لم يعد غريبًا أن تسمع في العراق عن حالات وفاة كثيرة يكون المتسبب فيها أعيرة نارية أطلقت بلا ضابط في المناسباتيكون ضحيتها اناس ابرياء، كما حصل مؤخرًا في الفلوجة عندما اصيبت عروس بجروح نتيجة اطلاقات نارية اثناء مرور موكب عرسها وسط المدينة.


بغداد: على الرغم أن مشهد إطلاق العيارات النارية من البنادق أو المسدسات في سماء مدن العراق مألوف ايضًا في الكثير من الدول العربية، الا أن ما يميزه في العراق هو حدوثه في بلد شهد دوامة عنف داخلي لعدة سنوات، اضافة الى معاناة من حروب خارجية امتدت لسنوات عدة.

ولعل هذه ما يمنح مشهد العيارات النارية في المناسبات بعدًا استثنائيًا، اذ يمثل لدى الكثير من العراقيين انعكاسًا لزمن الحروب وامتدادًا لاسقاطاتها، كواحد من مظاهر العنف الذي اصبح وسيلة من وسائل التعبير.

تعكس الظاهرة تناقضًا واضحًا بين ما يجهر به المواطن من رغبة في نبذ التسلح ومظاهر القوة والعنف وبين ممارسات تناقض هذه الرغبة.

أفراح العراقيين قد تتحوّل إلى مآتم بسبب اطلاق النار العشوائيّ

في الاسبوع الماضي سجلت الاحداث اكثر من واقعة اطلاق عيارات نارية في المناسبات راح ضحيتها اناس ابرياء، ففي وسط الفلوجة ( 60 كيلو متراً شمال غرب بغداد) اصيبت عروس بجروح نتيجة اطلاقات نارية اثناء مرور موكب عرسها وسط الفلوجة.

وفي مدينة الحلة (100 كم جنوب بغداد) استقبلت المستشفى الجمهوري في اسبوع نحو عشرين شخصاً اصيبوا باطلاقات نارية وبعض حالاتهم خطرة بحسب الطبيب علي صاحب.

ممارسة جمعية

ولا يحصر ضابط الشرطة العقيد صالح نايف الظاهرة في فئة معينة، بل يعتبرها ممارسة جمعية يشترك فيها حتى الاطفال في بعض الاحيان.

ويقول لـ(إيلاف): quot;الشباب يطلقون العيارات النارية اثناء مواكب الاعراس وفي بعض الاحيان في لحظات (النجاح) في المدرسة، بل أن الكثير منهم يطلق النار في الهواء لغرض المتعة ليس إلاquot;.

رغم أن الجهات الامنية تنبّه اصحاب المناسبات بحسب نايف الى التبعات القانونية لاطلاق العيارات النارية لاسيما في الاعراس والمآتم الا أن ذلك لم يحل دون استمرار الظاهرة، معتبراً أن ما يجري هو ثقافة مجتمع كامل، ويجب على المواطن المساعدة في الحد منها، وتقليل الأضرار الناجمة عنها.

للكبار في السنّ نصيب

حتى الكبار في السن ، يمارسون اطلاق النار في الافراح وكذلك في مواكب العزاء والتشييع لاسيما بين شيوخ العشائر، فما إن يموت شيخ عشيرة أو وجه اجتماعي معروف حتى تتحول الساحات والشوارع التي تمر بها مواكب التشييع الى اشبه ما تكون بساحة حرب لكثرة ما يطلق من رصاص في الهواء.

سلوك غير متحضّر

تعتبر الباحثة الاجتماعية لمياء فاضل اطلاق الأعيرة النارية للتعبير عن الفرح أو الحزن بأنها وسيلة غير متحضرة وسلوك اجتماعي غير سوي، لكنها تعترف أن آراءها هذه تبدو متناقضة اذا ما عرفنا أن زوجها وابنها من ( المدمنين ) على اطلاق النار في الهواء في الكثير من المناسبات.

