كشف المستشار النووي السابق للرئيس الأميركي غاري سيمور عن أن واشنطن منعت إسرائيل عام 2012 من تفعيل الخيار العسكري ضد إيران، وأوضح أن الخلاف المعلن بين أوباما ونتانياهو يصب في صالح إيران، مشيراً إلى أن خامنئي يرغب في إطالة أمد التفاوض لتخفيف العقوبات عن بلاده فقط.


القاهرة: قبل ما يقرب من شهرين فقط، كان البروفيسور الأميركي غاري سيمور من أكثر الشخصيات نفوذاً وتأثيراً على الرئيس باراك اوباما، خاصة في ما يتعلق بسياسة الإدارة الأميركية حيال البرامج النووية الإيرانية. وفي سياق لقاء مع صحيفة يديعوت احرونوت العبرية تطرق سيمور بإسهاب بالغ للحديث عن الاتفاق الانتقالي، الذي وقعته الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا مع إيران.

تشاؤم حول التوقيع على اتفاق نهائي

وأعرب سيمور عن تشاؤمه من احتمالات التوقيع مع إيران على اتفاق نهائي، محذراً من استمرار المفاوضات مع حكومة طهران حتى نهاية ولاية الرئيس باراك اوباما، كاشفاً النقاب عن أن الرئيس الأميركي كان على قناعة بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو كان يعتزم تفعيل الخيار العسكري في التعامل مع إيران عام 2012، إلا أن الولايات المتحدة ودولاً أخرى حالت دون وصوله للهدف.

سيمور الذي يرأس حالياً منظمة quot;معًا ضد إيران نوويةquot;، ومدير أبحاث في مركز quot;بلفرquot; التابع لجامعة هارفارد الأميركية، كان لمدة أربع سنوات مسؤولاً في البيت الأبيض عن سياسة الرئيس اوباما الخاصة بمنع انتشار الأسلحة غير التقليدية، بما في ذلك الأسلحة النووية الإيرانية.

وشارك غاري سيمور الاثنين الماضي في المؤتمر الاستراتيجي السنوي، الذي ضم عشرات من الخبراء الإسرائيليين، جاء في طليعتهم رئيس هيئة الأمن القومي الإسرائيلي السابق البروفيسور عوزي أراد. وتدور فعاليات المؤتمر في مدينة هرتسليا الإسرائيلية، بعيداً عن عيون الكاميرات، لبلورة اتجاهات الإستراتيجية الإسرائيلية، إزاء المتغيرات الأخيرة، التي طرأت على منطقة الشرق الأوسط والعالم بشكل عام.

وفي مستهل حديثه للصحيفة العبرية، قال سيمور: quot;إنني أتفهم جيداً قلق نتانياهو وإسرائيل، وإذا كان الاتفاق النووي مع إيران اتفاقاً نهائياً وليس انتقالياً، فسيكون في هذه الحالة عادلاً، فالاتفاق الذي يدور الحديث عنه اليوم لن يقلص من قدرات إيران الرامية إلى إنتاج سلاح نووي، لكن كما يقول الرئيس اوباما - هذه هي الخطوة الأولى، والاهم الآن هو أن فترة الستة أشهر، التي يمكن التوصل فيها إلى خطوات على ارض الواقع إزاء الملف النووي الإيراني بعيدة جداً، فرغم أن الولايات المتحدة وضعت شروطاً صعبة للغاية حيال المطالب المستقبلية من إيران، لاسيما في ما يتعلق بقدراتها النووية، إلا إنني لا أثق في أن حكومة طهران ستتجاوب مع تلك المطالب، ولن تتمخض المفاوضات عن أي جديدquot;.

المجتمع الدولي لم يمنح إيران حق التخصيب

وفي ما يتعلق بقراءته للاتفاق النووي الانتقالي المبرم مع إيران، أوضح سيمور أن الاتفاق ايجابي من منظور تقليص أو تجميد توسع البرنامج النووي الإيراني، كما أنه يعيد البرنامج عينه خطوة صغيرة للوراء في عدة مجالات، مثل اليورانيوم المخصب بنسبة 20%.

