السيارات المفخخة ترعب العراقيين

تستمر انفجارات السيارات المفخخة في العراق زارعةً الرعب في نفوس المواطنين، مخلفةً الكثير من القتلى والجرحى، ومن المرضى النفسيين المذهولين من هول الصدمة التي يخلفها الانفجار.


بغداد:ترتبط السيارة المفخخة يومًا بعد يوم ارتباطًا وثيقًا بالحالة النفسية للمواطن في العراق، لتصير جزءًا مهمًا من حياته اليومية، لأنه يتوقعها في أي لحظة، تروّعه في ظل غياب القدرات الأمنية الفاعلة التي تحول دون انتشار السيارات المفخخة، التي لم تعد تقتصر على منطقة معينة.
يقول المواطن أحمد كريم إن الأمهات العراقيات ينبّهن أولادهن وأفراد الأسرة على وجوب الحذر والانتباه وعدم التجول في المناطق المزدحمة. لكن هذه التحذيرات، بحسب كريم، quot;لا تجدي نفعًا أمام خطر يتربص بك في أي فرصةquot;.
وكان كريم قد فقد أخًا في العام الماضي نتيجة انفجار سيارة مفخخة في مدينة الحلة في محافظة بابل. يقول: quot;مات أخي جراء العصف القوي الذي نتج من الانفجار، ولم يصب بأي شظيةquot;.

ضحايا

يفسر الطبيب أكرم الخزاعي ردود الفعل الفيزيولوجية الناتجة عن الصدمة. فالكثير من الضحايا فقدوا حياتهم quot;بسبب تغيّر في ميكانيكية عمل القلب حيث تتحول كميات من الدم بسرعة هائلة إلى الدماغ والعضلات، ما يسبب توترًا فيها، ويضعف التنفس إلى درجة يفقد معها الانسان حياتهquot;.
ومن التجارب المريرة مع السيارات المفخخة تلك التي عاشها قحطان الجبوري، الذي نجا بأعجوبة من انفجار إحداها في شارع حيفا في العام 2010، إذ يقول إنه مرّ بفترة من فقدان الوعي لا يعرف ما الذي حصل له، ثم استعاد وعيه بمساعدة الناس من حوله، لكن حالة من التخدير الحسي لازمته، تبعها جمود حركي ونفسي وكأنه تحت تأثير التخدير.

يتابع الجبوري: quot;ما زلت أعاني من ذلك إلى الآن، ومن غير أن أحظى بمساعدة الدولة أو أتلقى الدعم أو أنال تعويضًا ماديًا باعتباري ضحية من ضحايا الارهابquot;.
وقد هزت انحاء العراق طوال العام 2011 سلسلة تفجيرات نتج عنها العشرات من الضحايا، كما ظلت وتيرة التفجيرات محافظة على نفس المستوى في العام 2012 .

هوس ورهاب

صارت كلمة مفخخة في العراق مصطلحًا يوميًا، يستخدمه الجميع في المجالس وجلسات السمر، كما دخلت هذه الكلمة قاموس النكتة من أوسع أبوابها.
ويشير الباحث الاجتماعي ميثم القاضي إلى أن هوس المفخخة اجتاح النفسية العراقية، إلى درجة أن الشخص يدعو على عدوه بالمفخخة على سبيل المثال، مزاحًا أو تمنيًا جديًا. لكن المشكلة بحسب القاضي ليس في المفخخة نفسها، بل في انعدام الثقة في الأجهزة الأمنية التي لم تستطع طوال سنوات من لجم خطر المفخخات.
يقول القاضي: quot;صارت عصا الكشف عن المتفجرات مدعاة للسخرية، وانعدمت ثقة المواطن العراقي بالإجراءات الامنية ونقاط التفتيش المنتشرة على الطرق الداخلية والخارجيةquot;.

عدم القدرة على لجم المفخخات أضعف الثقة بالقوى الأمنية

ويذهب المواطن سعد حسن إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أن الأجهزة الأمنية مخترقة، وأن رجل الأمن يقف ضعيفًا بلا ارادة امام صانعي المفخخات التي تجوب الشوارع. يضيف: quot;لو أن المفخخات تنفجر في أماكن بعيدة لقلنا أن هذا أمر يصعب السيطرة عليه، لكن المفخخات تخترق مراكز المدن والمناطق المحمية بحزام أمنيquot;.
يعالج الطبيب النفسي جعفر حسين الكثير من الحالات النفسية المرتبطة بالرهاب الناتج عن سماع اصوات تفجير قوية. يقول: quot;هناك الكثير من المصابين بمشاكل السمع، كانوا في اماكن قريبة من التفجيرquot;.
كما ان هناك الكثير من حالات القلق والخوف بسبب التفجيرات. إحدى هذه الحالات، سعدون قاسم الذي يعاني من رجفة مستمرة ناتجة عن تفجير سيارة مفخخة في مدينة المحمودية.

