التحضيرات لمعركة القلمون على قدم وساق، فالنظام يريد إبعاد الخطر عن دمشق، وحزب الله يريد تأديب سنّة عرسال والثوار في ريف دمشق، والمعارضة تريد الصمود والجلوس على طاولة جنيف - 2 مرتاحة ميدانيًا.


ثمة سباق محموم بين القلمون وجنيف - 2. فأيهما يسبق الآخر يحدد مصير معركة كبرى من سلسلة معارك الحرب الأهلية السورية، على الرغم من أن كلًا من فريقي الصراع ومن وراءهما يريد أن يدخل باب جنيف-2 مرفوع الرأس بإنجاز ميداني، يخوّله الجلوس إلى الطاولة عالي الجبين، قادرًا على فرض شروط التحاور، وتوجيه دفة المؤتمر كما يريد.

نظام الرئيس السوري بشار الأسد يضع القلمون هدفًا لا بد من تحقيقه، لأنه إن تمكن من الانتصار في هذه الجبهة، قطع كل السبل على الجيش الحر ومن معه للبدء بمعركة دمشق، المؤجّلة بعد سلسلة من الانتكاسات الميدانية، كان أولها في القصير.

15 ألفًا
كما إن موقع القلمون، أي من الزبداني إلى جنوب دمشق، قريب من الحدود اللبنانية، وتحديدًا من عرسال وجرودها، وهي الرافد الأساس للثوار السوريين، بالمال والسلاح والمؤن والرجال... والدعم النفسي. ولأن عرسال مجاورة للبقاع اللبناني، الذي يحسبه حزب الله خزانه الأول في تورّطه بالرمال المتحركة السورية، يريد خوض هذه المعركة بأي شكل من الأشكال، ليكون له النصر المبين، الذي سارع أمينه العام حسن نصرالله إلى إذاعته في خطابه الأخير الاثنين الماضي.

وذكرت أنباء صحافية من بيروت أن حزب الله يضع كل ثقله في هذه المعركة، التي يريد منها أولًا تأديب سنة عرسال قبل تأديب الثوار السوريين، فجهّز لها 15 ألفًا من عناصره. بينما أعلنت ميليشيات أبو الفضل العباس، المؤلفة من شيعة سوريين وعراقيين، والمتحالفة مع حزب الله والنظام السوري، في جنوب دمشق quot;معركة النفير لحماية السيدة زينبquot;، مكثفة حصارها للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية.

أعلام النصرة
في هذا السياق، نقلت تقارير صحافية عن عامر القلموني، الناطق باسم الهيئة العامة للثورة السورية في القلمون، قوله إن الثوار هناك اعتقلوا مجموعة من حزب الله، كان عناصرها يحاولون الدخول إلى القلمون حاملين أعلام النصرة.

أضاف: quot;ما يقلق النظام السوري وحزب الله اليوم هو أن الثوار قريبون جدًا من الوصول إلى الأوتوستراد الدولي، الذي يربط سوريا بالعراق، كما إن فرقة النظام الثالثة المتمركزة في القلمون صارت منهكة، ولا تمكنها قوتها العسكرية على خوض معركة بهذا الحجم، خصوصًا أن الجيش الحر يملك زمام المبادرة في العمليات العسكرية هناكquot;.

مدخل دمشق
للقلمون أهمية كبرى في المعركة اليوم، إذ تسيطر المعارضة على مساحة واسعة من يبرود والزبداني وفليطا وقارة والمشيرفة ورأس العين والمعرّة وعسال الورد ومزارع رنكوس، إلى جزء من ريف النبك، حيث تنتشر عناصر جبهة النصرة ولواء الحق وألوية الصحابة وأسود السُنّة، إلى جانب لواء الإسلام القوي، بقيادة زهران علوش، الذي ينسب إليه وثوق علاقته بالسعودية. وقد انتقل إلى القلمون كل المقاتلين، الذين تركوا القصير والغوطة الشرقية، ما رفع عدد مقاتلي المعارضة فيها إلى نحو 20 ألف مقاتل.

تعد سلسلة الجبال الشرقية، حيث تمتد القلمون، مدخلًا رئيسًا لدمشق من جهة الغوطة الشرقية، فالقلمون أقرب نقطة تربط بين حمص ودمشق، وتسمح جغرافيتها بتأمين المقاتلين، بفضل أوديتها وأحراجها وجرودها الفسيحة، كما فيها أكبر القطع العسكرية النظامية ومخازن الأسلحة والمطارات العسكرية، كالناصرية والضمير.

تداعيات المعركة
للحسم العسكري في القلمون طعم خاص، يريد أن يتذوقه الطرفان. فالجيش السوري يريد به إنهاء المعارك في ريف دمشق، وإبعاد التهديد العسكري عن العاصمة، والإمساك بجبهة حمص، وحصر المعارك في حلب ودرعا، وإقفال الحدود مع لبنان ومحاصرة عرسال لتخفيف تأثيرها على الداخل السوري. بينما يريد الثوار إفشال كل هذه المخططات، من أجل تعزيز الضغوط على العاصمة، ولعب هذه الورقة الاستراتيجية على طاولة جنيف-2.

ولمعركة القلمون تداعيات إقليمية، فبعد توجّه الأردن وتركيا نحو ضبط حدودهما مع سوريا، وانتزاعها من يد الجماعات الإسلامية، صارت القلمون هي الخط الحدودي اللازم لمرور الدعم الخارجي لقوى المعارضة السورية المسلحة. وهكذا، تكتسي معركة القلمون أهمية أبعد من موضوعها الداخلي، فلا تعود معركة بسيطة للسيطرة العسكرية والجغرافية، بل تصير معركة مصيرية ترسم حجم كل من طرفي النزاع، وتحدد دورهما الإقليمي.