أكد الخبير القانوني العراقي والمحلل السياسيطارق حرب أن التيار الصدري لم يكن يريد منذ البداية سحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي ولا استجوابه بقدر ما أراد أن (ينبهه)، وحذر الذين يطالبون باستجواب المالكي بأن عليهم أن يعدوا العدة لذلك من خلال تهيئة الأصوات اللازمة لعزله، وإلا سيتحول الاستجواب إلى انتصار للمالكي.


عبد الجبار العتابي من بغداد: أعرب طارق حرب، رئيس جمعية الثقافة القانونية، أن إقامة المؤتمر الوطني للتحاور بين الأطراف المتصارعة أفضل من الذهاب إلى انتخابات مبكرة، مشيرًا إلى أن هذه الانتخابات من مصلحة المالكي، وليست من مصلحة منافسيه، ولافتًا إلى أنه شخصيًا لا يفضل الانتخابات بسبب مفوضية الانتخابات التي اعتبرها (بلاء)، لأنها أساس الكثير من المشاكل التي حدثت وستحدث.

* هل يمكن الإشارة إلى الخروقات الدستورية التي حصلت في الآونة الأخيرة؟
- كثيرة هي المخالفات الدستورية التي تتعلق بمسألة سحب الثقة وما قيل عنها، ولأنها انتهت فيمكن الإشارة إلى خرق جديد، حدث قبل أيام، وهو أن رئاسة البرلمان أعادت أسماء القادة العسكريين إلى مجلس الوزراء بعدما قام (مجلس الوزراء) بترشيحهم، أنا هنا لا علاقة لي بالترشيح، وإنهم لا يمثلون المحاصصة (سنة، وشيعة، وأكراد)، بل إنني كخبير قانوني وحسب الدستور أؤكد أن مجلس النواب لا يجوز له اتخاذ قرار إلا بالتصويت، ما يعني أن رئيس مجلس النواب لا يمتلك أية صلاحية، والمفروض أن يعرض هذا الأمر على مجلس النواب، ويقوم النواب بالتصويت عليه بالإعادة. أما تولي رئيس مجلس النواب أو هيئة رئاسته الإعادة من دون استحصال موافقة أعضاء مجلس النواب فهذا يشكل خرقًا دستوريًا.

* كيف تنظر إلى مطالبة رئيس الوزراء بإجراء انتخابات مبكرة من وجهة نظر قانونية؟
- تشير المادة 64 من الدستور إلى أن إجراء الانتخابات المبكرة يتم إما بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو بطلب من رئيس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، وبذلك فقط يمكن حلّ مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة، فمن حق رئيس الوزراء أن يطلب ذلك، ومن حق رئيس الجمهورية أن يوافق من دون الحاجة إلى موافقة مجلس النواب، ففي الأنظمة البرلمانية الأخرى، يمكن لرئيس الوزراء أن يطلب إجراء انتخابات مبكرة، ولكننا في العراق وضعنا قيدًا في الدستور هو (موافقة رئيس الجمهورية) شاء من شاء وأبى من أبى، رضى من رضى وسخط من سخط من النواب.

* مسألة سحب الثقة هل ما زالت قائمة أم انتهت فعلاً كما يتم التصريح بذلك؟

طارق حرب الخبير القانوني العراقي

- كان بيان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتزعمه الرئيس جلال طالباني، قبل يومين، والمتمثل في (إما الحوار وإما حل مجلس النواب)، مسألة واضحة وصريحة، أي إنه مع التحالف الوطني (الشيعي) في اتخاذ أي إجراء يقدم عليه، وقد فوّت الفرصة في مسألة سحب الثقة، لأن السير في مشروع الاستجواب يجب أن يلحقه سحب الثقة، يعني عندما تركب سيارة وتريد أن تسافر بها إلى محافظة ميسان، فيجب عليها أن توصلك، ولكن يجب ألا تقف في منتصف الطريق، الأمر عينه يقال عن الاستجواب، الذي الغرض منه توضيح السلبيات الموجودة عند رئيس الوزراء، ومن ثم تتبعها ضربة أخرى، ألا وهي جمع 163 صوتًا، وسحب الثقة عنه وعزله وطرده وإنهاء خدمته، هذا من غير الممكن أن يحصل الآن.

