أثارت دعوات قيادات نهضوية تونسية من بينها رئيس المكتب السياسي للنهضة عامر العريض إلى خصخصة الإعلام العمومي، ردود فعل منددة ورافضة لمبدأ تحويل الإعلام العمومي إلى القطاع الخاص. يأتي ذلك في خضم صراع بات واضحًا بين الحكومة والاعلام الحكومي.

الحكومة التونسية تتهم الاعلام الرسمي بالتجني عليها وتتجه نحو خصخصته بدعوى اصلاح قطاع الاعلام

تونس: الدعوة إلى خصخصة قطاع الاعلام التي صدرت عن رئيس المكتب السياسي للنهضة عامر العريض، أكدها بدوره الشيخ راشد الغنوشي رئيس النهضة في حوار لإحدى الصحف الخليجية حول إجراءات جذرية مرتقبة من بينها خصخصة الإعلام العمومي سعيًا إلى إصلاح قطاع الإعلام.

مواقف رافضة

الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال أصدرت بيانًا اطلعت عليه quot;إيلافquot; جاء فيه أنّ:quot; الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال تحذّر من خطورة التصريحات الصحافيّة المتواترة لقياديين في حركة النهضة من بينهم رئيسها السيد راشد الغنوشي بشأن اتخاذ إجراءات راديكالية في حقّ الإعلام مثل خصخصة المؤسسات الإعلامية العمومية التي ضحى الشعب التونسي من أجل بنائها إثر الاستقلال وحرّرها من قبضة حاكم فاسد ومستبد يوم 14 جانفي/ يناير 2011quot;.

وقالت الهيئة التي تشكلت بعد ثورة يناير وقدمت مشاريع قوانين لتسيير القطاع خلال الفترة الانتقالية:quot; إزاء هذه التصريحات المحيّرة والخطيرة، فإن مسار إصلاح قطاع الإعلام الذي تعرّض في العقدين الماضيين لعملية تدمير وإفساد لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصحافة التونسية، لا يمكن أن يكلّل بالنجاح من دون إرادة سياسية صادقة تعزف عن كيل التهم الظالمة للصحافيين وإتباع نفس الأسلوب الذي اعتمده مستشارو الرئيس السابق بن علي في تعيين مديري المؤسسات الإعلامية العمومية ومجالس إداراتها. وعوضًا عن ذلك يجب تمهيد السبل للهياكل المستقلة لإجراء تشخيص وتدقيق شاملين لسوء التصرّف والفساد اللذين نخرا قطاع الإعلام ولفتح باب الحوار الجدي مع أهل المهنة والخبرة من أجل حماية حقّ المواطن التونسي في إعلام حرّ وتعددي وملتزم بمعايير المهنة الصحافيّة وأخلاقياتهاquot;.

وتشهد العلاقة بين حركة النهضة الاسلامية التي تحكم تونس بمعيّة حزبين علمانيين، والإعلام العمومي وجزء من الاعلام الخاص، تدهورًا وصراعًا وتبادلاً للاتهامات.

وتقول الحكومة وقيادات نهضوية إنّ quot;الاعلام لا يقوم بدوره ويسعى إلى إسقاط الحكومة ولا يطلع المُتابع سوى على السلبيات متجاهلاً انجازات الحكومةquot;.

إلا أن الاعلاميين يتهمون بدورهم الحكومة بالسعي الى تكبيلهم وجعلهم بوقًا لسياساتها كما كان يفعل نظام زين العابدين بن علي.

النهضة: الاعلام العمومي سُرق من طرف أقلية

عامر العريض، رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة، تحدّث في إفادته لـquot;إيلافquot; عن السياق الذي جاءت فيه الدعوة إلى خصخصة الإعلام العمومي ويقول:quot; لقد قلت في ذلك البرنامج التلفزيوني بأن هناك رأيًا لا بأس به ضمن الرأي العام يدعو إلى خصخصة الإعلام ويجب مناقشة هذا الموضوع.quot;

ويضيف:quot;في رأيي أن الذي دفع الأمور إلى المطالبة بهذه الخصخصة هي النشرة الرئيسية للأنباء في القناة الوطنية الأولى وبعض البرامج السياسية التي بدت فيها القناة الأولى غير عمومية وإنما قناة خاصة وقع اختطافها من طرف مجموعة قليلة ذات أجندة سياسية حزبية ضيقة فحولت هذه النشرة إلى حزب سياسيquot;.

