لم يعد العراقيون يتفاءلون كثيرًا بما يقدمه مجلس النواب إليهم، بل أن أكثريتهم يرون أنه مكان مخصص للصراعات الطائفية والحزبية بعيدًا عن هموم المواطن العراقي، الذي ينتظر أن يقوم الأعضاء المنتخبون بتفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وأن يتكاتف الجميع من أجل رفع المعاناة عنه، ويؤكد معظم المواطنين أنهم ما عادوا يأملون خيرًا بالنواب (النوام) كما يطلق عليهم البعض، لأنهم لا يعرفون شيئًا عمّا يجري تحت قبة البرلمان، إلا حين يدعوهم رئيس الكتلة أو القائمة إلى التصويت أو الامتناع عنه.


مجلس النواب العراقي

عبد الجبار العتابي من بغداد: يقول المحلل السياسي جمعة عبدالله مطلك إن المحاصصة والطائفية تمنعان أي أداء عقلاني للبرلمان، مضيفًا أن الأساس الذي بنيت عليه العملية الأساسية في العراق أو على الأقل المخفي منها أو الباطني هو الأساس التحاصصي، وهذا هو الذي قيّد عمل البرلمان، بحيث أصبح العقل التشريعي العراقي رهينة التحالف الشخصي بين زعماء الكتل، فمنذ البداية كانت تشوهات العملية السياسية واضحة بحساب أن الديمقراطية الطائفية لا تنتج دولة ديمقراطية، وإنما تنتج أشخاصًا ديمقراطيين على مستوى الاستهلاك الإعلامي اليومي. أما على مستوى الأداء العام الأفقي في إعادة بناء الدولة العراقية على أساس من المشاركة الواسعة فهذه قد تسمى ديمقراطية، ولا يمكن أن تكون خاضعة لهذا التجاذب الطائفي.

وشدد على أن المحاصصة والطائفية تمنعان أي أداء عقلاني للبرلمان، لأن البرلمان الحر معناه انتقال العمل السياسي في العراق من الرأسية التقليدية إلى العمل الأفقي، ومعناه استنهاض جماهيري له علاقة بين الناخب والمنتخب، وهذا الأمر لم يحدث لأن زعماء الكتل مدعمون من الولايات المتحدة الأميركية ومن التراث الثقافي العراقي ومن البنية الأيديولوجية لليسار واليمين والإسلاميين... كل هذا أدى إلى تقويض عمل البرلمان، وجعله خاضعًا لرؤساء الكتل فقط.

وأضاف: إن لم يتحسس المجتمع العراقي دفاعات أخلاقية ثقافية جديدة فسوف يبقى هذا الصراع بين (أنصاف الآلهة)، وسوف تضمر قدرة العراق على أن يتحول إلى دولة ديمقراطية أفقية حقيقية، وسوف يتكرر النموذج اللبناني بحذافيره في العراق.

من جهته، أعرب المحامي عبدالله شاكر محمود عن عدم رضاه عن البرلمان، وقال: quot;أنا أشعر باليأس من عمل البرلمان، لأن أعضاءه يتصارعون في ما بينهم في غالب الأحيان على مصالحهم الخاصة، ولا ينظرون إلى مصلحة الشعب، فكل كتلة أو قائمة سعيدة بما هي عليه من مكتسبات وامتيازات، وسواء شرعوا القوانين أو غابوا أو حضروا فلا يهمهم من أمرها شيء سوى أن عليهم أن يناموا قليلاً تحت المكيفات التي تبث الهواء البارد في قبة البرلمان، لذلك هم (نوام)، وليسوا (نوابًا)، فهؤلاء ملأوا قلبي قيحًا حقيقة، وكنت أتمنى أن يسرعوا ويتكاتفوا من أجل إقرار القوانين الجديدة وإلغاء قوانين النظام السابق، التي ما زالت الحكومة تتعامل بها، وهذا من أسوأ الأمور التي تعيشها الدولة العراقية، وكان عليهم الإسراع في إلغائها من أجل أن تكون للديمقراطية نكهة، وأن يكون للحرية طعمquot;.

