رياض البهادلي يحمل صورة شقيقة وليد الذي قتل

في جميع أنحاء البلاد، تعود العائلات النازحة إلى بيوتها مرة أخرى، لكن بدلاً من المصالحة التي تشتد الحاجة إليها في الأحياء المتنوعة، ينظر البعض إلى عودة النازحين كسبب في إحياء مشاعر الاستياء والشكوك الناجمة عن عمليات التطهير الدموية التي قسمت العراق إلى مناطق سنية وشيعية وكردية بعد الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية في العام 2003.


على الرغم من أن الفرق المسلّحة بدأت بقتل جيرانه، وبعد أن بدأت الجثث بالتكوم في الشوارع حول منزله وفرار عائلته خوفاً من المصير ذاته، بقي وليد البهادلي مؤمناً بتنوع quot;حي العدلquot; الذي نشأ فيه وسط جيران ميسورين ومن طوائف مختلفة.

وليد مواطن عراقي شيعي، نشأ في حي العدل خلال الستينات، عندما عاش السنة والشيعة جنباً الى جنب في قصور مظللة بأشجار النخيل. وعندما اضطر للفرار خوفاً على سلامة أسرته، تعهد بالعودة يوماً ما. لكن عائلة البهادلي اكتشفت، مثل مئات الآلاف من العراقيين الذين يسعون الآن إلى العودة إلى المناطق التي فروا منها خلال الأوقات العصيبة، أن العودة إلى منازلهم مرة أخرى ليست سهلة على الإطلاق.

وفي هذا السايق، أشارت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; ان المهجرين العراقيين وجدوا أنفسهم على طول الجبهة المقبلة من حالة اضطراب لن تمر بسهولة، إذ أن العراق الذي انتهى من حربه الأخيرة، يبدو مقبلاً على حرب من نوع آخر: quot;معركة العودةquot;.

وفي أماكن مثل حي العدل، تعتبر بعض الأسر الشيعية ان العائلات السنية التي بقيت في المنطقة، بمثابة quot;شريك متواطئquot; مع المسلحين السنة الذين يمارسون أعمال العنف التي اجتاحت العديد من الأحياء المختلطة.

لكن العديد من العائلات السنية تقول انها تشعر وكأنها مطاردة من قبل الشيعة الذين يعودون إلى أحيائهم، ويتمتعون - لأول مرة منذ قرون ndash; بدعم من قبل الحكومة والجيش.

وفي عام 2011، ارتفع عدد العائدين إلى العراق بنسبة 120 في المئة عن العام السابق، اي إلى 260690عائلة، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وعاد هؤلاء بعد ان تحسنت الأوضاع الأمنية، وبفضل مدفوعات أكبر لتسجيل العراقيين هي الأعلى منذ سقوط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2004، عندما أدت الفوضى إلى فتح أبواب العودة للآلاف الذين فروا من وحشيته، والذين عانوا من الترحيل القسري والعقوبات.

واعتبرت الصحيفة أن عودة المهجرين إلى منازلهم ستكون اختباراً ما إذا كان العراق قادر على تخطي الأزمات الطائفية التي تشوه الحياة السياسية وتقوض أمنها. أما بالنسبة لقصة آل بهادلي، فمجريات الأحداث ستكون بمثابة دليل على أن العودة تتطلب الصداقة والمغفرة، لكن سيواجهها الدم وانعدام الثقة.

وبعد حرب العام 2003، أصبح حي العدل العراقي معسكراً للمسلحين السنة في غرب بغداد، حيث نفذوا أعمال التعذيب في المنازل التي استولوا عليها واشتبكوا مع الميليشيات الشيعية التي كانت تسيطر على حي مجاور.

وأدت هذه الأحداث إلى فرار كل العائلات الشيعية، بعد أن قتل 300 شخص في الحي الذي يضم نحو 1،500 إلى 2،000 أسرة.

أما اليوم، ومع عودة المهجرين إلى بيوتهم، بات حي العدل مكتظاً بعلامات عودة الشيعة، إذ ترتفع على طول الشوارع الرئيسية الأعلام السوداء والخضراء والحمراء، التي تدل على الشهادة والحداد، وتصطف الصور التي يظهر فيها رجال الدين الشيعة، الأحياء منهم والأموات، كما تم افتتاح مسجد الجديد لأتباع رجل الدين الشيعي الراديكالي مقتدى الصدر.

وبالنسبة للمسلمين الشيعة الذين عادوا خلال السنوات القليلة الماضية، تعتبر هذه علامات على تأكيد الهوية. لكن السنة يقولون انه ارسالة المبتغاة هي أن quot;الشيعة يسيطرون على حي العدلquot;.

