يقف مصطفى الشيباني عند مدخل مكبّ النفايات الرئيس في طرابلس، وهو يرتدي بدلة صاعقة مموهة، وتعبيرات وجهه تقول إن أياً من سيارات جمع القمامة لن تدخل المكب. وعلى مدار أربعة أشهر، لم تدخل سيارة واحدة إلى هناك، في الوقت الذي تكتظ فيه العاصمة بقمامة لم يتم تجميعها.


ليبيا تواجه صعوبات انتقالية في فترة ما بعد رحيل القذافي

أشرف أبوجلالة من القاهرة: يعتبر مصطفى الشيباني واحداً من آلاف المقاتلين الذين ما زالوا يحملون سلاحاً ونجحوا من قبل في الإطاحة بالطاغية الليبي معمّر القذافي خلال الانتفاضة الدموية التي شهدتها البلاد العام الماضي. والآن، هو من السكان المقيمين بالقرب من المكب، والذين يمارسون حريتهم المكتشفة حديثاً، بإعلانهم عن رفضهم استقبال قمامة العاصمة، مؤكدين أنها من الممكن أن توضع في أي مكان إلا عندهم.

وأوردت في هذا الصدد صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن الشيباني، الذي كان يعمل كاتب عدل قبل الثورة، قوله: quot;سنموت قبل أن نسمح لهم بفتح المكب مرة أخرىquot;.

وأعقبت الصحيفة بقولها إن ليبيا، المليئة بزهور برية صفراء مبتهجة بعد عام من بدء الربيع العربي، تتعلم في تلك الأثناء درساً قاتماً، هو أن الوحدة لا تزدهر بسهولة في منطقة، لطالما تمركزت فيها عملية صنع القرار في أيدي فئة قليلة، ولطالما تجاوز فيها الحكام المستبدون ذوو القبضة الحديدة الاختلافات الثقافية والدينية والعرقية.

ثم نوّهت الصحيفة بأن العام الذي تلى رحيل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، في الجارة مصر، قد اتّسم بحالة من الانهيار في القانون والنظام، وبتوترات بين الإسلاميين المتشددين والليبراليين العلمانيين. وفي سوريا، برز الانتماء الديني، باعتباره خطاً فاصلاً مهماً في الوقت الذي يخوض فيه الجيش معركةً مع قوات الثوار، ما تسبب بإشعال مخاوف من احتمالية نشوب حرب أوسع في النطاق هناك.

وبعد مرور خمسة أشهر على مقتل العقيد الليبي معمّر القذافي، الذي نجح في الاحتفاظ بوحدة البلاد عن طريق القوة الغاشمة، بدأ يتساءل الناس هناك عمّا إن كانت هناك طريقة أخرى يمكنهم أن يفعلوا بها ذلك أم لا. ومع إغلاق المكب منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بدأ يلقي سكان طرابلس أكياس قمامتهم داخل قصر القذافي السابق.

مع هذا، بدأ يتراكم مليون طن من القمامة على الأقل على امتداد شوارع المدينة، ما أدى إلى خلق أزمة بيئية وشيكة، على حسب ما قال عدنان القروي، الرئيس المتطوع لمجلس طرابلس التنفيذي، الذي يحاول أن يسيِّر شؤون البلاد.

هذا وسبق لكثيرين أن اشتكوا من المكب القديم، الذي أنشأه القذافي قبل 11 عاماً، نتيجة لتسببه بتلويث المجاري المائية وتوليد الأمراض. وذلك في الوقت الذي أعلن فيه مسؤولو مدينة طرابلس عن نيتهم بناء مكب صحي جديد عمّا قريب، وأن يتحمّلوا النفقات الخاصة بتوفير مياه نظيفة ورعاية صحية ومساعدات أخرى للأسر المقيمة قرب المكب القديم.

لكن القرويّ شدّد على ضرورة أن يعاد فتح المكب القديم، ولو بصورة موقتة على الأقل، منوهاً في هذا السياق بأنه لا يستبعد اللجوء إلى القوة. وتابع حديثه بالقول: quot;لقد أمهلتم القذافي 11 عاماً، ولا تريدون إمهال حكومتكم الجديدة عاماً واحداً فقط؟quot;.

وبدلاً من ذلك، لفتت الصحيفة إلى أن رجال الميليشيات المتنافسين، بعضهم مخمور، ومعظمهم عاطل عن العمل، يتصارعون في ما بينهم من أجل فرض النفوذ على العاصمة.

وتابعت الصحيفة بنقلها عن السادات البدري، نائب رئيس مجلس طرابلس المحلي، قوله: quot;كل شيء مشدود هنا، ونحن نعلم ذلك. وقد انتقلنا من دكتاتورية تامة إلى حرية تامة في خطوة واحدة، والكل يفعل تحديداً ما يريد أن يفعلهquot;. وعلى عكس مبارك في مصر، فإن القذافي لم يترك وراءه أساسيات لوزارات عاملة يمكن الارتكاز عليها، أو موظفي خدمة مدنية فعالة لإعادة الاعتماد عليهم لعصر المساءلة.

وأضاف المبارك سلطان، أستاذ في علوم الحاسب في مدينة بنغازي والمدون والمعلق الشهير: quot;لم تكن هناك قوانين أو قواعد. بل كانت الكلمة لرجل واحد فقط. ومن حيث المفاهيم الحكومية، يمكن القول إن ليبيا كانت مزرعة. وقد لقي المزارع حتفهquot;.

وواصلت الصحيفة بإشارتها إلى أن المتظاهرين ينزلون إلى الشارع بصورة يومية، مطالبين بالخدمات، ومتهمين أعضاء المجلس المحلي بالفساد كسابقيهم أيام القذافي. وفي المقابل، يصف المسؤولون المتظاهرين بأنهم دمى في أيدي أتباع القذافي.

وفي ظل حالة التخبط التي لا تزال تعيشها البلاد على مستويات عدة، يعترف مسؤولو وزارة الداخلية بأنهم لا يحظون بأي سلطة في ما يتعلق بعمليات النهب وإطلاق النار. وربما أدت الفوضى الحاصلة داخل وحول طرابلس إلى تسريع وتيرة النداءات المطالِبة بحكم ذاتي إقليمي، بدأت تتردد أصداؤه في النصف الشرقي من البلاد.