وأشار إلى أن قمة بغداد ستتيح للعراقيين التعبير عن القضايا المختلفة على الصعد العربية أو الإقليمية أو الدولية، وهي فرصة كي يقف العراق ويعبر عن رؤيته ضمن بيان قمة بغداد الذي شدد على ضرورة أن يكون اعداده رصيناً، ومعبراً عن الارادة الوطنية تجاه الأزمات التي تواجه العرب، كما هو معبر عن رؤية العراق تجاه ما يجري في المحيط العربي والإقليمي والدولي.

واعتبر أن عقد القمة في بغداد سيكون فرصة ثمينة لتطوير ميثاق الجامعة العربية، المعد منذ العام 1945 وتجديده بما يحقق توازن وطموحات الشعوب العربية، مؤكداً ضرورة أن يشتمل ميثاق جامعة الدولة العربية على المفاهيم المهمة مثل التداول السلمي للسلطة والنظام الديموقراطي والتعددية والقبول بالآخر.

وأضاف أن قمة بغداد فرصة ذهبية أمام القادة العرب ليضعوا برنامجاً للإصلاح السياسي العربي المشترك يُعمل به في كل البلدان المنضوية تحت مظلة جامعة الدول العربية، مشيراً إلى أن اجتماعات القمة السابقة شهدت سبعة مشاريع للاصلاح السياسي من دون أن تأخذ مجالاً للتنفيذ.

وستعقد القمة العربية في الفترة من 27 إلى 29 من الشهر الحالي وستكون أول قمة تعقد في بغداد منذ غزو الرئيس العراقي السابق صدام حسين للكويت العام 1990، وتعتبر حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هذه القمة أهم حدث ديبلوماسي في العراق منذ سقوط نظامه السابق العام 2003 .
يذكر أن العراق استضاف القمة العربية لمرتين، الأولى بدورتها التاسعة العام 1978 والتي تقرر خلالها مقاطعة الشركات والمؤسسات العاملة في مصر التي تتعامل مباشرة مع إسرائيل وعدم الموافقة على اتفاقية كامب ديفيد، والثانية بدورتها الـثانية عشرة العام 1990 والتي شهدت خلافات كبيرة بين العراق ودولتي الكويت والإمارات العربية المتحدة وتبعها احتلال العراق للكويت واندلاع حرب الخليج الثانية العام 1991 .

وكانت القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في ليبيا في آذار (مارس) العام 2010 قد اتخذت قراراً بعقد القمة المقبلة في العراق على الرغم من أن البروتوكول المعمول به في الجامعة العربية يقر باستضافة مؤتمرات القمة بحسب الترتيب الأبجدي، حيث كان من المفترض عقد القمة السابقة في بغداد طبقاً لهذه القاعدة، إلا أنها عقدت في مدينة سرت الليبية بسبب المخاوف الأمنية في العراق الذي تنازل عن استضافة تلك القمة لليبيا .

تصفير الأزمات مع دول الجوار

وأضاف الحكيم أن التعايش والحوار الصريح هما المدخل الصحيح لحل العقد والإشكاليات مع الدول العربية والإقليمية والدولية، داعياً الحكومة العراقية إلى اعتماد مبدأ تصفير الأزمات كأساس في تعامل العراق مع ملفات الجوار والاقليم والعالم. وأشار إلى أن العراقيين لا يتحملون أخطاء النظام السابق، الذي حصد أرواحهم وعانوا منه قبل أن يعاني منه الشعب الكويتي مثلاً، مؤكداً على طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة على أساس المصالح بين العراق والكويت. يذكر أن العراق يجري اتصالات مع السعودية لإعادة كاملة للعلاقات بين البلدين ومع ايران لحل المشاكل الحدودية.