وتضيف: quot;حاولت ثنيهم اكثر من مرة على ضرورة الكف عن ذلك، لكن ذلك لم يجد نفعًا، اذ إن عادات وتقاليد المجتمع تمنعهم من التخلي عن ادوارهم ومساهماتهم حتى وإن كانت بسيطة مثل المشاركة في المناسبات والتعبير عن المشاركة باطلاق النار في الهواء.

وتمتلك اسرة لمياء ثلاث بنادق وثلاثة مسدسات، في دلالة واضحة على مستوى انتشار السلاح بين المدنيين.

في العام 2010 تحول حفل عرس بحسب لمياء الى مأتم بسبب اصابة شخص بعيار ناري عشوائي في كتفه من بندقية زوجها مما استدعى نقله الى المستشفى.

إبراز القوة

الباحث النفسي علي البياتي يعتبر إطلاق العيارات النارية في المناسبات وجهاً من اوجه (التضامن) الاجتماعي بين الناس، بحسب ما يعتقدونه، كما أنه لدى البعض الاخر وسيلة لإبراز قوة العشيرة أو الاسرة امام الجمهور.

ويشترط القانون العراقي الحصول على موافقة رسمية لاقتناء الأسلحة، إلا أن الكثيرين لا يكترثون للأمر ويفضلون اقتناء السلاح بصورة سرية بعيدًا عن أعين الرقابة والقانون.

يقول المحامي اسماعيل الزبيدي: quot;تنص المادة 3 من قانون الأسلحة رقم 13 الصادر عام 1992 والمعمول به الى الآن ، أنه (لا يجوز استيراد أو تصدير الأسلحة الحربية وأجزائها وعتادها أو حيازتها أو إحرازها أو حملها أو صنعها أو إصلاحها أو نقلها أو تسليمها أو تسلمها أو الاتجار فيها).

أما السلاح الناري وهو المسدس والبندقية الاعتيادية وبندقية الصيد، فيتوجب الحصول على تصريح باقتنائهم.

يؤكد الزبيدي أن ظاهرة استخدام الاسلحة النارية للتعبير عن العاطفة في الافراح مثلما الاحزان عادة اجتماعية متأصلة في المجتمع بل اصبحت جزءًا من عادات وتقاليد ولا يمكن للإجراءات الامنية أن تقف بوجهها، ويتابع : حتى في زمن النظام السابق فإن الجهاز الامني القوي لم يستطع أن ينال من الظاهرة.

ويسبب اطلاق العيارات النارية في الهواء خسائر مادية جسيمة مثلما يتسبب في خسائر في الارواح اضافة الى الاضرار التي يلحقها بالبيئة.


تشييع شيخ عشيرة

يؤكد ماضي حسين من اليوسفية ( 25 كم جنوب غرب بغداد) أنه لا يمر فرح أو مأتم بل وحتى مناسبات النجاح في المدرسة أو الجامعة من دون إطلاق العيارات النارية.

ويحصي حسين نحو خمسين قطعة سلاح استخدمت اثناء تشييع شيخ عشيرة في اليوسفية مما يبعث على التساؤل عن اعداد قطع الاسلحة التي بحوزة المدنيين.

وأجازت الحكومة العراقية مطلع أيار/مايو الماضي حيازة سلاح خفيف واحد في كل بيت، شريطة أن يتم تسجيله في اقرب مركز للشرطة.

ضحايا

ابو عمران من المحاويل ( 70 كلم جنوبي بغداد) اصيب في قدمه من جراء طلق ناري طائش وهو جالس في مزرعته مؤكدًا أن مصدر الانطلاقة كان عرسًا قريبًا من المزرعة.

كما اصيب الفتى سعد جبار (14 عاماً)، بطلق ناري في يده اثناء تواجده في موكب تشييع احد اقربائه في اللطيفية ( 35كم جنوب بغداد ).

لكن حالة سعدون الجنابي تشير الى هول الاضرار التي يمكن أن تتسبب بها فوضى استخدام السلاح في العراق، فقد اصيب الجنابي اصابة مباشرة في فخذه من اطلاقة بندقية لأحد اقربائه كان يقف الى جواره، مما ادى الى تلف اعصابه بشكل نهائي ليتحول الى شخص مقعد.