تردد المعارضة المصرية في التعامل مع الاستفتاء، جعلها في النهاية غير قادرة على تحدي الحملة القوية التي خاضها الإخوان المسلمون والسلفيون لصالح الدستور.


حين طُرحت مسودة الدستور المصري للاستفتاء في كانون الأول/ديسمبر الماضي كانت المعارضة المصرية مشتتة، كالعادة بعد أن ظلت طيلة أسابيع تتذبذب بين مقاطعة الاستفتاء والدعوة الى التصويت ضده. وعندما قررت أخيرًا المشاركة في الإستفتاء ولكن قبل أيام من جولته الأولى في 15 كانون الأول/ديسمبر جاء قرارها متأخرًا بحيث لم تتمكن من تحدي الحملة القوية التي خاضها الإخوان المسلمون والسلفيون لصالح الدستور بحملة تضاهي حملتهم.

ولكنّ ردود الأفعال التي واجهت الرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين على quot;سلقهمquot; الدستور وتمريره بعجالة دون مساهمة من المعارضة منحت خصومهم أملا جديدًا بالنجاح في الانتخابات التشريعية.

وقال عضو مجلس الشعب المنحل مصطفى الجندي الذي ساهم في تأسيس جبهة الانقاذ الوطني لصحيفة كريستيان ساينس مونتر إن قوى المعارضة المصرية خلفت انقساماتها وراءها quot;ونحن نشكر السيد مرسي على ذلكquot;.

وأضاف الجندي أن تحالف محمد البرادعي وحمدي صباحي quot;هو الآن حقيقة واقعةquot;. ويؤكد اتفاق البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية البرادعي مع صباحي المرشح الناصري الذي فاجأ المراقبين بمجيئه ثالثا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، أن هناك تصميماً قويًا في صفوف المعارضة على بناء جبهة موحدة في مواجهة الإخوان المسلمين.

ويشد هذا في أُزر المعارضين الذين يستعدون لخوض الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في غضون شهرين من الموافقة على الدستور بموجب القانون.

ولكن هناك أيضًا من يقول إن المعارضة وحدها التي تتحمل مسؤولية فشلها في الحد من النجاحات الانتخابية للإخوان المسلمين.

ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن فادي رمزي الذي يدير مركز quot;مصريquot; للأبحاث quot;أن كثيرين كانوا يريدون التصويت بـquot;لاquot; في الاستفتاء على الدستور ولكنهم كانوا يريدون سببا وجيها لذلك، والمشكلة أن المعارضة ليس لديها منتوج تروجه وكان عليها أن تستثمر وقتها في اقناع المواطنين بأن هذا الدستور مرفوض لهذه الأسباب وعلينا أن نقدم شيئا أفضل، لأن ما لدينا الآن هو حفنة من المفردات اللطيفة بلا آلية تُلزم الحكام بتنفيذ الوعود التي يتضمنها الدستور. ولكن المعارضة بدلا من ذلك اختارت أن تطلق كثيرًا من الضوضاء عن ثقل الشريعة في الدستورquot;.

وما ذهب اليه رمزي ردده ناخبون في بعض مناطق الدلتا مؤخرًا عندما صوتت غالبية المصريين بـquot;نعمquot; مشيرين إلى رغبتهم في الاستقرار بوصفها السبب الرئيس وراء خيارهم هذا في حين أن غالبية الذين صوتوا بـquot;لاquot; كانت لديهم أسباب محدَّدة ضد الدستور بينها غياب الحد الأدنى للأجور في مصر أو حقيقة أن العلاج المجاني مرهون بتقديم quot;شهادة فقرquot; يرى كثير من المصريين أنها ورقة مهينة.

ولم يأت مصري واحد شارك في الاستفتاء على ذكر الشريعة بوصفها سببًا للتصويت بنعم أو لا على الدستور رغم الحملة القوية التي خاضها الإخوان المسلمون والمعارضة على السواء بشأن هذه القضية تحديدًا.

وقال مدير مركز quot;مصريquot; للأبحاث فادي مصري quot;إن العامل الديني يتراجع مع كل انتخاب وأخذ المواطنون يدركون أن لعبة سياسية تُمارس مع الدين وبدأوا يرفضون وضعهم أمام خيار إما مع الإسلام أو ضدهquot;.

كما ان هناك قناعة متزايدة بأن الفوضى التي أعقبت سقوط حسني مبارك في شباط/فبراير 2011 ربما كانت حتمية.

وقال الناشط السياسي الفريد رؤوف quot;إن من غير المعقول أن نتوقع لمصر مشهدًا سياسيًا متعافيًا بعد عامين فقط على سقوط الدكتاتوريةquot; رغم كل الانتقادات التي توجهها المعارضة.

وتابع رؤوف quot;اننا بحاجة إلى خمس سنوات على الأقل للوصول الى هذا الهدف ولا سيما أن الاخوان المسلمين لا يعتزمون حقًا ايجاد مشهد سياسي متنوع، بل يريدون الحلول محل الحزب الوطني الديمقراطيquot; في اشارة إلى حزب مبارك السابق.

وكتب رؤوف في صحيفة quot;ذي ايجبت اندبندنتquot; أن ما حدث من فوز ساحق حققته جماعة الإخوان المسلمين بعد سقوط النظام السابق quot;يبدو لغالبية المواطنين نتيجة كارثية لثورة عُلقت عليها آمال عريضةquot;، ولكنه في الواقع أفضل الموجود.

ويرى رؤوف الذي ساهم في تأسيس حزب الدستور بزعامة البرادعي أنه ما زالت هناك فرصة أمام المعارضة لتحقيق مكاسب في الانتخابات البرلمانية القادمة حتى إذا تفكك ائتلاف المعارضة الحالي قبل موعد التوجه الى صناديق الاقتراع.

ويعتقد النائب السابق مصطفى الجندي أن لدى المعارضة فرصة للفوز بأغلبية في البرلمان. ولكن رؤوف اكثر تحفظا في توقعاته قائلاً quot;اعتقد ان لدينا فرصة طيبة للحصول على 45 في المئة من المقاعد في البرلمان من نحو 30 في المئة شريطة ألا يحدث تزويرquot;.

ولكن أشد ما يقلق رؤوف هو نسبة المشاركة في الانتخابات التي تتناقص مع كل انتخاب أو استفتاء. وقال quot;احسب أن المواطنين لم يعودوا يؤمنون بالديمقراطية ـ لأنهم لا يرون أنها تساعدهم في حياتهم اليوميةquot;.