تتركز أغلبية المتسولين أمام المساجد والمحلات التجارية

رغم أنه لا داعي بعد لدقّ ناقوس الخطر إزاء ظاهرة التسول في الإمارات العربية المتحدة لانحسارها في الزمان والمكان، إلا أن التسول ليس مختفيًا تماماً في هذه الديار إذ يشهد ازدهاراً في المواعيد والمناسبات الدينية خصوصاً. في بلد يُعتبر فيه الدخل الفردي من بين أعلى المداخيل على مستوى المنطقة وعلى مستوى العالم، ويمثل رصد حالات التسول حدثاً في حد ذاته، يستوجب التوقف عنده...



يطرقون أبواب المنازل ساعةً، يطلبون معونة علاج، وساعةً أخرى تراهم يغزون المساجد والأسواق يمدون الأيادي ويسردون قصصهم على المصلين والمارة علّهم يظفرون بصدقة تشفي الغليل. المساجد طبعاً، استجداءً للمشاعر الدينية و الإنسانية فيما المحلات والأسواق لحتمية توفر quot;السيولةquot;.

قانون دولة الإمارات واضح وقاطع في هذه المسألة حسب النظام الخاص بالأوامر والقرارات المشروعة الذي ينصّ على أن التسول ممنوع وهو يشمل طلب الحاجة من الأشخاص والبيوت و المحلات. و تُلزم الوزارات المختصة والدوائر الحكومية المعنية المكلفة قانوناً بمكافحة هذه الظاهرة.

بين التسفير والسجن

خميس مطر المزينة نائب القائد العام لشرطة دبي

تنقسم وضعيات التسول إلى حالتين: حالة أولى يكون فيها الشخص وافداً وموجوداً في الدولة عبر تأشيرة سياحية، يتم في هذه الحالة التأكد من عملية دخوله ومن ثمّ يقع تطبيق قوانين الهجرة عليه عبر تسفيره من البلد بشكل مباشر ودون المرور بالمراحل القضائية، طبعاً بعد تأكيد فعل التسول عليه. أما الحالة القانونية الثانية فهي تشمل الوافدين على الدولة حاملي تأشيرة الإقامة والمواطنين الإماراتيين جنباً إلى جنب، وتتراوح عقوبة التسول بالسجن بين شهر وثلاثة أشهر حسب قرار النيابة المختصة التي تقوم بعملية التحقيق وبعد توجيه إنذار إلى المعني بالأمر عند الضبط في المرة الأولى.

وكشف اللواء خميس مطر المزينة نائب القائد العام لشرطة دبي لإيلاف أن :quot; ضبط المتسولين يتم بواسطة فرق مشتركة بين بلدية دبي والقيادة العامة لشرطة دبي التي تتولى عملية المتابعةquot;. ثم يضيف: quot;نحن لا نعتبر التسول جريمةً كبرى إلا أن القانون يتعامل معه بحزم: quot;الشخص عندما يأتي إلى البلد، هو يقوم بذلك بنية الاستثمار أو العمل، أما القدوم بغرض التسول فهو مرفوض تماماً خصوصاً إذا ما كان المتهم قد قدم بيانات غير صحيحة عند الحصول على تأشيرة سياحية. وفي حين ُضبط بحال التسول، تنتفي البيانات التي قدمها بغرض الحصول على تأشيرة سياحية ومن مصلحة الأمن العام أن يتم إبعادهquot;.