ويضيف موضحًا:quot; نحن كحركة النهضة وفي برنامجنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي لم نطرح خصخصة الإعلام وليس هذا خيارنا، ولكنه خيار مطروح الآن على مستوى الشعب والمسؤول عن طرح هذا الخيار هو طريقة تعامل القناة الأولى خاصة في نشرتها الرئيسية مع الأحداث الوطنية. فأنا وآخرون عندما نشاهد نشرة الأخبار الرئيسية نشعر بأن الحكومة المنتخبة ستسقط بعد ساعات وعندما نقوم في الصباح ونجد أن الحكومةلا تزال تحافظ على مكانها نقول إما أنّ التلفزة تقول كلامًا فارغًا وتقوم بالتحريض أو أن الحكومة لديها إمكانيات خارقة فلم تسقط والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا، والشعب يشعر أن هذه القناة قد مارست حنينًا وأنينًا، حنينًا إلى نظام الاستبداد الفاسد، وأنينا من هذه الثورة وما تحققه من نجاحاتquot;.

ويؤكد رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة أنّه لا يقصد إلا جزءًا قليلاً من الإعلاميين :quot; أقصد جزءًا قليلاً من الإعلاميين فلدي كل الاحترام والتقدير لما تبذله الغالبية العظمى التي ليست جزءًا من عملية الاختطاف الحزبي للقناة، هناك استبداد لأقلية داخل التلفزة مثلما كانت هناك أقلية استئصالية مستبدة في البلاد لمدة عشرين سنةquot;.

ويشرح عامر العريض كيفية تواصل هذا quot; الإختطافquot; بعدما قامت الحكومة بتسمية مدير عام للتلفزة:quot; أنا لا تهمني الأسماء ولا أعرف غالبيتها، وأنا أعلق على ما أراه على الشاشة وأشعر أن هذه الشاشة التي تسمّى عمومية لم تعد كذلك وخاصة خلال النشرات الرئيسية وجوهر موقفنا هو استعادة هذه القناة لتعود ملكيتها إلى الشعبquot;.

وبخصوص بعض تعيينات الحكومة لوجوه عملت في النظام السابق على رأس مؤسسات إعلامية عمومية،يقول العريض:quot; أنا شخصيًا لم أفهم التعيينات التي حصلت، وليست لدي التفاصيل ولكن ليس هذا الأهم، الأهم هو أن هذه القناة يجب أن تكون قناة تتمتع بالمهنية فتبث الرأي والرأي الآخر ونحن لا نطلب إعلامًا مدّاحًا وسأكون من أول المحتجين بشدة والمتظاهرين ضدها لو تحولت القناة العمومية إلى قناة تمدح الحكومة وتسبح بحمدهاquot;.

أما عن البيان الذي صدر عن الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، فيقول:quot; في هذا البيان كثير من التحريض والإثارة و إضفاء نوع من الجريمة على الرأي من طرف هذه الهيئة التي يفترض أنها تدافع عن الإعلام، أصبحت تتعامل مع الآراء باعتبارها جريمة محيرة ومخيفة وخطيرة والحال أن رأيي يتبناه جزء لا بأس به من الرأي العامquot;.

ويضيف مستنكرًا :quot; عندما يتحدث السيد كمال العبيدي عن المرسومين 115 و 116 يغفل على أنه رفض الحوار حول هذين المرسومين ويريد فرضهما بأي طريقة كانت كما أن هذين المرسومين جاءا في ظروف غير عادية حيث أصدرا بعد انتخابات المجلس التأسيسي من طرف حكومة تصريف أعمال ولم يقع حولهما حوار بين الأطراف المعنية ولدينا الآن سلطة شرعية منتخبة هي المجلس التأسيسي التي من حقها أن تعيد النظر في كل المراسيم التي تريد إعادة النظر فيها ومن بينها المرسومان 115 و 116 اللتان تقدم عدد من النواب أو هم بصدد تقديم عريضة لإعادة النظر فيهما وتعديلهماquot;.

وعن الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، فيقول العريض:quot; هذه الهيئة هي عابرة للحكومات حيث أصبح كل شيء موقتاً أو انتقالياً في هذه البلاد، إلا هذه الهيئة التي ستصبح دائمة لست سنوات، وهذا قفز على الواقع وكل شعارات الثورة، والقصد ليس تمرير مراسيم لتطوير الإعلام وإنما لفرض أجندات سياسية أو سياسوية في كثير من الفصولquot;.

لا اصلاح دون اعلام حكوميّ

من جانبه،يؤكد هشام السنوسي عضو الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال في حديث لـquot;إيلافquot; أنّ :quot; هذا مطلب لا أساس له من الواقعية ولا في مسارات الانتقال الديمقراطي في دول سبقتنا، والخصخصة في الإعلام العمومي لا يمكن أن تقبل حيث لا يمكن أن يكون هناك إعلام واتصال من دون اعلام حكومي لأنه يمثل المرتكز الأساسي في الإصلاح، فكيف بالتالي يمكن أن نلغي الإعلام العمومي ثم نطالب بعد ذلك بإصلاح الإعلام، وكيف نسلم الإعلام إلى خواص ورؤوس أموال ثم نطالب بأن يكون الإعلام موضوعيًا ويمثل تطلعات وتوجهات الشعب، لذلك هذه وجهة نظر ضعيفة وغير واقعيةquot;.

