أصبح منظر العمال الآسيويين واضحا في العراق خاصة في المطارات والشوارع وحتى الشركات، بسبب امتناع كثير من العراقيين عن العمل في مهن يرونها لا تليق بهم مفضلين البطالة عليها.


عمال نظافة في العراق

بغداد: يثير انتباهك وأنت تدلف في أروقة مستشفى مدينة الطب في بغداد، منظر عمال بنغلادشيين يقومون بأعمال التنظيف حيث يشهد قطاع النظافة دخول أيدٍ عاملة أجنبية بسبب النقص الكبير في أعداد العراقيين الذين يرغبون في العمل في هذا القطاع.

وبحسب عامل النظافة سعد حسن في الكاظمية في بغداد، فإن اكثر القطاعات التي جذبت العمالة الاجنبية هو هذا القطاع، بسبب عزوف العمالة المحلية على العمل فيه لأسباب اجتماعية ومادية أيضا.

ويشير سعد إلى أنه قبل أن يكون عامل نظافة مرغما وانه سيترك المهنة في أول فرصة تتاح له.

ورغم التقدم الطفيف في مجال الخدمات، فإن القمامة والأنقاض مازالت مظهرا سائدا في مختلف مدن العراق.

الباحث الاجتماعي رياض الاسدي يؤكد من جانبه ان النظرة الدونية لعامل النظافة في العراق تحول دون جذب العمالة الوطنية، كما ان الثقافة الاجتماعية تحتقر عامل النظافة، ومن الأمثلة على ذلك ان جعفر علي (26 سنة) لم يستطع الزواج بسبب مهنته حيث اشترط عليه اهل العروس التوقف عن هذه المهنة والبحث عن عمل (محترم) في مكان آخر.

وفي الكثير من مؤسسات الدولة يثير الانتباه التواجد الملحوظ لعامل النظافة الاجنبي رغم انتشار البطالة بشكل كبير بين اوساط العراقيين حيث يرفض الشباب بشكل خاص اقتحام سوق خدمات النظافة.

ويشير محمد سامي من مكتب العمل في كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) الى ان الكثير من المؤسسات لاسيما الصحية منها تضطر الى الاستعانة بالعمالة الاجنبية لان العامل العراقي يأنف من العمل في هذا القطاع.

لكن انتشار النفايات والقمامة في مختلف مدن العراق، يجعل العراق محتاجا الى جيش من العمال، الذي لا يتوفر في الوقت الحاضر بحسب الإحصائيات في سوق العمل.

ويقدر مسؤولون صحيون ان كل مدينة عراقية تفرز حوالى اربعة الاف طن من النفايات يوميا، بينما تقدر النفايات في العاصمة بغداد وحدها حوالى عشرة آلاف طن يوميا.

وفي ظل نقص واضح لعمال نظافة كفوئين، فإن انتشار الاوبئة احتمال ممكن مع ارتفاع درجات الحرارة في العراق.

لكن الطبيب سعيد كريم يرى أن العبء يقع على عاتق المواطن أيضا بسبب غياب المبادرات الشخصية والجمعية في تنظيف الاحياء والأماكن العامة القريبة من البيوت.

فالمواطن العراقي ndash; بحسب سعيد ndash; يتقاعس عن تنظيف المنطقة المحيطة بداره، بل ويرمي القمامة في الأماكن القريبة من بيته بطريقة عشوائية من دون الاكتراث إلى عواقب ذلك على البيئة والصحة والعامة والمنظر العام.

عامل النظافة حميد سعيد يقول إن المواطن ليس له دور في نظافة الشوارع، بل انه السبب الأول في انتشار القمامة في الانحاء المختلفة.

واحد الامثلة على ذلك ndash; بحسب سعيد ndash; أن راكبي السيارات يرمون بلا اكتراث القناني الفارغة والأكياس من نوافذ السيارات وهي تسير.

واذا استمر الامر على هذا النحو - كما يقول سعيد - فان جيشا من العمال لن يكون كافيا لإنقاذ البيئة من التلوث بالقمامة .

و ينتقد سعيد العراقيين لعدم تعاونهم لصالح بيئتهم ويقول إن التعاون مطلوب لكنه مفقود.

الجدير بالذكر ان حكومات العالم تصرف مليارات الدولارات لاجل نظافة مدنها، لان ذلك دليل على رقي وتطور المجتمع.

وفي فترات الفوضى الأمنية كان لعامل النظافة في العراق دور كبير في نقل الجثث الى الأماكن المناسبة اضافة الى أن الكثير منهم كانوا ضحية انفجار القنابل والعبوات المزروعة بين الازبال واكوام القمامة.

ويتحدث رحيم حسن عن مقتل عامل زميل له في منطقة الدورة في بغداد عام 2010 حين انفجرت قنبلة، وهو يفرغ حاوية القمامة تسببت بمقتله في الحال.

ورغم ان الجميع يعترف بأهمية عامل النظافة إلا أن دخله الشهري لا يتناسب مع حجم المخاطر الصحية التي يتعرض لها.

ويقول كريم سعدون ويعمل كعامل نظافة في منطقة العلاوي في بغداد إنه يعمل بالأجر اليومي ومن دون تأمين صحي.

ويشير الباحث الاجتماعي عامر الخفاجي إلى أن العراق بحسب تقارير دولية في أسفل قائمة ترتيب الدول النظيفة ولأكثر من مرة.

وفي مدينة النجف (160 كم جنوبي بغداد) يشير المقاول عبد الحسين كامل إلى أن اعتماد الحكومة المحلية على شركات تركية في التنظيف ادى الى انتشار البطالة بين الكثير من شركات التنظيف المحلية والتي كانت مستعدة لإتمام الأعمال الموكلة إليها.

وكانت محافظة النجف تعاقدت مع شركة تركية بعقد يبلغ نحو تسعة مليارات دينار لتنظيف الشوارع ورفع النفايات. وبسبب قلة فعاليات التنظيف لعدم وجود الشركات المتخصصة وغياب التقنيات يلجأ بعض الاهالي الى حرق النفايات للتخلص من رائحتها الكريهة .

ومهما بلغت الحاجة الى عامل النظافة، فإن المعاملة الدونية الممزوجة بالسخرية، تبقى هي السلوك العام للناس تجاه عامل النظافة كما يقول حميد عثمان الذي يشعر بالخجل من مهنته كعامل نظافة، كما يقول.

الباحثة الاجتماعية اقبال كريم ترى ان زيادة رواتب عمال النظافة وتزويدهم بالتقنيات الحديثة سيجعلهم اكثر كفاءة ويزيد من احترام الناس لهم . كما تدعو كريم الى زيادة الوعي بين الناس بضرورة تبديل النظرة الدونية حول بعض المهن.