من تلك الايجابيات، وما يترتب عليها من إخماد لنار تخصيب اليورانيوم لمدة ستة أشهر، وافقت الولايات المتحدة وشركاؤها على التراجع عن فرض عقوبات جديدة على طهران، إلا أن المفاوضات المقبلة ستتطلب مجهوداً غير عادي للتوصل إلى اتفاق نهائي حول البرنامج النووي الإيراني، خاصة أن الزعيم الروحي الإيراني علي خامنئي لن يكون بوسعه التنازل عن رغبته في تطوير سلاح نووي، لذلك فإنه من غير المستبعد أن يكون هناك اتفاق انتقالي جديد غير الذي تم التوقيع عليه مؤخراً، يستبق المحادثات المزمعة، وربما يؤدي ذلك إلى فرض قيود جديدة على برنامج طهران النووي، وتقليص جديد للعقوبات المفروضة على إيران.

وفي ما يتعلق بموقف المجتمع الدولي من إيران، أوضح البروفيسور الأميركي، أن المجتمع الدولي لم يمنح إيران الحق في تخصيب اليورانيوم، وأضاف: quot;إنني لا أرى أن هذا الاتفاق يمنح إيران الحق في تخصيب اليورانيوم، فالاتفاق يشير إلى أنه في المرحلة النهائية، سيكون من حق إيران امتلاك برنامج تخصيب، يقوم على أساس مشروع متفق عليه من كافة الأطراف، كما ينص الاتفاق على فرض قيود على عدد أجهزة الطرد المركزي ونوعها وكمية اليوارنيوم المخصب بنسب ضئيلة وتحديد أماكنه، وسوف تدار المفاوضات المقبلة على خلفية تلك الإشكالياتquot;.

ويرى مستشار اوباما النووي السابق، إن الإيرانيين سيرغبون في برنامج تخصيب منتظم لخدمة أغراضهم الصناعية، ويشمل ذلك عشرات أجهزة الطرد المركزي، بينما سترغب الولايات المتحدة خلال المحادثات المزمعة أن تمتلك إيران برنامج تخصيب صغيراً جداً، للحيلولة دون تمكين طهران من بناء سلاح نووي، فحتى تلك الساعة بات الطرفان بعيدين كل البعد عن التفاهم حول هذا الموضوع، لذلك أعرب الخبير الأميركي عن عدم ثقته في احتمال أن تسفر تلك المفاوضات عن اتفاق خلال الأشهر الستة المقبلة.

طهران لن تتراجع عن امتلاك سلاح نووي

وحول إمكانية تعويله الايجابي على الإيرانيين إزاء التوصل إلى اتفاق، أوضح سيمور أنه لا يرى أي مؤشر لدى حكومة طهران، يحرك بداخله إمكانية التعويل عليها في التوصل إلى اتفاق حول برنامجها النووي، وأضاف quot;أن الزعيم الروحي الإيراني عاقد العزم على امتلاك سلاح نووي، وبسبب العقوبات المفروضة على بلاده، وافق على تقديم عدة تنازلات تكتيكية لتفادي تلك العقوبات، لذلك فإنه لا يتنازل عن انتزاع امتلاك السلاح النووي من يده طالما بقي في السلطة، أما نحن فهدفنا الرئيسي هو تجميد النشاط النووي الإيراني، لكن الاتفاق الذي يدور الحديث عنه يُبطئ النشاط. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يُسمح لنا باتخاذ خطوات جادة وفاعلة تُبعد الإيرانيين عن امتلاك السلاح النووي؟quot;.

وتشير معلومات الصحيفة العبرية إلى أن سيمور أمضى سنوات طويلة في البيت الأبيض واقترب كثيراً من الرئيس باراك اوباما وعرفه جيداً، كما عرف أيضاً وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وعلى حد قول سيمور، فإن الرجلين الأقوى في الإدارة الأميركية لا يعولان كثيراً على تجاوب إيران إزاء التوقيع على اتفاق نهائي حول برنامجها النووي، وأضاف: quot;الأزمة تكمن في أن إسرائيل لا تعي ذلكquot;.

ويؤكد الخبير الأميركي المخضرم أن الرئيس اوباما يبحث عن فرصة للتقدم على المسار الدبلوماسي منذ أربع سنوات، إلا أن الإيرانيين رفضوا الامتثال لإجراء مفاوضات، لكن في الوقت الحالي، وبسبب الضغوطات التي تفرضها العقوبات الدولية على حكومة طهران، استجاب الإيرانيون للمرة الأولى لتقديم تنازلات فعلية لتحجيم أو تباطؤ برنامجهم النووي، ومن جانبه انتهز اوباما تلك الفرصة معرباً عن أمله في أن تلعب الدبلوماسية دوراً في تمكينه من فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني. وأوضح الخبير الأميركي: quot;إذا لم ينجح اوباما في ذلك، فسيقف أمام خيارين قاسيين جداً، وهما: استخدام القوة العسكرية، أو القبول بسلاح نووي إيرانيquot;.