وقال محمد العاني (35 عاماً) وهو موظف حكومي من الطائفة السنية: quot;انهم يعتبروننا تهديداً، ويريدون أن نعاني كما عانوا هم في الماضي. وبما أنني انتمي إلى الطائفة السنية، فإني أشعر بالخوف عندما أعود إلى منزلي وأظل أفكر أنهم سوف يقومون باعتقاليquot;.

وتتذمر العائلات السنية من تعرضها للمضايقات عند نقاط التفتيش المؤدية الى حي العدل، ويقولون أن الجنود يسمحون للشيعة بالدخول لكنهم يطلبون الأوراق الثبوتية الخاصة بالسنة قبل أن يسمحوا لهم بالمرور. وكل بضعة أسابيع، يقول السكان السنة، ان الجنود الموالين للمالكي يداهمون منازلهم. لكن الشكوك ليس من جانب واحد.

ويتدافع داخل سوق الرابية العراقي، المتسوقون من كل الطوائف والخلفيات السياسية لشراء حلوى السمسم المعقود quot;السمسميةquot; والتمر ولحم الضأن المشوي. ويقول صاحب احدى المتاجر، سعد حميد مجيد، إن علاقات عميقة تربطه بالسنة والشيعة على حد سواء في حي العدل.

لكنه يعترف انه لا يزال حذراً من جيرانه الذين بقوا عندما لاذ هو والعائلات الشيعية الأخرى بالفرار. ويقول ان العديد من العائلات السنية وقفت متفرجة عندما أخلى جيرانهم الشيعة منازاهم، ويشير إلى أن آخرين أخذوا المنازل بوضع اليد وقدموها للمتشددين السنة، وباتوا بمثابة جواسيس يقدمون معلومات عن جيرانهم من الشيعة.

وأضاف: quot;قلنا لجيراننا السنة اننا إخوة، ويمكن أن نعيش معاً، لكنهم ليسوا سعداء بعودتنا، ويمكن أن ترى ذلك في عيونهمquot;.

وفي عام 2008، وبعد ثلاث سنوات من التشرد، عاد وليد البهادلي وعائلته إلى منزلهم، ووجدوا أنه تحوّل إلى حطام. لكن انحسار العنف أعطاهم مساحة لإعادة البناء فاشترت العائلة أرائك جديدة وأثاث للصالون، وطيور جديدة تغرّد في أقفاص الفناء الخلفي.

وبعد عودتهم بوقت قصير، أصبح وليد رئيساً لبلدية الحي، فوظّف ناس لجمع القمامة ودفع فواتير البقالة للأرامل، وتوسط في عدد لا يحصى من الاشكالات، في حين أعادت عائلته فتح متجر مثلجات quot;الآيس كريمquot; الذي كانت تملكه قبل فرارها.

ويقول رياض البهادلي شقيق وليد: quot;كنا حذرين في البداية، واتخذنا تدابير لحماية أنفسنا، فكنا نخرج من المنزل معاً. لكن يوماً بعد يوم، بدأنا نشعر بالأمانquot;. واشار إلى أن شقيقه كان يشعر وكأنه استعاد حي العدل، وأن الجيران كلهم يقومون بحمايته ويحبونه.

لكن يوم 17 كانون الثاني/يناير، كان وليد عائداً إلى منزله من محل المثلجات مع ابنته وحفيده (عامين) عندما تصدى لهم رجلان امام مدخل المنزل وأطلقا النار عليهم. قتل وليد البهادلي وحفيده، بينما نجت ابنته التي أصيبت برصاصة مرت من خلال يدها لتستقر في جمجمة ابنها. ألقي القبض على الرجلين (ينتميان إلى الطائفة السنية).

وقال أفراد عائلة البهادلي ان وليد قتل لأنه كان واحدا من الشخصيات الشيعية البارزة في حي العدل. بعد بضعة أيام من جنازته، وسط حشد من السكان السنة والشيعة، اجتمع شيوخ القبائل والزعماء في حي العدل وحثوا الأسرة على عدم الرحيل.

وعلى الرغم من أن العائلة بقيت في منزلها، إلا أن افرادها يعيشون اليوم في رعب يومي، فربة المنزل تبكي وتتوسل أبناءها الآخرين للرحيل مرة أخرى. وفي الآونة الأخيرة، قامت سيارة بدورية حول المنزل لمرتين في ما يشتبه أنه تحضيراً لهجوم آخر.

وعلى الرغم من ان اثنين من السنة قاما بقتل وليد البهادلي، يشعر الكثير من سكان الحي من الطائفة السنية بالحزن على وفاته، في حين يتخوفون من أن تجلب هذه الحادثة اعمال انتقام في حقهم.