وأضاف: quot;عمل البرلمان لا يعجبني ولا يرضيني كمواطن عراقي، وأحيانًا انزعج لكوني انتخب الشخص غير المناسب والذي لم يكن أهلاً للثقةquot;.

أما الباحث عبد الوهاب حمادي، فقد تمنى أن يشعر البرلمانيون بالناس ويعملون لخدمتهم، وقال: quot;لا يخفى على أحد أن العمل البرلماني الحالي فيه تلكؤ، وذلك واضح من خلال ما نسمعه ونقرأه وما نعيشه أيضًا، وهو عمل بطبيعة الحال لا يرضي الناس الذين يتطلعون إلى أن يكون عمل البرلمان في خدمتهم، لأنه جاء من أجل خدمتهم، وعليه أن تكون جهوده خالصة للوطن والشعب، وليس للمصالح الضيقة، ونتمنى أن يكون في المستقبل أفضل وأن يتوجه البرلمانيون إلى مشاكل المجتمع العراقي وإلى ما يحتاجه للقضاء على البطالة وتحسين أمور العمال وقضاياهم وتوفير الكهرباء والماء الصافي والإسكان من خلال بناء المجمعات السكنية للناس، حيث إن أهم ما يحتاجه المجتمع الآن هو السكن في مجمعات لائقة، فأزمة السكن متجذرة منذ سنوات، وهذا دليل على وطنيتهم وإخلاصهم، ونتمنى على البرلمانيين أن يسعوا إلى إرضاء الناس وأن يكون المستقبل مستقبلاً مقنعًا للشعب العراقي، وأن يعمل البرلمانيون لمصلحة الشعب والمجتمعquot;.

أما الكاتب والصحافي ياسين النصير، فقد أشار الى عدم وجود عقلية تنظيمية لدى النواب، مؤكدًا أن ثقافاتهم قديمة، وقال: quot;عمل البرلمان متناقض، والمحاصصة تنعكس على عمله، وتحديدًا تؤدي بالمشاريع الى أن تخضع الى مقاولات والى بنية ضيقة، في حين أن مفهوم البرلمان بشكل عام هو مفهوم جماعي، وقد سُمي برلمانًا لانه يعتمد الفكر الجماعي، وليس الفردي أو الطائفي، والبرلمان العراقي خطوة اولى ليست ناضجة الى الآن، هذا جانب. أما الجانب الثاني فليس في النواب المنتخبين من يملك عقلية تنظيمية فكرية حديثة، إنما معظمهم من ذوي الأفكار القديمة، وليست لديهم ايديولوجيات حديثة، وتهيمن عليهم ثقافات قديمة، وبالتالي عندما يطرح مشروع جديد، لا يستطيع الواحد منهم أن يبدي رأيًا فيه، لأنه يخاف منه، في حين أن المشاريع القديمة التي تحاكي المفاهيم القديمة يتبنونها بسرعة لأنها تلائم سياقهم الثقافيquot;. وأضاف: quot;المجتمع العراقي يحتاج بنية تحديثية حتى يلحق بنفسه ويلحق بالعالم ولديه واردات، هؤلاء النواب ليسوا بقامات طموح العراقquot;.