واعتبر الحكيم زيارة رئيس الوزارء العراقي إلى الكويت الأسبوع الماضي، خطوة في الاتجاه الصحيح، مشيراً إلى أنه لا يمكن توقع حلول سريعة وناجزة للمشاكل العالقة في زيارة واحدة أو زيارتين، مؤكداً أن المشاكل تحتاج إلى تواصل وزيارت متبادلة وتشكيل لجان مشتركة لحلحلتها. وقال إن المهم في الزيارة أنها جاءت وفق مبدأ تصفير الأزمات والإشكاليات داعياً القادة الكويتيين إلى زيارة العراق على أعلى المستويات، حاثاً الحكومة العراقية والكويتية على الحوار والتواصل بما يضمن حقوق الشعبين الكويتي والعراقي.

وطالب الحكومة العراقية اعتماد مبدأ تصفير الأزمات والمشاكل مع جميع دول الجوار والمنطقة واعتبارها إستراتيجية دائمة لا تتنازل عنها، وquot;أن نذهب حيثما حصلت مشكلة إلى صلبها ونعالجها، لأن هذا هو المدخل والطريق الصحيح لحل الإشكاليات ولا بد من الابتعاد عما يعكر صفو العلاقة بين العراق وبين الدول الاخرى، ولا بد من الدخول في صلب المشاكل الحقيقية وتفعيل اللجان المختصة للخروج بنتائج تضمن مصالح العراق، كما تضمن مصالح البلدان الأخرىquot; .

وكان المالكي أكد أمس على ضرورة انتهاج أسلوب الحوار والتفاهم، لمعالجة مشاكل المنطقة، معتبراً أن طريق العنف والقوة لا يعالج المشاكل بل يفاقمها، كما شدّد على الموضوع نفسه خلال اجتماع مع مستشار نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن لشؤون الأمن القومي توني بلنكن في بغداد.

واعتبر المالكي أن التطورات الجارية في المنطقة تستدعي حصول تغيير بالإتجاه الذي تريده الشعوب. ودعا إلى ضرورة إبقاء قنوات الحوار والتفاهم مفتوحة بين كل الأطراف لكي يتم تحقيق الأهداف المرجوة وإحداث التغيير المطلوب من دون الوقوع في الحروب والإقتتال الأهلي.

...وتصفيرها داخلياً

وحذر الحكيم من تحول الأزمة السياسية التي يمر بها العراق حالياً، إلى مرحلة العقدة السياسية التي ستشل الحركة وتجعل الجميع بحالة اشتباك وانفعال وتجعل المواطن يدفع ضريبة التشنجات السياسية .

وأضاف أن دعواته المستمرة لاعتماد الحوار تواجه دائماً بالرفض من البعض، واصفاً هؤلاء بأنهم لا يمتلكون الحنكة السياسية مخاطباً المعترضين على طاولة الحوار التي يدعو اليها، quot;أن يرشدونا إلى طريقة أخرى، غير الحوار لحل المشاكل وسنمضي معكمquot;. وشدد على استعداد المجلس الأعلى لتقديم ما بوسعه لحل الاشكاليات السياسية بين القوى العراقية داعياً لأن يكون الحوار مدخلاً اساسياً لحل الازمات... وتساءل قائلاً: هل التراشق الإعلامي عبر الفضائيات والتصريحات المتشنجة هو الحل ؟ وقال إن الجميع في سفينة واحدة وأن اكبر السفن تغرق من جراء ثقب واحد. واشار إلى أن المتراشقين ومتبادلي التهم واللعنات سيعودون إلى طاولة الحوار في النهاية... وقال: اذا كان الحوار هو الحل في النهاية، فلماذا لا يكون الحل في البداية من دون جر الشارع إلى الصراعات والتصدع ؟

وحذر الحكيم السياسيين من حكم التاريخ عليهم، وقال بإنه لا يرحم وسيلاحق كل من لم يتخذ خطوات باتجاه اشاعة المحبة والوئام والتعايش، داعياً الكتل السياسية إلى تصفير الأزمات في ما بينها والجلوس إلى طاولة واحدة كي يشعر العراقيون أنهم وضعوا ثقتهم بقوى سياسية حريصة ومسؤولة.

