السجناء السياسيون في تونس يطالبون بالتعويض عن سنوات التشريد والمنع والسجن والتعذيب

طفت قضية التعويض الماديّ للسجناء السياسيين في تونس، وعددهم يقدّر بالآلاف، الى سطح الأحداث إعلاميًا وسياسيًا، وتباينت وجهات النظر بخصوص هذا الملفّ بين داعٍ للتعويض الفوري ماديًا ومعنويًا لهؤلاء السجناء، وبين رافضٍ له بدعوى سلبية الرسالة التي تُستخلص عند تعويض من ناضل من أجل وطن حرّ ماليا جزاء ما قدّمه.


تونس: خلال مداولات المجلس الوطني التأسيسي في تونس حول قانون المالية التكميلي، أثار بعض النواب مسألة التعويض للسجناء السياسيين الذين يصل عددهم إلى عشرين ألفًا وتعرضوا وعائلاتهم وحتى أقاربهم إلى شتى أنواع التعذيب النفسي والبدني والمراقبة والرفت من العمل وغلق كل المنافذ أمامهم وتجفيف منابع أرزاقهم حتى غدوا عاجزين عن توفير لقمة العيش.

ويرى كثيرون في تونس أنّ هؤلاء السجناء من حقهم التعويض المادي والمعنوي بعد ثورة 14 يناير عن تلك الفترة من حياتهم التي قضوها في السجون أو مطاردين في كل مكان.

مسألة التعويض للسجناء السياسيين أثارت جدلاً بين النواب داخل المجلس الوطني التأسيسي وحتى داخل الأحزاب السياسية، فتباينت المواقف بين داعٍ للتعويض لهؤلاء ماديًا ومعنويًا وبين رافض لذلك، باعتبارأنّ المرحلة الصعبة التي يعيشها الاقتصاد التونسي تتطلب تحديد الأولويات من تشغيل للعاطلين عن العمل وتنمية في الجهات الداخلية وتأخير النظر في هذه المسألة أو رفضها تمامًا لأنها ستفتح الأبواب أمام كل الأشكال النضالية للتعويض عنها حتى خلال فترة الاستعمار الفرنسي ولا تقتصر على السجناء السياسيين في عهدي بورقيبة وبن علي.

رئيس الحكومة حمادي الجبالي تحدث حول مسألة التعويض للسجناء السياسيين وقال:quot; من ضحّى من أجل الشعب التونسي ومن أجل الثورة التونسية سيكون له حق في التعويض، ولا نفرق بين انتماء أو جهات معينة بل إن هؤلاء كلهم أبناؤنا وكلّهم ضحّوا من أجلنا وبالتالي ليس منّة من أحد أن يحصلوا على تعويضات هم جديرون بهاquot;.

الأستاذ محمد الصغير، عضو المجلس الوطني التأسيسي أكد أحقية المناضلين بالتعويض وقال لـ(إيلاف):quot; ملف التعويض للسجناء السياسيين مهم جدًا وقد تأخر التعاطي معه كثيرًا وقد تم الاهتمام في الوقت الحاضر بملف الشهداء والجرحى دون غيرهم وهذا فيه ظلم لمن ضحّى في سبيل الوصول إلى هذه المرحلة منذ عشرات السنينquot;.

وأضاف:quot; شريحة كبيرة من المواطنين التونسيين ناضلت في فترات سابقة حتى وصلنا إلى هذه الثورة، وقد آن الأوان للنظر في ملف الضحايا من السجناء السياسيين والذين ضحّوا بأرواحهم في سبيل هذا الوطن انطلاقًا من اليوسفيين في عهد بورقيبة وإلى حد 14 كانون الثاني/ يناير 2011، ولكن يبدو أن الأمور غير واضحة حاليًا لا بالنسبة للتعويض ولا للمقدار ولا لتحديد الفترة المعنية بالتعويض ولا كذلك بالنسبة للسلم الوظيفي منذ إبعاد هؤلاء عن وظائفهمquot;.

عن رفض بعض الأحزاب مسألة التعويض من حيث المبدأ، قال محمد الصغير:quot; هذا الطرح لا يقبله عاقل وحتى خلال مداولات المجلس التأسيسي حول القانون التكميلي للمالية تباينت المواقف، فالغريب في الأمر أنه عندما كان البعض يناضل من أجل وضع حدّ للاستبداد والظلم الذي بلغ حدًّا لا يطاق، ويقبع في السجون لعشرات السنين وفي زنزانات انفرادية كان البعض الآخر يتمتع بالحرية والحياة مع عائلته وأبنائه الذين يدرسون وينجحون ويشتغلون، وبالتالي من العيب أن نتحدث الآن وفي رحاب المجلس الوطني التأسيسي لننكر حقّ هؤلاء الذين ضحوا لسنوات من أجل بلوغنا هذه الثورة، فسنوات النضال التي قضوها في السجون هي التي كانت وراء هذه الثورة وبالتالي فهؤلاء ساهموا فعلاً في ثورة 14 يناير 2011 وكانوا وراء هروب الرئيس المخلوعquot;.