ويقول السنوسي:quot; عندما يتم استعمال مصطلح اعلام رسمي أو حكومي، فهذا دليل على المرجعية الفكرية لتصور إصلاح الإعلام، على العكس نحن نريد إلغاء الرسمي في اتجاه الإعلام العمومي، لأنه أولاً وأخيراً الإعلام الرسمي هو الإعلام الحكوميquot;.

ويعود السنوسي ليؤكد على أنّ quot; هذه الدعوة جاءت في إطار المزيد من الضغط على الإعلام حتى يكون مواليًا وحكوميًا و محاولة استدراجه للممارسات القديمة التي كان يقوم بها نظام بن علي، لقد تغيّر العنوان ولكن المضمون يبقى محافظًا على مكانته في اتجاه تلميع صورة السلطة حتى يكون صدى لأعمال الحكومة، وبالتالي هناك تصور في الاتصال أكثر منه في الإعلام ، أي أنهم يريدون من الإعلام أن يكون اتصاليًا، وهذا ما يتنافى مع طبيعة الإعلام العمومي الذي يجب أن يكون مستقلاً ورقيبًا على أعمال الحكومةquot;.

ويضيف عضو الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال:quot; هذه الدعوة إلى خصخصة الإعلام العمومي لا يمكن تجسيمها على أرض الواقع بل يستحيل ذلك، وأنا أعتقد أن الهدف من هذه الدعوة هو المزيد منالضغط على الإعلام العمومي والصحافيين، وهي عملية أراها متسرعة وتمثل عنوانًا لعدم وجود تصور حول إعلام بديل للإعلام القديم، وهذا التصور موجود لدى الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، بدل أن يتم تفعيل هذه القوانين والتشاور مع أهل المهنة لأنه في الأيام القليلة القادمة سيتم إصدار التقرير العام للهيئة، يتم اتخاذ هذه المواقف المتسرعة التي لا علاقة لها بالحقيقة والواقع في مسار إصلاح الإعلامquot;.

نقابة الصحافيين: الحكومة غير جادة في اصلاح القطاع

من ناحيته عبر عضو النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين أيمن الرزقي عن رفضه للتوجه نحو خصخصة الاعلام الرسمي، قائلاً في إفادة لـquot;إيلافquot;:quot; هذا الطلب لا يمكن اعتباره تصريحًا رسميًا يلزم الطرف المعني بالإعلام في تونس، وهذه التصريحات في الواقع جاءت من راشد الغنوشي وعامر العريض عن حركة النهضة سواء في الكواليس أو خلال برنامج تلفزيوني، وكتعليق للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين نقول بأن هذه التصريحات سبقتها حملة تأليب للرأي العام من حركة النهضة التي جيّشت أنصارها لوضع كل الإعلام في نفس السلة ونعت الإعلاميين بالفاسدين والنوفمبريين نسبة إلى تبعيتهم إلى النظام السابقquot;.

وأضاف الرزقي:quot; بعد فشلهم في ضرب وتدجين الإعلام العمومي بدأوا الآن يمهدون لحملة جديدة تتمثل في خصخصة الإعلام العمومي، ونعرف جيدًا أن أي قرار جديد تريد أن تفرضه حركة النهضة تعمل على جسّ نبض الشارع ورد فعل الهياكل المعنية بالإعلام سواء كانت نقابة الصحافيين أو النقابة العامة للثقافة والإعلام أو الهيئة العليا المستقلة لإصلاح الإعلامquot;.

وتابع الرزقي:quot; نحن لا نعتبر هذه التصريحات مسؤولة وصادرة عن أناس جدّيين لأننا لا نجد بلدًا واحدًا في العالم يبيع الإعلام العمومي للخواص، لأنه في الواقع إعلام عمومي بينما يتم التعامل معه كأنه إعلام حكومي في حين أنه ملك الشعب التونسي وبالتالي لا يمكن التفريط فيه أو التفكير في ذلكquot;.

وأشار الرزقي إلى بعض العراقيل، وقال:quot; إذا كانت المشكلة تتعلق بإصلاح المنظومة الإعلامية فالهياكل العمومية تقوم بعملية الإصلاح، بل بالعكس هناك أطراف هي التي تعرقل هذا الإصلاح وتتمثل في وزارة الداخلية التي ترفض مدنًا بقائمة الصحافيين المخبرين الذين يتعاملون معها أو رئاسة الجمهورية التي أظهرت مجموعة خطيرة من الوثائق وأرشيف عبد الوهاب عبدالله الذي يدين رموز الإعلام الفاسد ورفضت مدنًا بذلك و بالتالي لا فائدة من الضحك على ذقون المواطنين التونسيين الذين ينتظرون إعلامًا يرتقي لتحقيق أهداف ثورتهم، وبالتالي ندعوهم إلى التعاون معنا لإصلاح الإعلام وليس العمل على تركيع الإعلام من جديدquot;، على حدّ تعبيره.