كشفت مصادر دبلوماسية في لندن أمام (إيلاف) أن القيادة السعودية لم تكن ترضى باستقبال أي موفد أو مبعوث أميركي، إلا على أرضية موقف أميركي واضح من مختلف قضايا الإقليم.

قالت المصادر التي تابعت زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى السعودية إن الرياض، التي كانت عبّرت عن غضبها من مواقف الحليف الأميركي لجهة عدد من القضايا الإقليمية، كانت صريحة في ما طرحته مع ضيفها الأميركي الذي كانت رفضت استقباله حتى يأتيها بـquot;الخبر اليقين والواضح دون لبس أو غموضquot;.
يشار إلى أنّ زيارة كيري للعاصمة السعودية احتلت مساحات واسعة في تقارير وتغطيات الصحافة الغربية وخاصة الأميركية والبريطانية والفرنسية، وحتى أن الصحافة الإسرائيلية رصدت التفاصيل الدقيقة لمفاصل المحادثات.
وحسب تلك المصادر، فإن كيري سمع من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلاماً صريحاً حول موقف المملكة من جملة قضايا الإقليم الساخنة بما فيها الأمن الأقليمي الذي له الأولوية القصوى في الاستراتيجية السعودية.
ومع تأكيد الرياض على ضرورة quot;أن تكون الأفعال لا الأقوالquot; هي العامل الحاسم في العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن، فإن الملك عبدالله عرض بكل صراحة مواقف المملكة تجاه قضايا الإقليم، مؤكداً أنها ملتزمة بالتعاون مع الحليف الأميركي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وحتى ثقافياً لبناء المزيد من جسور الثقة.
وزير الخارجية الأميركي حمل إلى الرياض تأكيدات حاسمة بأن العلاقات القائمة عبر شراكة استراتيجية متواصلة منذ 75 عاماً ستظل صميمية مع الاعتراف بدور المملكة القيادي في الإقليم.
الأمن القومي
وتؤكد المصادر الدبلوماسية التي واكبت محادثات كيري في الرياض وهي كانت المحطة الأهم في جولته الراهنة، أن القيادة السعودية نبهت ضيفها الأميركي أن الأمن القومي جزء لا يتجزأ من سوريا إلى العراق، ومن إيران إلى لبنان، ومصر، وبالطبع الساحة الخليجية العربية.
الوزير كيري من جانبه، أكد أن الولايات المتحدة ملتزمة تماماً بالأمن الإقليمي لدول الخليج العربي، وهو هنا اشار على وجه الخصوص الىأن أية تغييرات في السياسة الأميركية في ما يتعلق بالشأن البحريني لن تجري ولم تطرح على ساحة البحث لدى الإدارة الأميركية.
وكانت تصريحات لمسؤولين أميركيين عن الأوضاع في البحرين، بما في ذلك خطاب الرئيس اوباما امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، اثارت غضبًا في البحرين والسعودية حين وضعت مسألة الشأن الداخلي البحريني في سلة تتشابه فيها مع كل من العراق وسوريا من حيث التوتر الطائفي.
مواجهة الارهاب
كما أن وزير الخارجية الأميركي الزائر، دعا خلال محادثاته مع مضيفيه في الرياض إلى ضرورة مساهمة المملكة العربية السعودية في مواجهة الإرهاب على صعيد دولي كما واجهته بنجاح على صعيدها الداخلي.
ومع إشادته بالتوجهات والتغييرات الإصلاحية الحاصلة في المملكة، فإن وزير الخارجية الأميركي وصف المملكة بأنها (الأخ الأكبر للجميع اقليميًا)، مؤكداً في الاتجاه ذاته أن علاقة واشنطن بالرياض تتخطى العلاقات الثنائية الى شراكة استراتيجية كاملة وإقرار بدور السعودية الاقليمي.
وأثنى كيري بقدرة القيادة السعودية كونها quot;في الواقع اللاعب الأبرز في العالم العربيquot;، مشيرًا إلى quot;قدرتها على التأثير في العديد من القضايا التي تعنينا أيضًاquot;.
وشدد وزير الخارجية الاميركي جون كيري على أن quot;العلاقة بين بلاده والمملكة العربية السعودية، هي علاقة استراتيجية وطويلة الامدquot;، مطمئناً الجميع على quot;أننا نتشاطر مع المملكة العربية السعودية مصالح أساسية تتعلق بالحرب على الإرهاب والتدفق الحر للنفط وحماية حلفائناquot;.