وحذارِ.. حذارِ.. من الدخول في نفق الاستجواب من دون أن يضمنوا عدد الأصوات المطلوبة لسحب الثقة، لأنهم إن دخلوا في الاستجواب واستجوبوا رئيس الوزراء، ولم يحصلوا على عدد الأصوات المطلوبة، سينقلب الأمر إلى أن يكون الاستجواب فوزًا لرئيس الوزراء باعتبار أن مجلس النواب اقتنع بإجابات رئيس الوزراء، بدليل أنه لو لم يكن مقتنعًا لكان قد سحب الثقة منه، يعني يجب أن تكون عيون الأخوة النواب المطالبين بسحب الثقة ممتدة إلى بعيد، وعليهم أن لا يتخذوا أي قرار بالاستجواب، إن لم يتأكدوا من وجود 163 صوتًا، وإن لم تكن .. فعليهم رفض الاستجواب، لأنهم إذا ما استجوبوا المالكي، وأظهروه أمام العالم بشكل معين، ومن ثم لم يحققوا العدد المطلوب من الأصوات لعزله، فذلك يعني انتصارًا له، ومعنى ذلك أن الكتل التي تنادي بالاستجواب وسحب الثقة أدلتها واهنة وضعيفة، ولم يقتنع بها أعضاء مجلس النواب.

* لماذا قال رئيس الوزراء لا استجواب ولا سحب ثقة؟
- لأنه على بينة.. أن عدد الأصوات التي معه أكثر من الأصوات المطالبة بهذا، وكل ما يقال عن عدد الأصوات لسحب الثقة من أنها أكثر من العدد المطلوب فهذا هراء، وأنا أعلم بها، فلو كان لديهم 170 صوتًا لما صبروا ليلة واحدة، وكانوا جمعوا مجلس النواب في الليل، والاستجواب لا يشترط فيه شيئًا معينًا، ولم يحدده الدستور، فهو مسألة سياسة عامة، فأنت كمستجوب فمن حقك أن تأتي بما تشاء، صدقًا أو كذبًا، وأن توفر العدد المطلوب، لكن هنا العدد المطلوب غير متوافر.

* لماذا هدد رئيس الوزراء بفتح ملفات، أليس من واجبه محاسبة المفسدين وغير الجيدين؟
- القصد من (فتح الملفات) التي هدد بها المالكي لا يعني أن هناك (تهمًا) أو (جرائم)، بل هناك فرق بين أن أقول (فلان ارتكب جريمة) واتهمه بها، وبين أن أقول له (أنت السبب) في تقصير أو عدم كفاءة، لأنك رشحت لي وزيرًا غير كفؤ، وأن هذا العمل عمل الوزير، وليس عمل رئيس الوزراء، مثلاً: عندما يتحدث رئيس الوزراء عن التجارة ، فوزير التجارة من التحالف الكردستاني، أو عندما يتحدث عن الاتصالات، فوزير الاتصالات من القائمة العراقية، أو عندما يتكلم عن البلديات، فوزير البلديات من التيار الصدري، إذن.. من الاعتيادي أن رئيس الوزراء سيقول أنا الرئيس الأعلى، وأن الوزير هو ذو العلاقة القريب منها، وعجز الوزير وعدم كفاءته يعود إليك يا فلان، يا مستجوب، لأنك من رشحته إلي، وأنا ما كان لي الخيار في اختيار شخص آخر، أنت ألزمتني بقبول فلان لوزارة الفلانية وقبول علان للوزارة الفلانية.

* هل ماتت الدعوة إلى عقد المؤتمر الوطني لحل الأزمة؟
- لا .. على العكس، والاتجاه الآن إلى اللقاء الوطني أو المؤتمر الوطني أو التحاور الوطني وإلى المصالحة الوطنية، بل إن مسألة سحب الثقة شبه انتهت، إن لم أقل انتهت نهائيًا، لأن العدد المطلوب لسحب الثقة غير متوافر، وأنا أرى أن الذهاب إلى الحوار الوطني هو الأفضل للجميع.