يذكر أن العراق يعيش أزمة سياسية كبيرة هي الأولى بعد الانسحاب الأميركي أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي على خلفية إصدار مذكرة قبض ضد نائب رئيس الجمهورية القيادي في القائمة العراقية طارق الهاشمي، بعد اتهامه بدعم الإرهاب وذلك في 19 من الشهر نفسه، وتقديم رئيس الوزراء نوري المالكي طلباً إلى مجلس النواب بسحب الثقة عن نائبه صالح المطلك القيادي في القائمة العراقية أيضا،ً بعد وصف الأخير للمالكي بأنه quot;ديكتاتور لا يبنيquot;، الأمر الذي دفع العراقية إلى تعليق عضويتها في مجلسي الوزراء والنواب، وتقديمها طلباً إلى البرلمان بحجب الثقة عن المالكي قبل أن تقرر في 29 من كانون الثاني (يناير) الماضي العودة إلى جلسات مجلس النواب، ثم تعود في السادس من شباط (فبراير) الماضي لتقرر إنهاء مقاطعة مجلس الوزراء وعودة جميع وزرائها لحضور جلسات المجلس.

الإرهاب يتصيد في ماء السياسة العكر

وحول تصاعد العمليات الإرهابية التي يشهدها العراق، فقد أكد رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي أن الارهاب يتصيد بماء السياسة العكر، وأنه كلما تعكر ماء السياسة كلما وجد الارهاب مدخلًا لبث سمومه في اشارة إلى سقوط اكثر من 300 عراقي بين قتيل وجريح الثلاثاء الماضي.

واعتبر الحكيم أن الارهاب فايروس يعيش في البيئات الملوثة داعياً السياسيين إلى تصفية مياههم كي يموت الإرهاب من نفسه، مشدداً على ضرورة الوئام والتعايش والمحبة التي ستضيع الفرصة على الارهابيين. وطالب الأجهزة الأمنية بالضرب بيد من حديد وتوجيه ضربات استباقية للارهاب، معتبراً في الوقت نفسه أن الحل الأمني وحده لا ينهي مشكلة الإرهاب الذي يحاول أن يخلط الاوراق ويحاول أن يبعث رسالة تقول إنه يمتلك زمام المبادرة والقدرة على منع العراقيين من الجلوس إلى طاولة الحوار. وقال إن العزيمة التي يتحلى بها المواطنون هي التي تجعل العراق منتصراً في معركته مع الارهاب التي اوشكت على النهاية .

ويوم أمس، أعلنت جماعة دولة العراق الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن عشرات التفجيرات التي قتل فيها 52 شخصاً في أنحاء العراق الثلاثاء الماضي واستهدفت تقويض إجراءات الأمن قبل القمة العربية التي من المقرر عقدها في بغداد الأسبوع المقبل. وكانت هذه التفجيراتالاكثر دموية في العراق منذ حوالي الشهر، وأحدث هجمات تستهدف قوات الشرطة العراقية بشكل أساسي، تعلن دولة العراق الإسلامية مسؤوليتها عنها هذا العام.

وقالت الجماعة في بيان لهاإن هجمات الثلاثاء التي اشتملت على 30 تفجيراً في مدن وبلدات بأنحاء متفرقة من العراق وأسفرت عن مقتل 52 شخصاً وإصابة 250 آخرين استهدفت حملة أمنية قبل القمة العربية المقررة في بغداد. واضافت أن التفجيرات هدفت إلى quot;ضرب الخطة الامنية التي اعلنت عنها حكومة المنطقة الخضراء استعداداً لاجتماع الطواغيت العرب في بغدادquot;.
ولا تزال التفجيرات والهجمات تقع بشكل شبه يومي في العراق على الرغم من تراجع العنف منذ أن وصل إلى أوجه في الصراع الطائفي في العامين 2006 و2007 .