خلص باحثون مستقلون متخصصون في تقفي أثر الأسلحة، بعد جهد امتد على مدار ستة أعوام، إلى أن مصدر الذخيرة وخراطيش بنادق الكلاشينكوف التي عثروا عليها في مناطق صراع متفرقة في القارة الأفريقية مثل كينيا وأوغندا ودارفور وغينيا، ليس دولة أفريقية من بين الدول المعتاد الاشتباه فيها، وأن هذا المصدر هو إيران.


توصل الباحثون إلى تلك النتيجة المثيرة من خلال تبادلهم لمعلومات من 4 قارات، حيث تبين لهم أن هناك جهة توفر سرّاً ذخيرة الرشاشات الآلية والبنادق، وتمنحها إلى الجهات المقاتلة في مناطق الصراع المستعرة، وأنها أخفت هويتها لسنوات.

لفتت في هذا الصدد صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إلى أن إيران تمتلك قطاعَ تصنيع عسكريًا مطورًا بشكل جيد للغاية، لكنها لا تُصَدِّر أسلحتها بكميات منافسة كتلك التي تصدرها الدول التي تحظى بباع طويل في تجارة الأسلحة على الصعيد العالمي، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين والعديد من الدول الأوروبية الأخرى.

غير أن خياراتها الخاصة بالصادرات تحظى بأهمية في تلك الحالة. فبينما تجتذب ذخيرة الأسلحة الصغيرة قدراً أقل من الاهتمام بالأسلحة الاستراتيجية التي تحظى بإدانة دولية، مثل الألغام الأرضية والقنابل العنقودية، فإنها تعتبر مكوناً أساسياً للعنف المنظم، وتشارك كل عام وفي كل حرب في وقوع جرائم ووفيات لا تحصى.

شبكات سرية
وأضافت الصحيفة أن إيران تمكنت على مدار السنوات الماضية، رغم ما تواجهه من مراقبة خارجية شاملة بخصوص برنامجها النووي ولدعمها جهات حليفة في الشرق الأوسط، من توزيع ذخيرتها التي تصنعها بالداخل عبر شبكات سرية على قائمة طويلة من المسلحين، بما في ذلك مناطق تحظر الأمم المتحدة وصول الأسلحة إليها.

أعقبت النيويورك تايمز حديثها بالقول إن آثار الأدلة تم الكشف عنها من خلال التحقيق الذي شمل الخراطيش الإيرانية الموجودة في حوزة المتمردين في ساحل العاج والقوات الفيدرالية في جمهورية الكونغو الديمقراطية وحركة طالبان في أفغانستان، إضافة إلى جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في دولة النيجر.

أداة في أقبح حروب أفريقيا
تم توثيق تلك الذخيرة في الأساس في القارة الأفريقية، حيث خلص الباحثون إلى أن الكميات غير المعلومة منها قد تم منحها إلى حكومات في غينيا وكينيا وساحل العاج والسودان. ثم انتقلت تلك الأسلحة من تلك الدول إلى معظم المناطق المتفجرة في القارة، وباتت أداة للعنف في بعض من أقبح حروب أفريقيا، وأداة تستفيد منها الأنظمة المعروفة بوحشيتها.

وفي الوقت، الذي ربما وقفت فيه الحكومات الأفريقية وراء هذا المعدل الكبير لتوزيع الذخيرة داخل القارة، فقد تم العثور أيضاً على الذخيرة نفسها في أماكن أخرى، منها مخبأ أسلحة تابع لمسلحين في العراق، وعلى متن سفينة كانت في طريقها إلى غزة.

تم الكشف كذلك عن الدور الذي تقوم به إيران في تزويد الحلفاءبالأسلحة إضافة إلى هؤلاء الذين يحاربون خصومها. وأميط النقاب عن بعض من تلك الممارسات أخيراً في الصفقة التي كان يتم من خلالها نقل صواريخ فجر-5 الأرض الأرض إلى قطاع غزة.

إيران ناقل أساسي للسلاح
وقال جيمس بيفان، وهو محقق سابق في الأمم المتحدة، ويعمل منذ عام 2011 كمدير لشركة بحوث تسليح الصراع الخاصة المسجلة في إنكلترا، وتعنى بتقفي أثر الأسلحة التقليدية quot;لو سألتموني قبل فترة ليست بالطويلة بخصوص دور إيران في نقل ذخيرة الأسلحة الصغيرة إلى أفريقيا، لكنت سأقول (ليس كبيراً). لكن فهمنا بدأ يتغيّرquot;.

وقد حاولت الأمم المتحدة عبر سلسلة من القرارات أن تمنع وصول الأسلحة إلى كل من ساحل العاج والكونغو والسودان وكل الأماكن التي وجد فيها الباحثون ذخيرة إيرانية.

وأشارت الصحيفة كذلك إلى استمرار وجود ذخيرة من مصادر أخرى، مثل الصين وروسيا والمجر وجمهورية التشيك، ودول كانت تتبع في السابق الاتحاد السوفيتي، إضافة إلى الذخيرة التي تقوم أيضاً بلدان أفريقية عدة بإنتاجها وتوزيعها.

لم ترد الحكومة الإيرانية أو منظمة الصناعات الدفاعية المنوطة في الجمهورية الإسلامية بتطوير السلاح على استفسارات مكتوبة بعثت بها الصحيفة في ما يتعلق بهذا الأمر.

وتبين للباحثين، بعدما قاموا بتجميع أختام معروفة يتم وضعها على قدر كبير من الذخائر الموجودة في العالم، أن الخراطيش التي عثروا عليها تحمل أختاماً غير مدرجة في السجلات المتاحة. واتضح أنها مجرد علامات معيارية بسيطة ورقمين يشيران إلى سنة الصنع.

تحت ستار quot;مواد بناءquot;
في أواخر عام 2011 على سبيل المثال، تحصل بيفان على بوليصة شحن 13 حاوية بضائع، استوقفتها السلطات في لاغوس في نيجيريا عام 2010، وقد أظهرت الوثيقة أن الحاويات آتية من إيران، وأن المحتويات الموجودة فيها عبارة عن quot;مواد بناءquot;.

لكن كما أوضح الباحثون في تقريرهم، تبين وجود شحنة أسلحة مخفية خلف ألواح حجرية ومواد عازلة، تضم نوعية الذخيرة نفسها التي سبق لهم أن وجدوها في ساحات القتال.

وتبين أيضًا أن شركة الشحن كانت موجودة في العاصمة الإيرانية طهران. وخلص بيفان أيضاً إلى أن إيران نشرت تفاصيل تقنية محدودة لما تنتجه من خراطيش، بما في ذلك الوزن الخاص بطلقات الرصاص، غير أنه حرص على التأكيد في مقابلات مختلفة أنه لا يدعم هو وزملاؤه فكرة القيام بعمل عسكري ضد إيران.