* لماذا نأى التيار الصدري بنفسه عن سحب الثقة من رئيس الوزراء فجأة؟
- ليس فجأة أبدًا.. من سمع خطاب السيد الصدر حينما قال باللهجة العامية العراقية (أردناها فركة خشم) بالحرف الواحد، بما معناه: أي.. أردناها (لكمة على الأنف)، ومن الممكن أن تكون القضية واضحة وبينة، بمعنى أنني لا أريد أن أضربك، بل أريد فقط أن (أنبهك)، معناها لا تعتقدون أن ما أقوله يرتب عليّ شيئًا، أي إنني لم أقدم على خطوة أكثر من التنبيه، وجملة (فركة الخشم) عندنا بالبغدادي (أفرك خشمه) يعني أنبهه، ولا أقضي عليه وأقتله، يعني أنني لن أصل إلى حد الاستجواب أو التصويت ضده، ولكنني نبهته، ولم يكن التيار الصدري متحمسًا كما ينقل الإعلام، فالإعلام ينقل خطأ، الإعلام انتقائي، فالتعبير الذي استخدمه سماحة الصدر واضح جدًا (فركة خشم) فقط، أي تنبيه لا أكثر، كما يقال لدينا في اللهجة العامية (جرة أذن).

* أي يد لإيران كما يتهمها الكثيرون في ما يجري على الساحة السياسية؟
- كل دول العالم تفعل هنا في العراق ما تفعل، الكويت، والسعودية، وقطر، وتركيا وإيران وأميركا، ولا تستبعد أحدًا نهائيًا، فـ (الأنابيب) مفتوحة، والدفع مفتوح، وإيران لها رأي في العراق، كما نحن لنا رأي في سوريا، فهل يعتبر ذلك تدخلاً في الشأن الداخلي السوري؟، لا ليس تدخلاً، لأن لنا الحق، لكوننا لا نتأثر بما يحصل في سوريا، مثلما تتأثر إيران بما يحصل في العراق، وكذلك الكويت والسعودية وقطر تتأثر بما يحصل في العراق، هم يقولون إنهم مسؤولون أمام الله عن مكون معين فيتدخلون، فالتدخل من كل الجهات، وكل من يقول لك لا يوجد تدخل إلا من جهة معينة فهو غير عارف بالأمور وأجهل من جهول.

* ما الذي تتوقعه للأحداث الجارية وأين يمكنها أن ترسو؟
- من مصلحة المالكي أن تجري الآن الانتخابات البرلمانية، لأن المالكي سيحقق على أقل تقدير 140 مقعدًا، بدليل أن في الموصل البعيدة عن المالكي، كان هنالك ستة نواب من مجموع 25 نائبًا مع رأي المالكي بإقالة المحافظ أثيل النجيفي، معنى ذلك أن للمالكي أكثر من ربع الأصوات في الموصل، وكذلك كركوك وقس على هذا. أما الجنوب فمسألة واضحة أن المالكي أغلق الأبواب أمام كل الحركات السياسية.

* كخبير قانوني ومحلل سياسي.. هل أنت مع إجراء انتخابات مبكرة؟
- أقول لا، لست مع إجراء هذه الانتخابات، لسبب بسيط، وأنا هنا أناقشها كمسألة لوجستية، إننا ابتلينا بما يسمى بـ (مفوضية الانتخابات) التي جاء بها لنا برايمر، وإلا .. انظر إلى مصر، فقد أجروا فيها انتخابات واستفتاء، ومن ثم انتخابات عن طريق القضاء، وتمت في يومين أو ثلاثة، الآن يخرج أخونا رئيس المفوضية ويقول (أين الفلوس؟)، وهو لديه 50 مديرًا عامًا، ثم إن مسألة المفوضية عرضوها على ليبيا، ورفضتها، وتونس ورفضتها، لأنهم يعرفون أن إنشاء سلطة داخل سلطة يعقد الأمور، هذا الكيان الذي أوجده برايمر، وبرايمر يعمل بالاتفاق مع (منظمة الأمم المتحدة)، والكيان هذا (المفوضية) بطبيعته وبجوهره يؤدي إلى النزاعات والخصومات، فالكيان يتأثر بتأثير خارجي، وأنا أعلم وأدرى بما حدث خلال الانتخابات السابقة، خذ مثلاً.. شخصية كبيرة ومعروفة، مثل الدكتور محمد فؤاد معصوم، أعلنوا له 18 ألف صوت فقط، في حين لما جمعنا القوائم لاحقًا وجدنا أنهم شطبوا منه 10 آلاف صوت، نعم.. تحدث أخطاء في مئة أو مئتين صوت، ولكن تصور وضع فؤاد معصوم هكذا، فكم من خطأ حدث في الحساب لآخرين؟، وما هو شكل تدخل الأمم المتحدة وتدخل أميركا وغيرهما؟، فلو إنهم وضعوها على القضاء مثل مصر لكانت الأمور أفضل.