وهنا أكدت المصادر الدبلوماسية في كلامها أمام (إيلاف) أن كيري حين عودته الى واشنطن بعد جولته الراهنة سينقل صورة واضحة وصريحة تحتاج الى اهتمام الادارة الاميركية وقد تجبرها على مراجعة الكثير من سياساتها، خصوصًا نحو سوريا وقضايا الأمن الإقليمي.
سعود الفيصل يطمئن
بدوره، كان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي واضحاً في مفاصل محادثاته مع نظيره الأميركي الذي سعى الى تطمين الحليف السعودي حول موقف بلاده من مجمل القضايا، والتأكيد على وعي إدارته بجدية الملاحظات السعودية، كما أنه أقرّ بوجود quot;خلاف تكتيكي وليس في الهدف الاستراتيجيquot; بين البلدين حول تلك القضايا وخاصة لجهة سوريا وإيران.
وقد طمأن الأمير سعود الفيصل ضيفه الأميركي بأن الرياض ترى على الدوام أن quot;العلاقات الحقيقية بين الأصدقاء لا تقوم على المجاملةquot;، وفي هذا كان يشير الىquot;التحليلات والتعليقات والتسريبات التي أسهبت في الآونة الأخيرة في الحديث عن العلاقات السعودية الأميركية، وذهبت إلى حد وصفها بالتدهور، ومرورها بالمرحلة الحرجة والدراماتيكيةquot;.
ونبّه سعود الفيصل إلى quot;أنه غاب عن هذه التحليلات أن العلاقة التاريخية بين البلدين كانت دائمًا تقوم على الاستقلالية، والاحترام المتبادل، وخدمة المصالح المشتركة، والتعاون البناء في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية خدمة للأمن والسلم الدوليينquot;.
وأضافquot; أن اعتذار المملكة عن عضوية مجلس الأمن لا يعني بأي حال من الأحوال انسحابها من الأمم المتحدة، إلا أن المشكلة تكمن في قصور المنظمة في التعامل مع القضايا والأزمات السياسية وخصوصًا في منطقة الشرق الأوسط، والسبب عجز مجلس الأمن في التعامل معهاquot;، داعيًا مجلس الامن إلى quot;العمل على حل المشاكل من جذورها وحفظ الأمن والسلم الدوليينquot;.

القضية الفلسطينية
وقال الفيصل إن هذا القصورquot; واضح في القضية الفلسطينية، واختزال الأزمة السورية في نزع السلاح الكيميائي الذي يعتبر أحد تداعياتها، لم يؤدِ إلى وضع حد لأحد أكبر الكوارث الانسانية في عصرنا الحالي، فضلاً عن التقاعس الدولي في التعامل الحازم وتطبيق سياسة جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والسلاح النوويquot;.
وشدد على أن المملكة ترىquot; أن المفاوضات لا ينبغي أن تسير إلى ما لا نهاية، خصوصا وأننا بتنا نقف أمام أزمات جسيمة لم تعد تقبل أنصاف الحلول، بقدر حاجتها الماسة إلى تدخل حازم وحاسم يضع حدًا للمآسي الإنسانية التي أفرزتها هذه الأزماتquot;، ضاربًا المثل على ذلك بعدم قدرة النظام الدولي على إيقاف الحرب ضد الشعب السوري.
جدية وشفافية
واكد الفيصل أن المملكة والولايات المتحدة quot;منهمكتان في التعامل مع هذه القضايا بكل جدية وشفافية، في سياسة لا مجال فيها للعاطفة أو الغضب، بل بتحكيم لغة العقل والمنطق، على أساس من الثقة المتبادلة في تلمس السبل الكفيلة بمعالجتها.
ويشار إلى أن الرياض كانت غضبت من تراجع الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تهديده بتوجيه ضربة عسكرية إلى الحكومة السورية والرئيس بشار الأسد في سوريا. وكان رئيس مجلس الأمن القومي ورئيس الاستخبارات العامة السعودي الأمير بندر بن سلطان، قال إن المملكة قد تراجع علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد مواقفها quot;المتخاذلةquot; من الرئيس السوري.
وختاماً، فإنه يبدو أن هناك تأكيدات أميركية قدمت للرياض من أهمها أن quot;لا دور للأسد في المرحلة المقبلة، وأن أي انفتاح أميركي نحو إيران لن يكون على عاتق العلاقات الاستراتيجية مع السعودية أو الأمن القومي العربي.