صدمة فجنون

ماجد شامل ضحية أخرى من ضحايا المفخخات، لا يزال يعاني من نوبات الصراخ والنواح المفاجئة، وعدم استيعاب الكثير من الظواهر الحياتية من حوله، حيث يطلق عليه الناس لقب المسطور، وهي كلمة شعبية تطلق على شخص فقد القدرة عل التفكير المنطقي ورد الفعل الطبيعي.
ومن الحالات الأخرى أيضًا ما يعانيه قيس العامري الذي فقد التوازن الحركي لحظة انفجار مفخخة على بعد مسافة قريبة منه.

ويقول الباحث النفسي كريم علوان أن العراق لا يوفر مراكز وقاية نفسية تعمل على معالجة ضحايا الانفجارات، للحيلولة دون تحول الواقعة الصدمية إلى عصاب نفسي يترك أثره على سلوك الفرد المصدوم ومستقبله. ويتابع: quot;في بعض الحالات، تحول المصدومون إلى مجانين، بعدما أثر صوت الانفجار في سمعهم وبصرهم وآلية تفكيرهمquot;. ويؤكد علوان أن جهل البعض يزيد من معاناة هؤلاء، اذ يعتبرهم البعض مجانين أو مخابيل باللهجة العامية العراقية.

يرجع الطبيب توفيق الهلالي كثر الاعاقات الناتجة من التفجيرات بالمفخخة إلى أن المفخخات في العراق تستخدم قوة تفجير عالية جدًا، تتجاوز الحدود المسموح بها للمثيرات الحسية الطبيعية التي يمتلكها الانسان، مشيرًا إلى أن حالات الضحايا من جراء المفخخات تتجسد في فقدان السمع وحتى البصر واللوثة العقلية واضطراب التفكير، إضافة إلى خفقان القلب وضيق التنفس والدوار والشعور بالصداع وعدم الرغبة في الحياة اضافة إلى اليأس والعدوانية تجاه الآخرين.

فقدان الثقة

النقطة الأهم التي يركز عليها باحثون اجتماعيون هي فقدان المواطن الثقة بالسلطة، لا سيما الامنية. فطوال سنوات منذ العام 2003 لم تتمكن هذه السلطات من كبح جماح صانعي السيارات المفخخة، بل أن هذه المفخخات بدأت تتسلل إلى المناطق الحساسة في تفجيرات نوعية، ما جعل المواطن ينظر إلى الاجهزة الامنية بعين الشك في قدرتها على حفظ امن المواطن.
كما يرى المواطن العراقي أن الكثير من عصابات السيارات المفخخة ترتبط بشكل أو بآخر بجهات سياسية توفر لها غطاءً سياسيًا يتستر عليها، ويتيح لها تمرير عملياتها. ويقول المواطن تيسير حسن: quot;لا يمكن لأحد أن يقول إن هذا الكلام مبالغ فيه لأن الوقائع على الارض تدل على ذلكquot;.

مستمرة!

ويؤمن غالبية العراقيين بأن السيارات المفخخة ستستمر، متوقعين ضربات قوية في المناطق الحساسة في المدن. ويقول الجبوري: quot;كنا نعتقد أن منفذي العمليات الانتحارية بالمفخخات أجانب دخلوا العراق لينفذوا أجندة القاعدة والجماعات المسلحة الأخرى، لكن هذا القول لم يعد يصدقه أحد، فثمة جهات داخلية في العراق تدير عجلة التفجير بالمفخخاتquot;.

انفجارات السيارات المفخخة تحصل يوميا

ويربط المدرّس علي حسين بين المفخخات والعملية السياسية في العراق، ويعتقد أن لهذه الانفجارات علاقة بالصراع على الكراسي ومراكز النفوذ. يقول: quot;المشكلة في العراق اليوم تتجاوز الأضرار الآنية التي تتركها السيارة المفخخة، سواء مادية أو بشرية، إلى الأبعاد المستقبلية في ما يتعلق بضحايا التفجيرات، الذين لا يجدون الرعاية اللازمة، صحية أو اجتماعية أو اقتصاديةquot;.
ويقول الإعلامي عباس الطائي إنه رأى بأم عينه عددًا من التفجيرات حين يهرع الناس إلى المكان ويخلون الجرحى والقتلى، في غياب مؤسسات تتابع حالة الضحية بعد الانفجار، أو تقدم له المساعدة.