التسول الفردي للآسيويين و الشبكات وراءها أشخاص من جنسيات عربية

يُذكر أنه قد تم إيقاف 675 شخصاً بداعي التسول سنة 2011 أي بنقص طفيف عن السنة التي قبلها (714) وتشكل الجنسيات الآسيوية أكبر نسبة من عدد من الموقوفين حسب إحصائيات شرطة دبي. فيما تتصدر الجنسيات العربية صدارة فعل التسول عبر شبكات منظمة: quot;وإن كانت الغالبية العظمى من المتسولين يقومون بذلك بصفة فردية إلا أنه تجب الإشارة إلى وجود مجموعات يتم جلبها عن طريق تأشيرات زيارة بطريقة احتيالية...وقد ضبطنا أشخاصاً يؤجرون شققاً لهؤلاء الأفراد ثم ينزلونهم في الصباح الباكر أمام المساجد والمراكز التجارية وأغلب الشبكات وراءها أشخاص من جنسيات عربيةquot; كما كشف عن ذلك نائب القيادة العامة لشرطة دبي.

وللحيلولة دون ولوج شبكات خارجية إلى الدولة بغرض التسول، تتخذ الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب إجراءات ردعية لمعاقبة الشركات السياحية التي تكفل المتسولين وتوفر لهم تأشيرات زيارة في تعدّ صارخ للقانون.

ويعلّق سالم ناصر أحد ساكني منطقة الكرامة أن السوق في هذه المنطقة تستهوي المتسولين:quot;معظمهم قادرون على العمل والإنتاج، لكنهم اتخذوا التسول مهنة تدر عليهم دخلاً مغرياً من دون جهد كبير بسبب تعاطف الناس معهم والانخداع بأكاذيبهم. بعضهم يدعي الإعاقة و البعض الآخر يختلق قصصاً وهمية تتراوح بين طلب مصاريف علاج لأمراض وهمية تستند على شهادات طبية مزيفة أو فقدان الزوج و رعاية أيتام إلى غير ذلك من الأساليب المبتذلة التي تعتمد على استجداء الشفقةquot;.

وتحدث بعض المصادر المسؤولة في شرطة دبي بأن خطورة المتسولين تكمن في كون عدد منهم يقومون بعمليات سرقة بالأساس بعد أن يقصدوا البيوت ويقومون بمعاينتها وتحديد ما إذا كانت خالية من السكان أم مأهولة للعودة إليها لاحقاً.

المساعدة المالية لمن يحتاجها حقاًّ
غير أن مسألة التسول كما كل الأمور، لا يمكن أن تقع مقاربتها على المستوى الأمني فقط. فالمسألة يتداخل فيها الجانب الاجتماعي بالأمني وربما النفسي. وفي هذا الصدد يعلق مطر المزينة: quot;دولة الإمارات يوجد بها مؤسسات خيرية مرخص لها قانونياً وإذا كان الشخص يريد أن يقدم إعانةً، عليه أن يتوجه إلى هذه المنظمات وهي تعرف كيف توزعها على من يحتاجها. وحتى إن لم تستطع الوصول إليهم، هم سيصلون إليك لتوجيه الإعانة للفئة المحتاجة حقاً. التسول يعطي انطباعاً سيئاً عن البلد، لماذا لا يلتجأ هؤلاء الأشخاص للجمعيات إذا كانت ظروفهم الاجتماعية تستدعي فعلاً التدخل. عند هذه المنظمات ما يسمى جهة البحث، يتحرّون عن الأفراد الذين يتوجهون إليهم وإذا ما كانت الحالة تستدعي تدخلاً إنسانياً يقومون بذلك حسب القيمة التي يقررونها فليست هناك معايير ثابتة... لكن يجب أن يكون المعني بالأمر إما مقيماً أو مواطناً إماراتياً لا يمكنك أن تحمل تأشيرة سياحية وتطلب مساعدةquot;.

يُذكر أن النيابة العامة في دبي بالتعاون مع النيابة العامة في الإمارة و دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري والإدارة العامة لشؤون الأجانب وضعت رقماً مجانياً يعمل على مدار الساعة للإبلاغ عن حالات التسول التي يتم رصدها. فيما أهاب نائب القائد العام لشرطة دبي بالمواطنين عدم الانسياق وراء العواطف في ظل وجود مؤسسات مشروعة تسهر على هذه الأمور.