وأشار الصغير إلى أنه من منطلق الثورة التونسية ومع التأسيس لنظام جديد وفي كنف الديمقراطية والحرية التي نريدها، يجب أن يتحصل الجميع على حقوقهم المسلوبة لعشرات السنين، وبالتالي فهؤلاء المناضلون من حقهم الحصول على تعويضات مالية ومعنوية، تعويضات تراعي الوضع الحالي للبلاد ويسترد هؤلاء من خلالها بعضًا من حقوقهم التي اغتصبت من طرف المستبدين والظالمين، على حدّ تعبيره.

من ناحيته، يرى عضو المجلس التأسيسي علي فارس في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّ من حقّ السجناء السياسيين على اختلاف انتماءاتهم من إسلاميين و يساريين ويوسفيين (نسبة الى معارض بورقيبة التاريخي صالح بن يوسف) أن يعوضوا عن فترات الظلم والاستبداد التي عاشوها وعائلاتهم خلال عشرات السنين.

ويواصل علي فارس:quot; هؤلاء من حقهم الحصول على تعويضات فمنهم الأستاذ والطبيب والطيار والتاجر ولكن أن نأتي اليوم ونقول لهؤلاء إن الوضع المالي للدولة يشكو من ضعف كبير وبالتالي لا يمكن تقديم التعويض في الوقت الحالي فهذا فيه حيف كبير في حق هؤلاءquot;.

ويؤكد quot; كيف نرفض على هؤلاء حقهم في الحصول على تعويضات بينما حصل ذلك في تجارب سابقة حيث تم التعويض لكل المناضلين مهما كانت انتماءاتهم في جنوب أفريقيا والمغرب على سبيل المثالquot;.

عبد الجليل البدوي، رئيس حزب العمل التونسي سابقًا، ونائب رئيس المسار الديمقراطي الاجتماعي، تحدث عن مسألة التعويض للسجناء السياسيين في إفادات لـquot;إيلافquot;، وقال :quot;هذا غير معقول وغير أخلاقي بالمرة وكل من ناضل سواء في عهد بورقيبة أو في عهد الرئيس المخلوع ناضل من أجل أفكاره ومبادئه التي يؤمن بها وإرضاء لقناعاته، وبالتالي من غير المعقول أن ينتظر امتيازات أو تعويضات الآنquot;.

ويضيف البدوي: quot;إذا عملنا على تعويض هؤلاء من أجل نضالهم في فترة من الفترات كأننا بذلك لا نعطي قيمة للمبادئ الأخلاقية، ونضع حدًا لمفهوم الوطنية الذي يجب أن نمرره إلى الناشئة ليتشبعوا به، نحن حقيقة ضد عملية التعويض، فلمن سنعوّض بالضبط وأنا متأكد أننا سنفتح بابًا لن يغلق بسهولة، فأنا مثلاً لم أدخل السجن ولكن تم طردي من العمل لسنة كاملة من أجل أفكاري وحجزوا جواز سفري وعطلوا ترقيتي فهل من حقي أن أطالب بالتعويض المادي والمعنوي مثل غيري، فالواقع يقول إن كل من يناضل من أجل فكر أو مبدأ ما يعرف جيدًا أنه سيكون عرضة للتتبعات وربما التعذيب والسجن وبالتالي لا يعقل أن يطالب الآن بالتعويضquot;.

ويتساءل عبد الجليل البدوي:quot; أين ستقف حدود التعويض؟ هل سنعوض لكل من يبين أنه تعرض إلى أي نوع من العنف والاستبداد من طرف النظام أم سنقتصر على السجناء دون غيرهم، وهل سنقف عند حدود عهدي بورقيبة وبن علي أم سنعود حتى إلى فترة الاستعمار الفرنسيquot;.

وأصرّ الأستاذ في الجامعة التونسية على الاقتصار على التعويض المعنوي وردّ الاعتبار لكل من تعرض إلى السجن أو التعذيب ومنحهم ضمان الخدمات الاجتماعية ومجانية الصحة والتسجيل في التقاعد، واعتبرها أمورًا إنسانية يمكن أن نتفق على أن تكون من حق هؤلاء السجناء السياسيين دون المطالبة بالتعويض المادي، على حدّ تعبيره.

عضو المجلس الوطني التأسيسي سمير بالطيب كان له رأي آخر حول هذه المسألة حيث قال في مداخلة له:quot; اليوم وفي هذه الميزانية بالذات نقوم بتخصيص 750 مليون دينار للتعويض للسجناء السياسيين بينما الشعب يئن من غلاء الأسعار ويعاني ضعف الطاقة الشرائية، هذا خطأ كبير وبالتالي لا يجب أن نتسرع بل علينا أن ننتظر حتى يكون الاقتصاد مزدهرًا حينها يمكن أن نعوض لهؤلاءquot;.