الإيرانيون يرغبون بالتفاوض رغبة في تخفيف العقوبات

وبحسب سيمور، أوضح الرئيس اوباما أنه على استعداد لاستخدام القوة العسكرية ضد حكومة طهران، إذا تطلب الأمر ذلك، لكنه يرغب في الوقت عينه الحيلولة دون استخدام القوة العسكرية، إذا كان من الممكن النجاح في الوصول للهدف مع إيران عبر الطرق الدبلوماسية.

وفي رد على سؤال حول احتمالات استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية ضد إيران إذا لم تستجب الأخيرة للجهود الدبلوماسية، قال سيمور: quot;ما أراه، هو أن المفاوضات مع إيران ستستمر فترة معينة، لاسيما أن حكومة طهران تبحث عن آليات، تمكنها من تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، فالإيرانيون لن يرغبوا في توقف المفاوضات، طالما أن سريانها يخفف العقوبات عن كاهلها، وأنا اعتقد أننا في مستهل عملية تفاوضية طويلة وصعبة للغاية، من الممكن أن تستمر حتى نهاية فترة ولاية الرئيس الأميركي باراك اوباماquot;.

وحول سخط نتانياهو من اوباما على خلفية الاتفاق الذي يدور الحديث عنه مع إيران، أوضح الخبير الأميركي أن ليس من حقه التعليق على مواقف رئيس دولة أجنبية، لكنه في الوقت عينه أبدى أسفه من تباين وجهات النظر العلني بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول البرنامج النووي الإيراني.

وأضاف: quot;هذا الوضع لن يعزز موقفنا في التفاوض مع طهران، واعتقد أن ما يجب على واشنطن وتل أبيب حالياً هو التوصل إلى تفاهمات وتنسيق للمواقف المشتركة في ما بينهما، أما إذا لم يحدث ذلك، فلا استبعد أن يعتقد الإيرانيون أنهم الطرف الأقوى في المفاوضات، وسيحول ذلك دون التوصل إلى تقدم في العملية التفاوضية، وهو الأمر الذي يتعارض والمصالح الأميركية الإسرائيلية المشتركةquot;.

quot;جنيف 2quot; أعلى من تطلعات أميركية سابقة

وفي رد على سؤال حول موقفه من اتفاق quot;جنيف 2quot;، إذا كان لا يزال في منصبه بالبيت الأبيض، قال سيمور: quot;ليس ثمة شك في أنني حينئذ كنت سأدعم الاتفاق، فما جرى في الاتفاق الذي يدور الحديث عنه، كان أعلى بكثير من تطلعاتنا خلال أربع سنوات مضت، فمطالبنا من إيران كانت أكثر تواضعاً من المطالب التي وافقت عليها حكومة طهران حالياً، وإنني اعتقد أن التنازل الإيراني في هذا الصدد جاء نتيجة العقوبات الاقتصادية التي وضعت روحاني على سدة الحكم، وأجبرت القيادة الإيرانية على تفهم ضرورة تقديم تنازلات، لتخفيف حدة تلك العقوباتquot;.

أما في ما يتعلق باحتمالات توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لمنشآت إيران النووية، فأوضح الخبير الأميركي، أن تلويح نتانياهو وعدد كبير من ساسة إسرائيل بعدم الاعتراف باتفاق جنيف 2، واعتزام تل أبيب ضرب إيران ليس في أوانه، فإذا نجحت الدبلوماسية الدولية في التوصل لحل مع الملف النووي الإيراني، فلن يكون هناك داع لتمرير خيار العمل المسلح ضد طهران، أما إذا فشلت تلك الجهود، وواصلت إيران مساعيها لامتلاك سلاح نووي، فأنا على يقين بأن الخيار العسكري في التعامل مع إيران بات حتمياًquot;.

وفي نهاية حديثه للصحيفة العبرية، أكد سيمور أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو كان مصرّاً على تفعيل الخيار العسكري ضد إيران عام 2012، إلا أن الولايات المتحدة ودولاً أخرى، ضغطوا على تل أبيب من اجل التراجع عن قرارها، كما أن وزراء في الحكومة الإسرائيلية شاركوا واشنطن موقفها ومنعوا نتانياهو من الإقدام على تلك الخطوة. وأوضح الخبير الأميركي أنه لم يسمع حواراً بين نتانياهو واوباما بهذا الخصوص، لكنه أضاف: quot;أنا على يقين من أن نتانياهو كان جاداً جداً في قصف إيران عام 2012quot;.