الرئيس التونسي يستعد لالقاء خطابه في أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 67

قال الرئيس التونسي منصف المرزوقي إن ثورات الربيع العربي أثبتت عدم صحة مقولة إن quot;الديمقراطية والإسلام ضدان لا يتفقانquot;.


أكد الرئيس التونسي منصف المرزوقي أن الإسلاميين عامةً وفي تونس تحديدًا يشكلون تيارًا من التيارات المختلفة الموجودة على الساحة السياسية، يشاركون في النقاشات الدائرة حول مختلف المواضيع، ويمثلون قطاعاً عريضاً من الأيديولوجيات المختلفة، إضافةً إلى أنهم ممثلون في البرلمان.

إلا أن التظاهرات العنيفة التي اندلعت في الأسابيع الأخيرة في بعض الدول الاسلامية، جعلت الكثير من القادة الأميركيين والأوروبيين ينظرون إلى ثورات الربيع العربي بعين التشاؤم، معلنين فشلها في تحقيق مشروع الديمقراطية في البلاد الثائرة على عهود طغيان بائد. فتبددت الحماسة التي تلت خلع الديكتاتورين التونسي والمصري في العام الماضي، لتحل مكانها المرارة والتوقعات بحلول كارثة في أي لحظة.

صراع حضارات

وأشار المرزوقي في افتتاحية صحيفة نيويورك تايمز يوم 27 أيلول (سبتمبر) الماضي إلى الأحاديث المتشائمة عن الخريف الإسلامي أو الشتاء السلفي بعد ثورات الربيع العربي، معتبراً أن هذه الأقاويل تصدر عن أشخاص يرون أن القوة الوحيدة الدافعة في المجال السياسي العربي هي الدين، وأن رفع المحتجين على الفيلم المسيء للرسول اللافتات المناهضة للولايات المتحدة ومهاجمة السفارات الأميركية في دول مختلفة ومقتل السفير الأميركي في بنغازي، أدلة على صراع حضارات بين الإسلام والغرب.

وأضاف المرزوقي في مقالته وعنونها quot;ما زال الربيع العربي مزهرًاquot;: quot;نتفهم هذه المواقف، على الرغم من أنها في غير محلها، فالثورات العربية لم تتحوّل إلى حركات مناهضة للغرب ولا موالية له. فالغرب ببساطة ليس جوهر هذه الثورات، إنما جوهرها العدالة الإجتماعية والديمقراطية، كما أنها غير مرتبطة بالدين أو بتطبيق الشريعةquot;.

غير أن عملية التحول الديمقراطي في تونس ومصر وغيرهما من الدول سمحت بظهور بعض المتطرفين الاسلاميين، ووصول بعضهم إلى تسلّم السلطة السياسية، quot;ما يدحض الأسطورة القائلة أن الإسلام والديمقراطية لا يتوافقانquot;، بحسب المرزوقي.

أقلية داخل أقلية

الإسلاميون فاعلون سياسياً كغيرهم، ولا يتمتعون بحصانة ضد النقد، خصوصًا أن الأحزاب الإسلامية تحررت من قيود سابقة منعتها من المشاركة في النقاش السياسي والفوز بالمقاعد في المجالس النيابية والحكومات.

لكن هذه التحولات جعلت الانقسامات التي كانت قائمة بين الإسلاميين أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، لأن الإسلاميين ينتمون إلى طيف أيديولوجي وسياسي واسع.

يعارض المرزوقي قول بعض المراقبين إن المجموعات السلفية المتطرفة تشكل الأغلبية، لأن هؤلاء السلفيين المتطرفين الذين يدعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في تونس قلة قليلة، وكذلك أمرهم في مصر، حيث الغلبة لتيار إسلامي أكثر اعتدالًا. ويؤكد المرزوقي أن السلفيين quot;أقلية داخل الأقلية، ولا يتمتعون بشعبية واسعة في صفوف التونسيين المتدينينوالعلمانيين على السواءquot;. فهدف هؤلاء المتطرفين هو الفوضى، وليس المشاركة السياسية. وقبل أن يهاجموا الرموز الأميركية، عمدوا إلى إهانة الرموز التونسية وأولها العلم والنشيد الوطني.

وعلى الرغم من أعدادهم القليلة، إلا أن المرزوقي يحذر من quot;إغفال الخطر الذي يشكله هؤلاء، فالإقتصاد التونسي يعتمد على ملايين السياح الذين يزورون البلاد سنويًا، والسياحة قد تتدمر بمجرد أن يقوم السلفيون المتطرفون بمهاجمة أجنبيين أو ثلاثة في تونس،ليفتكوا بسمعة بلادنا المسالمة. ونحن بوصفنا حكومة ديمقراطية ندعم حق السلفيين بحرية التعبير شرط الا تصل إلى التشجيع على العنف الذي يعتبر خطاً أحمر سيتم إيقاف كل من يتخطاهquot;.

مبالغات غربية

يشير المرزوقي في مقالته نفسها إلى أن وسائل الإعلام الغربية بالغت في تعظيم قوة المجموعات السلفية، quot;كما أن صور الحشود الإسلامية التي نشرتها بعض المجلات مثل نيوزويك الأميركية أرست في أذهان بعض الغربيين بأن العالم العربي عاد إلى الهيستيريا الإسلامية، وهو عاجز عن الدخول في حوار حضاري أو إجراء مفاوضات سلميةquot;. يضيف: quot;بعبارات أخرى، يعتقدون في الغرب أن العالم العربي عاجز عن إدارة شؤونه السياسيةquot;.

لكن هذه الصورة quot;خرافية ولا تعبّر عن حقيقة الواقع الاجتماعي أو السياسيquot;، كما يقول المرزوقي. يتابع: quot;القول إن المجموعات التي نظمت تظاهرات عنيفة تمثل كل العرب يرادف القول إن الذين يتحدثون عن تفوق العرق الأبيض يمثلون كل الأميركيين، أو القول إن القاتل الجماعي النرويجي أندريس برافيك يمثّل كل الأوروبيين، فهذه كلها أقوال سخيفة ومنافية للعقلquot;. وكأن المرزوقي في ذلك يهاجم التعميم الغربي، لأنه يأخذ كل تونس في جريرة 300 شخص احتجوا بضراوة على فيلم quot;براءة المسلمينquot;، ويناشد في الوقت نفسه العديد من العلماء المسلمين بألا يقوموا برد فعل عنيف على هذه الاستفزازات. فمعظم التونسيين ندد بأعمال العنف التي تعرضت له السفارات الأميركية، على الرغم من شعورهم بالإستياء جراء الاستفزازات الأميركية والأوروبية الموجهة ضد الإسلام.

إن هذا اللغط، بحسب المرزوقي، أضاف الصعوبات على طريق النضال في سبيل تحقيق هدف الثورة الرئيسي، وهو بناء المؤسسات الديمقراطية والوظائف ووقف الهجرة التونسية إلى أوروبا. يقول: quot;هذه المهام صعبة تثقل كاهل أي دولة، فكيف الحال بالنسبة للديمقراطيات العربية الجديدة، فنحن في تونس نسابق الفقر والحرمان، وعلى الغرب ألا يتخلى عنا، بل عليه دعم جهودنا لتعزيز مؤسساتنا الديمقراطية وتأمين الحدود لوقف وصول السلاح إلى المتطرفينquot;.