من جانبها، ترى الكاتبة والصحافية سها الشيخلي أن المصالح الضيقة هي سبب ما يحدث في البرلمان، فقالت: quot;بعد هذه المدة الطويلة من بعد 2003 والتغيير الذي حدث كنا نعتقد أن البرلمان سيكون على الاقل يمتلك منهجًا ورؤية خاصة للقوانين الصادرة من (مجلس قيادة الثورة) المنحل، يعني ليس من المعقول أنه وبعد تسع سنوات لا نزال نعمل بتلك القوانين، في كل جلسة نسمع أن عددًا كبيرًا من اعضاء مجلس النواب غائبون، ونسمع عن عدم توافق الآراء في كذا قانوناً، مثلاً التعرفة الجمركية، كم من الوقت مر وقد نشر القانون، ولكن الى الآن لم يفعّل، والسبب هو أن القانون سيقوّض صفقات النواب وتجارتهم، ويفرض ضرائب على المستورد، وهذا يعني أن المصالح ما زالت موجودة، ولا تزال الكتلوية والطائفية والمحاصصة، وهذا داء إبتلينا به، ليس نحن الذين نعيش داخل العراق، بل كل العراقيين الذين يعيشون في بقاع العالم، والذين عيونهم ترنو الى العراق والعودة اليه، لذلك نطالب أن تكون مصلحة الوطن هي الأساس، ويحزننا أن نقول (ألم يشبعوا بعد) مما لا يمكننا وصفهquot;.

واضافت: quot;اما الغياب والعطلات والحضور القليل فأصبح حتى رجل الشارع البسيط ينتقدهم فيه، وهذه لا تمثل مهنية ولا أخلاق نائب يمثل أعدادًا كبيرة من الناس الذين انتخبوه، نحن نطالب أن يكون الحق والعدل امام النائب عندما يجلس على كرسيه، فالنائب جاء بعدما منحه الناس الثقة، وهذه الثقة تزيد من مكانة النائب، وليس عليه أن يحقق مصالحه الشخصية، ومن هناك أخاطبهم بقولي: رأفة بأبناء الشعب يا اخوتي النوابquot;.

واكد الاعلامي حسن بغدادي على أن البرلمان اهمل القرارات الاستراتيجية بسبب التقاطعات بين الاعضاء، وقال: quot;برلمان العراق في دورته الحالية هو قطعًا افضل من دورته السابقة لنضج المقاصد في الكثير من التفاصيل، ولكن بالنظر إلى التقاطعات الواضحة والمعلنة لكل الكتل السياسية المنضوية تحت قبة البرلمان فالمسألة طبيعية، فما ينفع القائمة العراقية ربما لا ينفع دولة القانون، وما ينفع دولة القانون قد لا ينفع المجلس الأعلى، وما ينفع المجلس الأعلى ربما لا ينفع التيار الصدري، وربما ما ينفع هؤلاء لا ينفع الأكراد، اذن كل كتلة لها مطالب استراتيجية بعيدة الأمد تتقاطع مع الكتلة الأخرى للأسف الشديد، فمثلاً.. هذا يريد إطلاق المعتقلين، وهذا يريد تحقيق الفقرة 140، وذاك لا يريد اطلاق المعتقلين، وذاك لا يريد تنفيذ الفقرة 140، وهكذا..، فالقضية عبارة عن تصارع استراتيجيات واضحة لهذه الكتل السياسية، تنعكس بالنتيجة النهائية على الإنتاج النهائي لمنجز البرلمانquot;.

وأضاف quot;ولكن أنا أعتقد بشكل شخصي أن أسامة النجيفي رئيس البرلمان حرك بمقدار بعض الملفات التي من الصعب على رئيس البرلمان السابق أن يحركها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى القرارات الكبيرة الاستراتيجية أو مشاريع القوانين الاستراتيجية للبرلمان يبدو أنها ليس فقط لم تنجز في هذه الدورة، بل أعتقد في الإطار العام ونتيجة هذه التقاطعات اللانهائية وغير المنتهية أن الكثير من القوانين سيظل يراوح مكانه حتى في الدورة اللاحقةquot;.

واختتم بالقول: quot;أنا أعتقد أن عمل البرلمان سوف لن يذهب إلى تشريع القوانين المهمة، فخذ مثلاً مشروع الأقاليم الكبير والخطر والمؤثر، أنا أشك في أن البرلمان لا يقرّه في هذه الدورة، وحتى في الدورة اللاحقة، وهناك غيره وغيره، والسبب أن التقاطعات الحزبية والمحاصصة هي التي تعوق كل هذاquot;.